الجزء الأول
لَبِستَ لها كُدرَ العَجاجِ كأنّما تَرى غيرَ صافٍ أن تَرى الجوّ صَافِيا *
قبل الخوض في هذا الموضوع واستذكاره علينا معرفة الشخصية العراقية والعوامل التي ساعدت على صياغتها وتكوينها . جغرافية العراق في شكلها وطبيعتها تختلف مثل اختلاف طبيعة المجتمع الذي يعيش فيها . ارض منبسطة تحيط بها مناطق جبلية وصحراوية تتخللها انهار مياه متعددة اهمها نهريّ دجلة والفرات , منابع انهارها من خارج الرقعة الجغرافية. جو العراق حار شديد الحرارة صيفاً بارد شتائاً . سكانها خليط من عرب واكراد وتركمان , نسبهم مختلفة السائد في هذه النسبة العنصر العربي , اديانها تختلف ايضاً يتكونون من مسلمين ومسيحيين ويهود , تغيرت احجام كتلهم البشرية عبر المراحل الزمنية نتيجة ظروف سياسية مرت على العراق والمناطق المحيطة به . ويعتبر العراق وطن لحضارات كثيرة متعددة ومختلفة تعد من اقدم حضارات العالم . نتيجة خصوبة الارض ووفرة المياه كعوامل اساسية للحياة , كانت هذه الميزة مثار طمع وحافز لهجمات وغزوات عديدة وكثيرة من مناطق الجوار والعالم عبر التاريخ . هذا الوصف أثر تأثيراً كبيراً في تكوين الشخصية العراقية الفردية وامتداداتها كمجاميع بشرية مكوّنة لمجتمع عراقي له خصائصه وميزاته التي يتصف بها مختلفة عن غيرها من مجتمعات الجوار في كثير من الامور وتشترك معها في بعضها . لهذا تتصف الشخصية العراقية بالشجاعة والكرم والطيبة والذكاء . وفي نفس الوقت تعيش ازدواجية قلقة غير مستقرة بنسب متفاوتة يسودها التمرد على من يحكمها ويدير شؤونها تتباين في المناطق العراقية المختلفة . في زمن الدولة العثمانية حدثت ثورات كثيرة في العراق الخاضع لنفوذها مثل ” ثورة أهالي بغداد ” زمن الوالي العثماني ” متحت باشا ” الذين تمردوا عليها خارجين على سيطرتها والكثير مثلها. لا نريد الخوض في هذه الفترة الزمنية لضيق المجال , بعد الحرب العالمية الاولى وضمن اتفاقية سايكس بيكو تم تقسيم المناطق الواقعة تحت سيطرة ونفوذ الدولة العثمانية التي كانت تمثل ” الخلافة ” دولة الاسلام . اصبح شكل العراق كما هو عليه اليوم ” كان يتألّف من ثلاث ولايات زمن العثمانيين ” . انشئت الدولة العراقية سنة 1920 م واقرت بشكلها ومظمونها “دستور وبرلمان ” عام 1921 م واختير الملك فيصل الاول ملكا على العراق ” فيصل بن حسين بن علي الهاشي ” وعبد الرحمن النقيب الگيلاني “ كرئيس وزراء لمرتين متتاليتين . سكانها من العرب مختلفين بأشكالهم ” حضر وبدو وريف ” لهجاتهم المحلّية مختلفة قبائلهم متعددة مهنهم متنوعة , وكذلك الاكراد . في صفاتهم الدينية كذلك متنوعين . المسلمين مجموعة مذاهب والمسيحيين مجموعة كنائس . بشكل عام يجمع كل هذا الخليط ” الهوية الوطنية ” سمة الحكومات المتوالية من بداية التأسيس لحد الاحتلال علمانية لا دينية ” الجهات المعادية للعراق والطامعة فيه كانت تستغل ذلك وتلعب عليه ” التنوّع ” . الجانب السياسي عند التأسيس في بعض حواشيه يحاكي النظام البريطاني ” حكم ملكي علماني برلماني متعدد الاحزاب ” تابع لبريطانيا ويدور في فلكها . نهجه الاقتصادي رأسمالي . يعتمد بشكل كامل على المنتوج الزراعي المحلّي في الاستهلاك والتصدير, حدثت في هذه الحقبة ثورات متعددة ضد بريطانيا كدولة مستعمرة وكنظام حكم عراقي ابتدائاً من ” ثورة العشرين ” أندلعت في مايس عام 1920 م ضد الحكومة البريطانية المستعمرة للعراق واستمرت حتى نهايته. وتسببت الثورة بتغيير جذري لنظرة المسؤولين البريطانيين ولإعادة النظر في استراتيجيتهم بالعراق . كلفت الثورة الحكومة البريطانية ما مقداره 40,000,000 باوند، والذي كان ضعف مبلغ الميزانية السنوية المخصصة للعراق، وعاملا كبيرا في إعادة النظر باستراتيجيتهم بالعراق وكلفت الثورة أكثر من مجمل تكلفة الثورة العربية الكبرى (الممولة من المملكة المتحدة ؛ بريطانيا ؛) ضد الدولة العثمانية في 1917م-1918م وخسائر بشرية وبالمعدات كبيرة مروراً بثورة ” رشيد عالي الگيلاني ” سنة 1941 م من شهر شباط / فبراير واستمرت لغاية مايس / ايار . نتج عنها إسقاط ” عبد الإله ” خال الملك فيصل الثاني الوصي على العرش . رافقتها الكثير من الانقلابات العسكرية على بعض رؤساء الوزارات وكانت النهاية في ” قصر النهاية ” ثورة 14 تموز عام 1958 م بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف . فكانت نتيجتها قتل الملك فيصل الثاني وعائلته وخاله عبدالإله ونوري السعيد رئيس الوزراء . أجتهدوا فثاروا فخلّفوا الخراب والدمار .أُدخِلَ العراق في دوامة مشاكل غير عادية . يعني من الناحية النظرية جديرة بالاحترام والاعجاب لكن في الحانب العملي واجهت الكثير من التحديات والمعارضة الداخلية والخارجية . كونه كان يجنح للنهج الاشتراكي ومحسوباً عليه فدخل في حرب حزينة مرغماً مع الرأسمالية كونها كانت في صراع مع الشيوعية والاشتراكية . وحرب مع التيار القومي الناصري وحرب داخلية مع التيارات القومية والدينية . من ايجابيات ثورة تموز ” عبد الكريم قاسم ” الغاء الاقطاع وتأميم ممتلكاته ” اراضيه الزراعية ” وتوزيعها على العاملين فيها والغاء قانون العشائر واقرار قانون رقم 80 الخاص بموضوع امتيازات شركات النفط الاجنبية وتأسيس شركة النفط العراقية وأنهاء العلاقة مع بريطانيا كدولة استعمارية حاكمة . من مثالب هذه الأجراءات تراجع وتردي الزراعة بشكل كبير . . * الشعر للشاعر ابو الطيب المتنبي .شكر للناشر وللقارئ الكريم . نلتقيكم بأذن الله في الجزء القادم من هذا المقال. عبدالقادر ابو عيسى : كاتب ومحلل سياسي عراقي حر مستقل .