في أركان الوجود الاجتماعي يشكل الأخلاق ركنا أساسيا منه و سر بقاء الأمم، قال تعالى في سورة الأحزاب: اية 21 (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) أنّ الحياة الفرديّة للإنسان، لا لَطافةَ ولا شفافيّة لها بدون الأخلاق. ولن تصل البشرية إلى برِّ الأمان من دونها، ولكنّ الأهمَّ من ذلك هو الحياة الإجتماعيّة للبشر، فما لم يتمسك أفراد المجتمع بالأخلاق، فستكون نهاية المجتمع أليمة وموحشة جدّاً.ولا بقاء لأمة تفرط في أخلاقها وتتهاون في قيمها ومبادئها الروحية وفي حياة المجتمعات الإنسانية لا تستقيم من غير القيم الأخلاقية ، ويمثل نسقا حيويا في نسيج الحياة الإنسانية المعاصرة.وهو نظام يوجه حياة الفرد وينهض بها إلى أرقى مستوياتها القيم الإنسانية. والإنسان لا يحقق جوهره الإنساني إلا في صورته الأخلاقية، والصورة الوحيدة في مملكة الكائنات الحية الذي يضحي برغباته وميوله على مذابح السمو الأخلاقي، سعيا إلى تجسيد قيم الحق وكل القيم والفضائل التي تشكل جوهر الحياة الأخلاقية وغايتها.مثل الخير، والجمال، والشرف، والكرامة، والإيثار، والتسامح، والشجاعة، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه ((وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين) 133 ، 134 آل عمران
ويقول الشاعر معروف الرصافي:
هي الأخلاق تنبت كالنبات…اذا سقيت بماء المكرمات
تقوم إذا تعهدها المربي… على ساق الفضيلة مثمرات
ان أهميّة الأخلاق العظيمة للفرد تتجلى في العديد من الأفعال والسلوك،
حيث انها تمنح الفرد إمكانيّة اختيار السلوك الصادر عنه، و الإسهام في تشكيل شخصيّة الفرد، وتحديد أهدافه في الحياة. و الشعور بالأمان؛ والتّحلّي بها كي يتمكّن الفرد من مواجهة ضعف نفسه، ومجابهة التّحديات والعقبات التي تواجهه في حياته ، وتساعده على ضبط شهواته وهواه ومطامع نفسه وتنسق على ضوء ما يتحلّى به من الأخلاق الحُسنة. وتسمو بالإنسان فوق الماديّات المحسوسة، فيرتفع الإنسان بالأخلاق إلى درجاتٍ رفيعةٍ من الإنسانيّة. و تُكسِب الاخلاق الحسنة الفرد جزاءً حسناً في الحياة الآخرة بالجزاء و الأجر الكريم، والثواب الحَسن من رضا الله تعالى، والقبول منه، والفوز بجنّته.
المقصود بالقيم هي عدم التعدي اللفظي على أي شخص، وعدم الخوض في تجارب سيئة، وعدم فعل الفواحش، وعدم ارتكاب أي فعل مخالف للآداب العامة
القيم العقلية: تلك القيم التي يستوجب فيها حفظ العقل من التلف، ومن أهانته بالتفكير في المحرمات و إن الضمير هو الذي يخبر في ما هو الخير والشر. الشعور بالواجب : ليحقيق الخير أو السعي إليه ، وعلينا ان نتصور حياة مجتمع أهملت فيه الأخلاق الفاضلة، وسادت بين أفراده الخيانة والفسق والكذب والغش والسرقة وسفك الدماء، والتعدي على الحرمات والحقوق، كيف يمكن أن تكون هذه الحياة؟ لا شك في أن هذه الحياة تكون جحيماً لا يطاق، ويتحول الناس إلى وحوش ضارية بعد أن تخلوا عن كل المعاني الإنسانية، ويشقون شقاء ما بعده شقاء، لأن الإنسان سيكون في هذا المجتمع أداة هدم وتدمير، سيكون وحشاً ضارياً لا يهمه إلا تحقيق أطماعه وإشباع غرائزه ونزعاته؛ نزعات التسلط والتجبر والأنانية والانتقام والكبر والطغيان، وإذا استخدم هذه القوى في الفساد أهلك الحرث والنسل، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 205].
يقول الفيلسوف البريطاني المعاصر “برتراندرسل” أن الإنسان أكثر تعقيداً في نزعاته ورغباته من أي حيوان آخر، فهو ليس اجتماعياً تماماً مثل النمل والنحل، ولا هو انفرادي تماماً مثل الأسود والنمور، ولأننا لسنا اجتماعيين تماماً فنحن في حاجة إلى أخلاق لتوحي لنا بالأهداف، وإلى قواعد أخلاقية لتفرض علينا قواعد التصرفات، واخيرا فأن أكثر المسائل الاخلاقيّة لها أثرها في واقع الحياة الإجتماعيّة للإنسان، سواء كانت ماديّة أم معنويّة، فالمجتمع البشري إذا تجرد من الاخلاق ، سينقلب إلى حديقةِ حيوانات ” اجلكم الله ” لا يُجدي معها إلاّ الأقفاص، لِردع أفعال الحيوانات البشريّة عن أفعالها الضّارة، وستُهدر فيها الطّاقات، وتحطّم فيها الإستعدادات، وسيكون الأمان والحريّة لعبة بيد ذوي الأهواء، وستفقد الحياة الإنسانية مفهومها الواقعي.