12 ديسمبر، 2024 12:01 ص

الديمقراطية في العراق…ما تقوله الكلمات يُكذّبه الواقع

الديمقراطية في العراق…ما تقوله الكلمات يُكذّبه الواقع

كشفت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية الأسبوع الماضي عن تصّدر العراق قائمة مستوردي “القنابل المُسيلة للدموع” من كوريا الجنوبية بأكثر من 1,2 مليون قنبلة خلال العام الماضي ونصف العام الحالي، وذكرت الوكالة في تقرير لها أن العراق كان في المرتبة الأولى والأكثر إستيراداً للغاز المُسيل للدموع خلال الفترة من 2019 وحتى منتصف العام الحالي حيث إستورد العراق 732 ألف قنبلة غاز مُسيل للدموع من كوريا الجنوبية للمرة الأولى في العام الماضي، وإشترى 478 ألف قنبلة إضافية في النصف الأول من هذا العام، متفوقاً على غيره من الدول المستوردة لهذا السلاح.

وبجردة حساب بسيطة كما تشير إليها بعض المواقع الألكترونية فإن سعر القنبلة الواحدة يتراوح مابين 10 – 50 دولار للنوع الجيد في التنكيل، أي إن العراق إستورد هذه القنابل بمبلغ يتراوح بين 20 مليون – 60 مليون دولار من أجل ضمان التأثير الفعال لمفعول تلك القنابل في إسالة دموع المتظاهرين الذين تعتقد السلطة أنهم ربما يكونون العدو رقم واحد لوجودها.

هذا االمبلغ كان يكفي لتعيين آلاف الشباب العاطلين عن العمل أو بناء عشرات المدارس والمستشفيات.

سألني أحد الأصدقاء وهو يتطلّع إلى أرقام هذا التقرير، ما الذي يحدث في العراق، وهل غادرنا زمن الديكتاتورية والإستبداد؟ ولماذا تُعاملنا السلطة بكل هذه القسوة المفرطة؟ ولماذا فشلت النُخب السياسية العراقية في بناء مؤسسات عصرية ونظام ديمقراطي حقيقي يضمن كرامة المواطن العراقي؟ وما هو طبيعة هذا الإنتقام وتصفية الحساب لتصفير هذا الثأر المستمر؟.

ما يدعو إلى المفارقة المؤلمة في المشهد السياسي إن الجماعات التي تمارس هيمنتها على السلطة، قد أجمعت على إحتقار الشعب العراقي والتنكيل به، وهنا لا أقصد النظام السياسي العراقي، فهذا الوصف يصعب وضعه في معجم الأدبيات الوطنية، فهو نظام مرتبك فوضوي.

لازالت الذاكرة تحتفظ بصورة ذلك الشاب التشريني الذي قضى نحبه في ساحة التحرير في تظاهرات تشرين 2019 ممدداً على الرصيف وقد إخترقت قنبلة الغاز جمجمته وهشّمتها.

صور ومشاهد بشعة تحتفظ بها ذاكرة الناشطين والمتظاهرين عن قسوة السلطة في التنكيل بهم من خلال تلك القنابل التي إعترفت في حينها منظمات لحقوق الإنسان وغيرها بخطورة تلك الأسلحة وقتلها للمتظاهر وصلت إلى حد الإختناق الشديد وصعوبة التنفس من الدخان المنبعث منها.

الأخطر والأنكى في هذه الظاهرة غير المفهومة والطبيعية في التعامل والقسوة أن يتوزع ذلك السلاح القاتل بين عناصر اللادولة من سيطرة أصحاب السلاح المنفلت على مفاصل الحياة العامة وتكون المحصلة كارثة إنسانية بكل المقاييس.

إستيراد العراق لكل هذه الكمية من القنابل يعني إن السلطة تُدرك أن عودة الإحتجاجات والتظاهرات باتت وشيكة أو قريبة، ربما هو السبب المعقول الذي يفسّر هذا الإستيراد الضخم من هذه القنابل.

غرابة هؤلاء أنهم يفكرون عكس إتجاه عقرب الساعة، فمن المفترض في بلد يطفو على بحور من النفط أن توزع خيراته بالتساوي على الشعب وأن لاتُحتكر الثروة والمال على نُخب السلطة فقط، وأن تبادر أي جهة توالت على حكم هذا الشعب إلى توفير أبسط حقوقه التي يطالب بها وهي فرص عمل، وتوفير الكهرباء والماء الصالح للشرب وبعض المقومات الحياتية التي لا تعدو كونها حقوقاً للمواطنين بدل أن تخرج تلك الجموع تطالب بإنتزاع حقوق مشروعة لها.

الديمقراطية التي فرضتها أمريكا على النُخب الحاكمة ماهي إلا إضحوكة أو نكتة نتنّدر بها في مجالسنا، فمازالت الديكتاتورية والإستبداد لم تغادر حياتنا وعقولنا، ومازالت السلطة تنظر إلى الشعب بعين الريبة والحذر بدليل إنها إستوردت أكثر من مليون قنبلة غاز مسيل للدموع لقمع أي إنتفاضة أو خروج إلى الشارع قد يفكر به الثائرين، لكن المؤكد إن الوضع المزري إذا ما إستمر عليه الحال في التردي فإن تلك الجموع ستخرج إلى الشارع مهما بلغ الثمن ولن تردعها كل قنابل كوريا الجنوبية المُصنّعة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات