23 ديسمبر، 2024 11:08 م

سيناريو الحروب الاعلامية – الألكترونية !

سيناريو الحروب الاعلامية – الألكترونية !

مازلنا نسمع يوميا أكاذيب ومبالغات المحطات الفضائية المتحيزة ، التي تحول دورها من دور  المراقبة والعرض النزيه والتحليل العميق للأحداث  والتطورات الى دور  المحرض والكاذب  والمفبرك للأحداث ، وأصبح معظمنا يصيبه الصداع وربما الاشمئزاز من طريقة تصوير  الحراكات والمظاهرات والاشتباكات العسكرية ، حتى كاد لا يريد ان يصدق  أية رواية الافيما ندر ، وتورطت للأسف بعض  المحطات والصحف التي  كانت تتمتع بالنزاهة في  بازار  المبالغات والكذب الاعلامي  السافر هذا ، وكادت أو فقدت حقا مصداقيتها وسمعتها الاعلامية او الصحفية العتيدة ! وبعد أن دخلنا للعقد الثاني من القرن الحادي  والعشرين ، بدانا نسمع عن الأدوار  التخريبية الكبيرة للفيروسات الألكترونية التي  يمكن أن تلحق  بل وألحقت بالفعل دمارا كبيرا وتعطيلا لافتا للبرنامج  النووي  الايراني  على سبيل المثال .
يحدث في عام الفين وعشرين أن تهجم دولة شرق اوسطية كبرى على دولة شرق اوسطية ثرية ، ويتصاحب ذلك مع هجوم معلوماتي مفاجىء ضد دولتين غربيتين كبيرتين ، حيث يتم احداث  تخريب تلفوني  في شبكة اتصالات مجلس  الأمن القومي لدولة كبرى ثالثة ، مما يؤدي لوضع رئيس هذه الدولة في حيرة من أمره ! ثم يتزامن ذلك مع اسقاط طائرة عسكرية ضخمة في عاصمة دولة اوروبية بفعل تاثير قنبلة “الكترونية” ، حيث تشوش برامجيات التحكم في  الطائرة وتؤدي  لسقوطها . هكذا تتصاعد المواقف فتقرر الدولة الغربية الكبرى مواجهة هذه الأحداث بحرب  معلوماتية شاملة  متطورة ، وتضع استراجية عسكرية مكونة من اربعة بنود :
* تصفير الحسابات البنكية للدولة الشرق أوسطية المعتدية بواسطة تداخلات وتاثيرات حاسوبية معقدة .
* تزييف اصوات قادة هذه الدولة واصدار أوامر معاكسة بالاستسلام .
* تشويه سمعة قادة الدولة المعتدية وفبركة صور متلفزة تظهرهم بأوضاع  مخزية ، وشن حرب اشاعات سافرة !
* تشويش شبكة الاتصالات واحداث تداخل رهيب .
وقامت القيادة بتسمية جنرال لقيادة هذه الحرب ، واختارته مهندسا الكترونيا خبيرا ، وأعطته أوامر صارمة بان يكسب المعركة بأي ثمن ، وان يعوض  النقص الواضح بعدد الجنود اللازمين للاحتلال  ، وقرر بدوره ان يتفوق بالقوة المعلوماتية والأسلحة الذكية ، هكذا يجلس مع مساعديه امام غرفة عمليات مزدحمة بالأزرار وشاشات الحاسوب الموصولة بالأقمار  الصناعية ، ويختار الاحتمالات الافتراضية ويدرس  السيناريوهات القابلة للتطبيق !
… وبعد ساعات من البحث والدراسة والاستشارة ، يقرر الجنرال العتيد استخدام  جهاز نبضات كهرومغناطيسي ( في المرحلة الاولى للحرب ) ، حيث تتم زراعة عدد منها بغرض احداث شلل تام في الحركة المالية وعمليات تحويل الأموال ، كما تستخدم للنفاذ لشبكات الاتصالات بواسطة الفيروسات الحاسوبية ، ثم يقرر على الفور احداث تخريب رهيب في  أنظمة التحكم بالرقابة الجوية بواسطة عدد من القنابل الألكترونية  ! ثم تصدر الأوامر لثلاث طائرات الكترونية تشبه طائرات الشحن الضخمة بالتوحه للشرق الوسط ، وبالرغم من المنظر الخارجي  البرىء للطائرات فهي تبدو من الداخل وكأنها وحوش “الكترونية “، فهي  مكتظة كالراديو الياباني بالفاكسات والكاسيتات والمرسلات والحواسيب والشاشات المضيئة ومفاتيح التشغيل والاسلاك المتشابكة ، ويقال ان نموذجا أوليا لهذه الطائرة قد استخدم في حرب الخليج الثانية ، فحاولت ارسال صور تلفزيونية مفبركة لزعيم عربي مسلم وهو يحتسي  الويسكي ويأكل لحم الخنزير ويجلس مع الغانيات ، وذلك بغرض تشويه سمعته أمام شعبه ، ويقال أنها استخدمت بالفعل ضد حاكم هاييتي فاظهرته متلفزا  وهو يدعو لاستسلام جنوده ! ويقال ان طائرة الكترونية قد ارسلت بقصد معلومات مسبقة عن مواقع القصف القادمة مما ادى لفزع الجنود وهروبهم من مواقعهم ! هكذا تظهر الصحافة الغربية حروب المستقبل وكأنها أفلام خيال علمي ، وتصل شطحات الخيال لدرجة اظهار الدول وكأنها قد ربحت الحرب قبل وقوعها : وفي واقع الأمر ألا نكاد نرى جزءا من هذا السيناريو يطبق  واقعيا في  الحرب ” الاعلامية-السيكلوجية ” الشاملة التي تشن الآن تحديدا ضد سوريا ! ولكن هذه السيناريوهات لا تاخذ بجدية كبيرة احتمال ان ينقلب السحر على الساحر ، ففي  عالم مسعور  تسوده الاستقطابات وجنون الطغيان وعشق  الكراسي  والسلطان ، عدا عن الطائفية والكراهية ونزعة التجارة السائدة  بالأوطان والأديان ، هل سيكون من الصعب  استئجار فريق “مافيوزي” ليمارس طقوس الحرب  المعلوماتية ضد  دهاقنتها ومبتكريها ومرويجها والمتحمسين لاستخدامها لتنفيذ مخططاتهم المشبوهة  ، فيحيل عالمهم الألكتروني  الراقي الى كابوس   حقيقي من الفوضى اللاخلاقة !
لقد ادهش مخرج فيلم “فورست غامب ” المشاهدين (قبل حوالي عقدين من الزمان ) عندما اظهر لقطة للرئيس الأمريكي الراحل كندي وهو يهنىء بطل الفيلم الساذج لفوزه في  مباراة رياضية ، وكان ذلك المشهد نموذجا متقنا للتزييف  الحاسوبي ، فالرئيس كندي توفي عندما كان بطل الفيلم طفلا يحبو !
 
في اعتقادي  المتواضع أن الحرب المعلوماتية ستمر بمرحلتين ، انتهت الاولى مع مضي  العقد الأول من القرن الحادي  والعشرين ، وقد اعتمدت وما زالت تعتمد على الاشاعات والأكاذيب والتهويلات والتمنيات الافتراضية والتي  نسمع عنها ونعاتي  من وقع تاثيرها كل يوم ، وهي تستند لتاثيرات الحرب النفسية والتوقعات والافتراضات الغير موضوعية ، وتصب جميعها في  اتجاه المكائد والشرور وتهدف لزراعة اليأس والاحباط ! وعلى سبيل المثال لم يستبعد مستشار سياسي امريكي قيام امريكا بفبركة صور ملفقة لتحركات افتراضية للأسلحة الكيماوية السورية ، واستخدام تلك الصور  المفبركة  والمصورة افتراضيا بالأقمار الصناعية كحجة  لضرب سوريا عسكريا  …وبعد دخولنا للعقد الثاني  من القرن الحالي ، ستكون مختبرات الامبرطورية العالمية ، قد انتجت وجربت الأجيال الجديدة المتطورة من المعدات والأجهزة الألكترونية  التي  تهدف  لشن حرب ألكترونية شاملة ، بواسطة تخريب الاتصالات وشبكات التحكم وفبركة الكلمات والصور ، وتزييف الحقائق والبيانات والمشاهد ويصورة متقنة للغاية ، وربما اجافي  الصواب  ان تجاهلت وجود واستخدام هذه الأدوات منذ بدايات القرن الحالي ، وربما بشكل تجريبي اولي استخدم بنجاح ملحوظ في كافة حروب امريكا الأخيرة ضد العرب والمسلمين تحديدا !
صورة قاتمة للحاضر والمستقبل تسودها مفاهيم احادية مصاغة من قبل طغاة العصر  الحديث ، هؤلاء أصحاب الجاذبية والكاريزما والأناقة ، الهادئون ، المبتسمون دوما ، اللذين يتقنون صياغة الجمل والتعبيرات ، سلاطين القوة الألكترونية الجديدة ! من يستطيع الوقوف أمام طغيانهم وفسادهم وكذبهم “المتلفز” السافر المتواصل ؟ تماما كالتفاحة الحمراء الجميلة التي  ينخرها الدود من الداخل ! فيروسات آدمية ماهرة … ووجوه اعلامية قبيحة من الداخل ..عصابات الألكترون الجديدة …قادرة على فعل كل شيء مقابل ملايين الأموال الملعونة التي لم تسخر  لفعل الخير ولبناء وتطوير  الاوطان والشعوب ، وانما لتدمير وتخريب الأوطان وقتل العباد والأبرياء …الفعل ورد الفعل …ولا غالب  الا الله في كل الأزمان والعصور !

[email protected]