مازلنا نسمع يوميا أكاذيب ومبالغات المحطات الفضائية المتحيزة ، التي تحول دورها من دور المراقبة والعرض النزيه والتحليل العميق للأحداث والتطورات الى دور المحرض والكاذب والمفبرك للأحداث ، وأصبح معظمنا يصيبه الصداع وربما الاشمئزاز من طريقة تصوير الحراكات والمظاهرات والاشتباكات العسكرية ، حتى كاد لا يريد ان يصدق أية رواية الافيما ندر ، وتورطت للأسف بعض المحطات والصحف التي كانت تتمتع بالنزاهة في بازار المبالغات والكذب الاعلامي السافر هذا ، وكادت أو فقدت حقا مصداقيتها وسمعتها الاعلامية او الصحفية العتيدة ! وبعد أن دخلنا للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ، بدانا نسمع عن الأدوار التخريبية الكبيرة للفيروسات الألكترونية التي يمكن أن تلحق بل وألحقت بالفعل دمارا كبيرا وتعطيلا لافتا للبرنامج النووي الايراني على سبيل المثال .
يحدث في عام الفين وعشرين أن تهجم دولة شرق اوسطية كبرى على دولة شرق اوسطية ثرية ، ويتصاحب ذلك مع هجوم معلوماتي مفاجىء ضد دولتين غربيتين كبيرتين ، حيث يتم احداث تخريب تلفوني في شبكة اتصالات مجلس الأمن القومي لدولة كبرى ثالثة ، مما يؤدي لوضع رئيس هذه الدولة في حيرة من أمره ! ثم يتزامن ذلك مع اسقاط طائرة عسكرية ضخمة في عاصمة دولة اوروبية بفعل تاثير قنبلة “الكترونية” ، حيث تشوش برامجيات التحكم في الطائرة وتؤدي لسقوطها . هكذا تتصاعد المواقف فتقرر الدولة الغربية الكبرى مواجهة هذه الأحداث بحرب معلوماتية شاملة متطورة ، وتضع استراجية عسكرية مكونة من اربعة بنود :
* تصفير الحسابات البنكية للدولة الشرق أوسطية المعتدية بواسطة تداخلات وتاثيرات حاسوبية معقدة .
* تزييف اصوات قادة هذه الدولة واصدار أوامر معاكسة بالاستسلام .
* تشويه سمعة قادة الدولة المعتدية وفبركة صور متلفزة تظهرهم بأوضاع مخزية ، وشن حرب اشاعات سافرة !
* تشويش شبكة الاتصالات واحداث تداخل رهيب .
وقامت القيادة بتسمية جنرال لقيادة هذه الحرب ، واختارته مهندسا الكترونيا خبيرا ، وأعطته أوامر صارمة بان يكسب المعركة بأي ثمن ، وان يعوض النقص الواضح بعدد الجنود اللازمين للاحتلال ، وقرر بدوره ان يتفوق بالقوة المعلوماتية والأسلحة الذكية ، هكذا يجلس مع مساعديه امام غرفة عمليات مزدحمة بالأزرار وشاشات الحاسوب الموصولة بالأقمار الصناعية ، ويختار الاحتمالات الافتراضية ويدرس السيناريوهات القابلة للتطبيق !
… وبعد ساعات من البحث والدراسة والاستشارة ، يقرر الجنرال العتيد استخدام جهاز نبضات كهرومغناطيسي ( في المرحلة الاولى للحرب ) ، حيث تتم زراعة عدد منها بغرض احداث شلل تام في الحركة المالية وعمليات تحويل الأموال ، كما تستخدم للنفاذ لشبكات الاتصالات بواسطة الفيروسات الحاسوبية ، ثم يقرر على الفور احداث تخريب رهيب في أنظمة التحكم بالرقابة الجوية بواسطة عدد من القنابل الألكترونية ! ثم تصدر الأوامر لثلاث طائرات الكترونية تشبه طائرات الشحن الضخمة بالتوحه للشرق الوسط ، وبالرغم من المنظر الخارجي البرىء للطائرات فهي تبدو من الداخل وكأنها وحوش “الكترونية “، فهي مكتظة كالراديو الياباني بالفاكسات والكاسيتات والمرسلات والحواسيب والشاشات المضيئة ومفاتيح التشغيل والاسلاك المتشابكة ، ويقال ان نموذجا أوليا لهذه الطائرة قد استخدم في حرب الخليج الثانية ، فحاولت ارسال صور تلفزيونية مفبركة لزعيم عربي مسلم وهو يحتسي الويسكي ويأكل لحم الخنزير ويجلس مع الغانيات ، وذلك بغرض تشويه سمعته أمام شعبه ، ويقال أنها استخدمت بالفعل ضد حاكم هاييتي فاظهرته متلفزا وهو يدعو لاستسلام جنوده ! ويقال ان طائرة الكترونية قد ارسلت بقصد معلومات مسبقة عن مواقع القصف القادمة مما ادى لفزع الجنود وهروبهم من مواقعهم ! هكذا تظهر الصحافة الغربية حروب المستقبل وكأنها أفلام خيال علمي ، وتصل شطحات الخيال لدرجة اظهار الدول وكأنها قد ربحت الحرب قبل وقوعها : وفي واقع الأمر ألا نكاد نرى جزءا من هذا السيناريو يطبق واقعيا في الحرب ” الاعلامية-السيكلوجية ” الشاملة التي تشن الآن تحديدا ضد سوريا ! ولكن هذه السيناريوهات لا تاخذ بجدية كبيرة احتمال ان ينقلب السحر على الساحر ، ففي عالم مسعور تسوده الاستقطابات وجنون الطغيان وعشق الكراسي والسلطان ، عدا عن الطائفية والكراهية ونزعة التجارة السائدة بالأوطان والأديان ، هل سيكون من الصعب استئجار فريق “مافيوزي” ليمارس طقوس الحرب المعلوماتية ضد دهاقنتها ومبتكريها ومرويجها والمتحمسين لاستخدامها لتنفيذ مخططاتهم المشبوهة ، فيحيل عالمهم الألكتروني الراقي الى كابوس حقيقي من الفوضى اللاخلاقة !
لقد ادهش مخرج فيلم “فورست غامب ” المشاهدين (قبل حوالي عقدين من الزمان ) عندما اظهر لقطة للرئيس الأمريكي الراحل كندي وهو يهنىء بطل الفيلم الساذج لفوزه في مباراة رياضية ، وكان ذلك المشهد نموذجا متقنا للتزييف الحاسوبي ، فالرئيس كندي توفي عندما كان بطل الفيلم طفلا يحبو !
في اعتقادي المتواضع أن الحرب المعلوماتية ستمر بمرحلتين ، انتهت الاولى مع مضي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، وقد اعتمدت وما زالت تعتمد على الاشاعات والأكاذيب والتهويلات والتمنيات الافتراضية والتي نسمع عنها ونعاتي من وقع تاثيرها كل يوم ، وهي تستند لتاثيرات الحرب النفسية والتوقعات والافتراضات الغير موضوعية ، وتصب جميعها في اتجاه المكائد والشرور وتهدف لزراعة اليأس والاحباط ! وعلى سبيل المثال لم يستبعد مستشار سياسي امريكي قيام امريكا بفبركة صور ملفقة لتحركات افتراضية للأسلحة الكيماوية السورية ، واستخدام تلك الصور المفبركة والمصورة افتراضيا بالأقمار الصناعية كحجة لضرب سوريا عسكريا …وبعد دخولنا للعقد الثاني من القرن الحالي ، ستكون مختبرات الامبرطورية العالمية ، قد انتجت وجربت الأجيال الجديدة المتطورة من المعدات والأجهزة الألكترونية التي تهدف لشن حرب ألكترونية شاملة ، بواسطة تخريب الاتصالات وشبكات التحكم وفبركة الكلمات والصور ، وتزييف الحقائق والبيانات والمشاهد ويصورة متقنة للغاية ، وربما اجافي الصواب ان تجاهلت وجود واستخدام هذه الأدوات منذ بدايات القرن الحالي ، وربما بشكل تجريبي اولي استخدم بنجاح ملحوظ في كافة حروب امريكا الأخيرة ضد العرب والمسلمين تحديدا !
صورة قاتمة للحاضر والمستقبل تسودها مفاهيم احادية مصاغة من قبل طغاة العصر الحديث ، هؤلاء أصحاب الجاذبية والكاريزما والأناقة ، الهادئون ، المبتسمون دوما ، اللذين يتقنون صياغة الجمل والتعبيرات ، سلاطين القوة الألكترونية الجديدة ! من يستطيع الوقوف أمام طغيانهم وفسادهم وكذبهم “المتلفز” السافر المتواصل ؟ تماما كالتفاحة الحمراء الجميلة التي ينخرها الدود من الداخل ! فيروسات آدمية ماهرة … ووجوه اعلامية قبيحة من الداخل ..عصابات الألكترون الجديدة …قادرة على فعل كل شيء مقابل ملايين الأموال الملعونة التي لم تسخر لفعل الخير ولبناء وتطوير الاوطان والشعوب ، وانما لتدمير وتخريب الأوطان وقتل العباد والأبرياء …الفعل ورد الفعل …ولا غالب الا الله في كل الأزمان والعصور !