عبارة قالها ماوتسي تونغ تستحق الأنتباه عندما نتدارس الحالة في العراق اليوم.
فلا أحد يتجاهل أبداً إن تغييراً قد حصل نحو الأفضل في بلادنا. نال منه الشعب شيئاً من حرية الفكر والتعبير. وتحسنت الأوضاع المعيشية لشرائح عديدة .ولكن لم يكن هذا يتناسب مع طموحات الشعب وقدراته المادية والبشرية. ولم يكن مساوياً للتضحيات التي قدمتها الأمة . فالحاجة باتت ماسة. وثبت أن العملية السياسية تحتاج لمراجعة جديّة لمسيرتها .ووضعها على السكة الصحيحة. ووضع النقاط على الحروف بجرأة ومصداقية.وخاصة بعد أن تردى الوضع الأمني وبات الفساد المالي والأداري وسوء إستخدام السلطة والتفريط بسيادة العراق وشراسة النزاع سمة هذه المرحلة, وعنوانها البارز.فلقد قامت الكتل السياسية النافذة دون إستثناء بتسمين فئات جديدة من مُحدَثي النعمة, من الأميين ومنتهزي الفرص.كبروا فتحكموا بإقتصاد البلاد, بعد أن تمكنوا منه. فنهبوا الثروات دون رادع من ضمير أو سلطة.وأخذت هذه الفئة الضالة النفعية بتلابيب إقتصاد البلد. وسخرته للمصالح الخاصة. بعد أن إستحوذت على المال والسلطة والقوة . وحرمت الشعب من كل شيء.وهذا مؤكد بعد أن صدرت العديد من مذكرات القبض بحق وزراء سابقين وموظفين بدرجات مرموقة في الدولة وتراشق بتهم السرقة والفساد بين الجميع.
وعندما ننظر للتخبط العشوائي و المعالجات والحلول والتشريعات التي تصدر عن مجلس النواب. لا نرى فيها إلا ضرراً يتبع ضرر. لأنه غير مؤهل ,ولا مقتدر. ولا يحسن التصرف, لتشرذمه الطائفي وغلبة الكتلوية المنافية للأعراف الوطنية عليه.وما المعالجات الواهنة والمتخبطة للأوضاع الأقتصادية كقوانين سلم الرواتب الوظيفية, وقانون التقاعد الذي طرحته الحكومة ,والهبات التي تغدق على بعض الشرائح, دون إنصاف للشرائح الأخرى الهامة من المتقاعدين ,الذين خدموا الدولة في احلك الظروف وفي ضنك لا إنساني. إلا برهان ساطع لهذا التخبط وسوء التخطيط وعدم العدالة وعندما نقارن الموظفة التي إضطرت للبقاء وعائلتها في العراق رغم الذل والقهر والمهانة والعوز والظروف القاسية أيام الحصار, وراتبها الذي لم يأتِ لها بزوج جوارب, أو طبقة بيض. وقدخدمت بتلك الظروف البائسة .وما مُنحت من تقاعد, فلو قارناها بالرواتب التقاعدية والهبات الممنوحة اليوم للبعض بمسميات مختلفة وفق قوانين عشوائية . لا نرى عدلاً ولا حكمة بل غبناً وظلماً ما بعده ظلم..فأي مقارنة بين راتبها التقاعدي و ما أُغدق على البعض من هبات و منح ورواتب تقاعدية بمسميات مختلفة. إنها قسمة ضيزى. لانراها عدالة ولا إنصافاً ولا مروءة.وأي منصف عادل يرى ما أغدق على مسميات كالخدمة الجهادية وغيرها باطلاً. ونرى العجب من تشريع هكذا قوانين. فأين العدالة يا ترى؟ أم إنه الخضوع لضغوطات وممارسات لا يجيدها الآخرون ولا يتمكنون منها؟ فإن كان في ميزانية الدولة فيضٌ, فأفيضوا بشيء من هذا على الآخرين من المستحقين. ووفروا مواد البطاقة التموينية للشعب على الأقل.
لقد تعالت الأصوات وبدأ التململ من هذه القوانين والتشريعات العشوائية وغير المسؤولة .وزاد الطين بلة تنازل مجلس النواب دون الرجوع للشعب عن السيادة على خور عبد الله .هذا الممر الحيوي للعراق. وسكوت الدولة العراقية وأركانها عن تجاوزات الكويت وإيران وتركيا على أراضيه ومياهه وسيادته.ونخشى أن تكون هذه الأصوات والأحتجاجات الناجمة عن الأحتجاجات على مجلس النواب والحكومة الشرارة التي ستحرق السهل والقشة التي تقصم ظهر البعير.لذا يجب إستحداث لجنة مهنية ذات مصداقية بعيدة عن الكتل السياسية لتتدارس واقع خلافاتنا مع دول الجوار وإستحقاقاتنا الوطنية وما ينبغي عملهوالحفاظ على علاقات إيجابية بناءة مع دول الجوار.لا الرضوخ لضغوطات ورشا وبيع الوطن وإنتهاك كرامته.وليعرف الشعب حقه ويعرف الخطأ من الصواب .لا نتركه تائهاً بين وسيلة الأعلام هذه أو تلك, وهذا السياسي المغرض أو ذاك.
إن من يكتب التأريخ يخجل ويحتار كيف يكتب تأريخ هذه الحقبة. وكيف يصف إدارة الدولة وكفاءة مجلس النواب.
فلا بد من قراءة قانونية حقوقية تقوم بها نخبة من الأختصاصيين العارفين بمزيج من القوانين السياسية والأقتصادية وعلم الأجتماع بما فيه من علوم الأجتماع السياسي والأقتصادي. وعارفين بالقوانين والشرائع التي صاغها عقل الأنسان, وخاصة (روح الشرائع) حسب منطق (مونت سيكيو)ونظرية فصل السلطات بتوازن ,ووفقاً لما نطق به (جان جاك روسو) فإن العلاقة بين الحاكم والمحكوم ينبغي أن ينظمها (العقد الأجتماعي) الدستور بشكل شفاف ووضوح تام,فقد كان كتاب روسو (العقد الأجتماعي) علامة بارزة في تأريخ العلوم السياسية طرح فيها آرائه فيما يتعلق بالحكم وحقوق المواطنين في المساواة والعدالة والحرية. لا كما في دستورنا الذي كتب بنفسٍ طائفي عرقي مبهم التشريع.وهذا يقتضي سوسيولوجية بحثية منهجية.نحن بحاجة لدستور جديد تَعِّدُّ مسودته نخبة صالحة مقتدرة مهنية بعيدة عن السياسيين والطائفيين. تأخذ بعين الأعتبار حقوق الأقليات, و الأرهاصات والتداعيات التي نجمت عن العملية السياسية الحالية المحتضرة. لبناء دولة حديثة مبنية على أسس العدالة ومنظمات المجتمع المدني .
إن هذا هو الذي سيمنع أن تُشعِلَ الشرارة اللهبَ وتُحْرِقَ كلَّ السهل بأخضره ويابسه. فإن المعيار في التغيير ليس إزاحة نظام وتغيير أشخاص, بل إقامة نظام جديد ينجز تغييراً إجتماعياً وإقتصادياً وثقافياً, نظام يتبنى الرفاه والتنمية الحضارية وتحقيق الأمن والعدل والمساواة.فتداركوا الأمر أيها السياسيون قبل أن تنطلق الشرارة.فكل الكتل السياسية وكافة أعضاء مجلس النواب مسؤولون عن الحالة المزرية التي نمر بها.وكما يقول الله عزَّ وجل في كتابه الكريم : وقفوهم إنهم مسؤولون.