18 نوفمبر، 2024 2:28 ص
Search
Close this search box.

العراق بين مشروع بناء الدولة أوالحكومة ؟

العراق بين مشروع بناء الدولة أوالحكومة ؟

يبدو ان الطبيب الفرنسي جوزيف غوبتين الذي صنع المقصلة والتي سميت فيما بعد بأسمه واستخدمت لقطع رؤوس الكثير من الشخصيات ابان الثورة الفرنسية عام 1798 باعتبارها آلة حاسمة في قطع الرؤوس واستعان الطبيب جوزيف بخبرة زميل جراح اسمه انطوان لوي، وشرح الاثنان أمام النواب مزايا اختراعهما مؤكدين أنها أسرع واضمن وسيلة إعدام وأقلها بربريةعلى أساس تجنيبها المحكوم الألم، كما وان العراق فيه مقصلة من نوع اخر وظيفتها قتل اي فكرة ترمي لبناء دولة قادرة على اجتياز التحديات من خلال رؤى وافكار تتماشا مع واقع العصرلا يمكن لها ان ترى النور فالهدم اسرع واقل تكلفة من البناء، وبناء الدولة ليس امراً سهلاً على المرء تحقيقه بين ليلة وضحاها, فالدولة عديمة الطعم واللون والرائحة حالها حال الماء والهواء الجميع يستفاد منه ،فبالدولة يتعدد الدين والمعتقد والقومية وايصال الخدمات وتوفير الاحتياجات لايقتصر بشخص دون اخر,لكن الحكومة سرعان ما تتلاشى وتذهب وتأتي حكومة اخرى ,لكن بناء المقومات الرئيسية لمنظومة الدولة هي اوسع واعمق دلالة من الحكومة .
ان التمييز بين الدولة والحكومة، رغم أن المفهومين يستخدمان بالتناوب كمترادفات في كثير من الأحيان. فمفهوم الدولة أكثر اتساعا من الحكومة.حيث أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءا من الدولة. أي أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة. إلا أن الدولة كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها: حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام الأوسع والأكثر استقراراً ودواماً الذي تمثله الدولة. كما أن السلطة التي تمارسها الدولة هي سلطة مجردة “غير مشخصنة” : بمعنى أن الأسلوب في اختيار موظفي وزارات ومؤسسات وهيئات الدولة وتدريبهم يفترض عادة أن يجعلهم محايدين سياسيا تحصينا لهم من التقلبات الأيديولوجية الناجمة عن تغير الحكومات. وثمة فارق آخر وهو تعبير الدولة (نظريا على الأقل)عن الصالح العام أو الخير المشترك ،بينما تعكس الحكومة تفضيلات حزبية وأيديولوجية معينة ترتبط بشاغلي مناصب السلطة في وقت معين .
فقد كان علي ابن ابي طالب (ع) محقاً وصاحب رؤية وبصيرة ثاقبة عندما أوصى رفيق دربه ونضاله مالك الاشتربان يكون اختيار الأشخاص لقيادة مرافق الدولة في مصر ليس على أساس المكون واللون والدين وانما على الكفاءة والخبرة والتجربة والجراءة في الاقدام،وأتذكر ما قاله الرسول الاكرم (ص) لأبي ذر الغفاري (رض) يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها”, فهل يعني ان ابا ذر غير مهيئ لمثل هكذا امر؟علماً انه صاحب مقولات رائدة وخالدة في مجال مكافحة الحكام الفاسدين ونفيه للربذة احد الاسباب في رفضه للواقع المؤلم آنذاك ,لكن القضية ليست انه ملتزم دينياً او يعرف الشرع والحلال والحرام ,انما بيت القصيد بتسنم السلطة تعني قيادة مصغرة لدولة وليس مكسب او غنيمة .
فالسلطة السياسية التي تحترم كرامة الانسان في التعامل معه ركيزة من ركائز وجود الدولة المدنية ولا يكفي لنشأة الدولة وقيامها وجود شعب يسكن إقليما معينا وإنما يجب أن توجد هيئة حاكمة تكون مهمتها الاشراف على الإقليم ومن يقيمون عليه (الشعب)وتمارس الحكومة سلطتها وسيادتها باسم الدولة بحيث تصبح قادرة على الزام الافراد باحترام قوانينها وتحافظ على وجودها وتمارس وظائفها لتحقيق اهدافها.
الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق لأكثر من (1400) عام لم تفكر ملياً ببناء دولة مدنية في العراق فكل يغني على ليلاه ، فكان هم الحكومات هو كيف تجني الاموال وترسلها لصناع القرار للإمبراطوريات التي حكمت البلد مرة باسم الدين وتارة باسم حماية المكون وحتى الولاة الذين سعوا الى اجراء الإصلاحات في ميادين مختلفة للنهوض بدولة حديثة ,تمت محاسبتهم لانهم قصروا في جنيهم الاموال من البلد ومن ثم أرسلوا لدولهم واستبدلوا بآخرين عملوا جادين على تعميق الهوة في مفهوم الدولة ورفض المواطن للمساهمة بهذا المشروع حتى انه تحول بدافع العقد السيكولوجية الى عدو ينتهز الفرص للانقضاض على فريسته (الدولة) فكان زلزال التحول السياسي الذي شهده البلد عام 2003 ،هو انعطافة تاريخية بحياته فالنظام سقط وسقطت معه كل اركان الدولة والسبب يعود في ذلك لأنه اجتزئ هذا المفهوم الواسع بشخصه الديكتاتوري,فهو القائد الأوحد وفارس الأمة وصانع الانتصارات وبطل الحرب والسلام على العلم انني لم اجد اي انتصار له ،فالانتصار الذي حققه انه اسس لبنى تحتية من الفساد ومظاهره وأشكاله المختلفة .
فما كان يتوقعه الاعم الاغلب من العراقيين بتسليم البلاد بعض المواقع والمراكز لقيادات شابة مؤمنة في قرارة نفسها بالتغيير والاصلاح والسهر ليالي والتفكير بجد ووضع الخطط والبرامج نقيين من العقد بعكس غيرهم الذين ينظرون للمرآة تهاجمهم ذكريات ماضيهم المؤلم والمليء بالتناقضات، فتغير واقع الحال السيء لأفضل وأحسن يتطلب من تتوفر لديه القدرة على الانجاز والتقديم وفسح المجال لتلك القيادات الواعدة والتي تعمل لتؤسس مشروع دولة لا حكومة يبقى لأجيال ينتقل من جيل لآخر،ولعل قربي من الناجحين وجدتهم يسيرون بنهج الاصلاح ويساهمون مع غيرهم من المصلحين في تضميد جراح العراق الذي هجمت عليه الذئاب والوحوش لتكمل ان كان هنالك لايزال شيء من البسمة والفرح،وهذا يأتي من خلال الخطوات المدروسة والنهج العلمي والعملي للعمل ورؤيتهم للانفتاح على الاخر دون النظر الى الون والشكل, فنجاحهم جاء بحكم التشاور مع الاخرين من حولهم والأخذ بالرأي الصائب وبعده عن ظاهرة الانفراد بالقرارلأن الحكمة تكمن في صدار قراراً مناسب في الوقت المناسب، الافق الواسع والتعالي عن الاصوات والسمو فوق الكثير من المسميات هو قوة تحسب لرائد،فهنالك من ينظرالى المنصب بأعتباره غنيمة وفريسة وفرصة لا تعوض لملء الجيوب،وتحويله لإمبراطورية جديدة يأتي بمن على شاكلته وقول المثل الطيور على اشكالها تقع ,المهم هو كيف ينتهي الشهر ويستلم راتبه دون النظر لحقل الابداع والابتكار والتطوير لموظفيه وشحذ الهمم فيهم لأنه يومن ببناء حكومة هزيلة فاشلة وبعدها يدير ادراج ظهره ويعلق فشله لأسباب ومسببات غير منطقية ،انه صراع بين أرادتين بين من يبني ويعمر ومن يخرب ويهدم والخاسر الاكبر بهذه المعادلة هو المواطن الذي تقزم طموحه لملل الانتظار والصبر فآماله وأمنياته هي لبناء دولة عصرية مدنية تنعم في ظلها كل مكونات المجتمع والعمل معه سوياً فهو النواة الاولى للبناء والركيزة الاساسية في مشروع يراد له النور متحدياً كل المعوقات التي تواجهه وعلى وجه الخصوص مقصلة غوبتين الجديد .

أحدث المقالات