ياسين طه حافظ يطرق أبواب القصيدة بمحاذير يقظة
( النص علاقة مشهدية بين الأسماء و الأوصاف )
اليوم أصبحت مرجعيات القراءات النسقية في النقد الشعري لربما لا تولي لمبدأ الوسائل و التركيبات البنيوية في القصيدة ذلك الجانب المرن من الأهتمام على بناء مرتكزات بلاغية و تأطيرية ما بين حدود الأفتراقات الأولية في النص و بين ممكنات ما ينبغي أن تتحول عليه القصيدة في مناحي مشهدية الخطاب و مشهدية مرجعيات الأشكال الأسمية و التوصيفية الماثلة و حقيقة أنطلاقات مبدأ المقاربات الشروطية و الأجناسية في النقد النسقي ، ألا أننا و من خلال قراءتنا لقصيدة ( لو أننا نحيا الحياة جميلة ) للشاعر الكبير ياسين طه حافظ ، المنشورة في صحيفة الزمان ، العدد ( 3726 / 20 من تشرين الأول / 2010 ) نجد بأن مهيمنات هذا النص تندرج وفق ملفوظات أشكالية و حدود مشهدية تصريحات نسقية خطاب القصيدة التي راحت في صورها و معادلاتها تتطابق و أفق متون النماذج النسقية السردية في مقولة البنية العامة الشكلية ، و عند الأمعان في سياقية هذه القصيدة ، نرى بأن مرجعية الأجراء الشعري من خلالها ، يتبع معادلة أسلوبية السردية في أوصاف خيارات الكلام ، و لدرجة أن
القارىء لها ، يلاحظ بأن مرتكزات لغة القصيدة قد جاءت بموجب منسوبات حولية من فعل هامشية الدوال الشعرية العائمة على سطح المشهد الشيئي :
قد توسلنا ، أنحنينا للتراب ، لعلنا
نحظى بحب الله ، يمنحنا حمايته وينقذنا
من الشر الذي يأتي ، وقبلنا المراقد ..
يا اله الكون أنقذنا
وعدنا دونما أمل .
ننساق منتهكين للظل المهدد بأختراق الموت ..
هل أحد يفسر هذه الأحلام ؟
لكن الكوابيس الكبيرة لا تفسر حين
تمطرنا بقتلى و الدم المسفوح يرسم
فوق أيدينا محاذيرا و فوق الأرض موعظة
القارىء لربما يلاحظ بأن الشاعر و بهذه المقطعية الأولى من القصيدة ، يقتفي خطوات و تصورات الشعراء المتصوفة ، حيث نرى بأن الأسلوبية الشعرية و ضمن أفق ( لغة الملكوت الأعلى ) لابد أن تكون عبارة عن معادلات أنشادية
بقيمة دائرة الشعري المنصب وفق مرجعيات مخيالية تنسكب بليونة سائغة بحال الأستدراك توصيفا متواليا بملاحظات خصائص القول و على هذا فأن أستهلالية عتبة التصدير الأول ف القصيدة ، شاء أن يقودنا نحو خصيصة صوتية تعاين بمستوى الدال هوية ذات تشعبات صورية هادفة ، فعلى سبيل المثال ، تجرنا صورية المتآتي من القول لدى الشاعر ( يا اله الكون أنقذنا / و عدنا دونما أمل ) أن هذا الأيراد النوعي من التصديرات القولية ، لربما عادة ما يكون مصاحبا لنوع من هاجسية القولبة الأنزياحية في مراسم شعائرية الرؤية ، ألا أن الشاعر كان قد أرفقها و عند مقدمة القصيدة بهذا القول ( قد توسلنا / أنحنينا للتراب ) أن الموجهات التصديرية هنا قد أضحت قرائيا كما لو أنها ملفوظات أدخالية في رحم قابلية أستكشاف معنى المدار القولي الأخر ، وهذا ما يبدو واضحا و حدود هذا القول الأستفهامي ( هل أحد يفسر هذه الأحلام ؟ ) أن الخصيصة القولية بمثل هذا القول ، قد باتت تشكل منطلق لساني ودلالي في موجبات التوجه الأستفهامي ، و من منطلق آخر ، نرى بأن مقاربات التنصيص الشكلي في هذا القول ، قد جارت موصوفا وسائطيا بقيمة مسورات مقصدية التصديرات الأولى في النص ، و ذلك بما نراه في قول ( فوق أيدينا محاذيرا و فوق الأرض موعظة ) أن هذا المقطع بحد ذاته ، يعد بمثابة أنطلاقة الدال نحو تقويض أفعال الشرط الكلي من قيمة خبرية و أنشاء مقولات المتن النصي الآخر :
يمتد ظل الموت ، أسمعه و أحسه يأتي ..
فراغ ليس من أحد
ألا بقايا القش فوق الماء يطفو ،
غير أمكنة لنطبع فوقها الأقدام الأنواء ..
حاولنا نعيد صناعة الأشياء ، حاولنا ،
و كانت تضحك الأحجار في يدنا و ترجع
مثلما كانت تراب
و أنا نزفت الشعر كي أدني و أبعد
كي أعيد غزالة ضوئية قتلت أمام البيت
لاشك أن لغة ( ياسين طه حافظ ) في خطابية هذه المقطعية ، ما يشير به الى أمرا ما ، لربما يبدو غير مرئيا للقارىء و لكن يبدو واضحا للشاعر وحده ، لذا فأن قراءة هذه القصيدة ، لربما يعد بمثابة الأشتغال بمرجعية وقائع حياتية بعيدة و مبهمة إزاء مرجعية المتخيل في القصيدة و إزاء حساسية الكلمات و أسئلة القول الشعري : أنا لا أدري شخصيا ؟ عما يرمي اليه الشاعر من وراء دلالات قوله هذا ( يمتد ظل الموت / فراغ ليس من أحد ) لعل ياسين طه و بهذه الأشارة الدوالية ، لربما يتهيأ لحدود معايشة وظائفية جديدة في كتابة و مماحكات لأفعال قولية جديدة ؟ أم لعله صار يدرك من
جهة موعد أقتراب الأجل الكبير ؟ على أية حال ، لنعاين بدورنا مستوى المدى الدلالي في أفق المتن النصي ، لعلنا بهذا نتغافل عن حقيقة و رعب ما توحي به حساسية القول لدى هذه القصيدة . في قصيدة ( لو أننا نحيا الحياة جميلة ) نلاحظ بأن أنكشاف صيغة مستويات المروي القولي ، تؤشر الى مرحلة رمزية و وقائعية من حالات عتبة مركزية فعالية موجهات الدوال ، فعلى سبيل المثال ، نرى بأن قول مثل هذا ( و كانت تضحك الأحجار في يدنا / و ترجع مثلما كانت تراب ) أن مثل هذه المقولة لربما تبقى بمنزلة الهاجس الحتمي في منطوق مساءلة قضايا و أفاق ما ورائية حدود وظيفة الدوال و الرموز و الأستعارات الغيبية ، و من هنا يمكننا فقط ، ترجيح مقولات الشاعر في هذه القصيدة ، الى مواطن مستوحيات مرجعية الوقائعية و مرجعية أفعال المخيالية في صنع دلائلية القول الشفروي من حدود الغاية و المغزى ، و تبعا لهذا ، نرى بأن مساعي حدوثات فعل الدوال في مركبية ( المشار اليه ) تبقى مجرد تأسيسات تفعيلية في مرابض التضليل القولي والدلالي في النص ، و ألا ما معنى هذا ؟ ( كي أعيد غزالة ضوئية قتلت أمام البيت) أن مثل هذه الخطاطة الدوالية العائمة هنا ، لربما تحاول جاهدة أن ترسم لذاتها مشهدا صوريا معبرا نحو منطقة خصوصية المقترحات المضمونية الخاصة ، ألا أننا و في الوقت نفسه ، نجد بأن الرؤى المركزية في خاصية هذه المقطعية ، قد تتوارى نوعا ما ، عن آلية التصدير التراسلي في رسم المعنى المسبوق ، و على هذا نرى مثل هذا القول
المخالف قدما ( و أنا نزفت الشعر كي أدني و أبعد ) أن هذا الرسم هو الآخر لربما يعد بمثابة الأبتعاد عن فحوى القول المركزي و عن حقيقة دوال تصدير الفعل المعنون داخل ترسيمة جملة ( يا اله الكون أنقذنا ) و من هنا نلاحظ بأن هناك في قصيدة الشاعر هذه ، ثمة أفعال مقحمة و دخيلة على متن تأسيسات حكمية الدال القولي الرئيس ، و بذلك يسعى ( ياسين طه حافظ ) على جعل و حث ظنونية التلقي نحو مخالفة مقصدية رهانات التأويل الذاتي و القرائي في مفهومية حجاب فاعلية الخطاب الدلالي المسبوق :
من يستحق العطف
نحن لنا الرثاء
أرنو الى الرمث الذي يطفو و أبتسم
أبتساما أخرقا ، بحثا عن المعنى ؟
هنالك آخر مثلي ،
وذلك ثالث .. نرنوالى الدنيا
وكل ركبتاه تحت ذقنه
مثل شحاذ ..
من هنا تبدأ علامات بنية مساءلة القول الأيحائي ، ثم بالتالي تتوزع المقولة الشعرية داخل حلقات فضاء التصديرات التعريفية في التصوير البرهاني المتشظي ، أي أن قصيدة الشاعر و بهذه المكثفات التصعيدية في لعبة ملامح الحجب الدلالية ، تتبنى لها مستوى آخر من الممنوح التساؤلي ، و هذا بمثل هكذا قول ( بحثا عن المعنى ؟ / أبتساما أخرقا / أرنو الى الرمث الذي يطفو ) أن تشكيلية النموذج الدلالي هنا ، قد صار بمثابة الواجهة العلمية بحساسية نبوءة القول الدوالي من لدن الشاعر ( بحثا / آخر / أخرقا / يطفو ) ألا أن هذه الوظائفية العلاقاتية في مشهدية القصيدة القولية ، قد تبدو أحيانا مسارا شبه أحتمالي بموصوفات رابطية الدليل المركزي ، و قد ملء الشاعر هذه التشكيلية ، بالعلاقة الموجهة ما بين ( أشارية الزمن ) و بين ( معلومية الدليل ) و أذا ما ذهبنا الى مقترحية قيمة علاقات الآخر التشكيلي ، فسوف نرى بأن حبل معاينات مساحات الظاهر من القول النصي ، قد أخذت تنحصر و تنكشف وفق خصائصية دوالية مبهمة من زمن معلومية المحجوب من القول الكاشف :
لكن القطار
وصل المحطة
كل من في الأرض يرفض أن يسافر فيه ..
أقواس المحطة حلوة
و الريح حانية تلامسنا عذوبتها
وزحامها المكتظ يختزن الحياة و كل فرحتها ..
الأن تحديدا تنكشف مساحات بوح الدوال المحجوبة دلاليا ، و محجوبة عن منطقة مستويات الأستجابة الدلائلية في ما مضى من عمر القصيدة ، أي بمعنى ، أن حال الموجه القولي ، صار يتضح موضوعيا و عتبة تصديرات الفاعل المركزي في الخطاب العام ، و بهذا أيضا راحت تكتسب عتبة حساسية فضاء القول الدلالي أكثر عمقا و أرتكازا في حيثيات التصعيد النصي و السياقي في المدلول . و تستمر القصيدة حتى نهايتها لتنهل من فحوى صيغ التضامن المشترك ما بين و ظيفة ( الأسماء ) و بين حالات التشكيل الأوصافي :
الوهج في خدي
مصطبة
تعادل في فضاء الله كل مراكب الدنيا ..
يمد يدا ، تمانع ، ثم .. هذي لقطة
سيظل يحتفظ الشتاء بها ..
تبقى الحياة جميلة ، لو أننا نحيا ،
الحياة جميلة ..
تتشكل من هنا ( حكاية النص ) وهو يستنشق تمفصلات الأزمة الأنبعاثية من أشارات حمى الضاديات و المصالحات و التشاكلات في عتبات التصويرات القولية : أن قصيدة (ياسين طه حافظ) و بشكل أجمالي ، تحافظ على سيرورة محمولات خطابية بعيدة الأثر و المؤثر في رسم مضامين أفعال و دوال تشكلات الصور و الملفوظات النسقية في مقولة الآخر من فضاء أبعاد دلالة القصيدة ، أي بمعنى ، أن قصيدة الشاعر راحت تختزل قيمة الخطاب وفق متباينات لغوية متخالفة ، من شأنها أطالة اللفظ المدلولي نحو تمخضات دلالات جوانية مشروطة في متواليات جمالية التلقي ، و تبعا لهذا رأينا بأن خطاب القصيدة ، كان فعلا موصوفيا يتقصى لذاته رسم الأسماء و الأوصاف بموجب حالات قياسية دقيقة و حاذقة من لدن الشاعر الذي راح (يطرق أبواب القصيدة بمحاذير يقظة ) تتجاوز مشروعية و ملكية ما قد وجدناه في باقي قصائد الشعراء أقرانه : وختاما نقول للقارىء بأن عوالم قصيدة (ياسين طه حافظ )هي هكذا تشكل دوما بنية نسقية متكاملة قولا وفعلا وصوتا ، كما انها تبقى قرائيا تشكل جهازا عضويا متلاحما لا يعرف غير نظام القول الخالص في بناء و رسم واقعا ملفوظيا قارا بمهارة القدرة على وظيفة رسم و تدوين الأتصال و الأنفصال في تشكيل عنونة الأسماء و الأوصاف الشعرية المتينة .