19 ديسمبر، 2024 1:21 ص

أين نحن . . ؟ . .
هل لنا وجود ،
ولنا فعل في وسط صراع متلاطم نغرق فيه بين :
(( ارثنا الفكري والديني والأجتماعي والتأريخي ومكونات نشأتنا وبنائنا الفكري – بكل صفاته– عيوبه ومحاسنه )) .
وبين :
((معطيات وسياسات وصراعات الوقت الراهن وامتدادات تطور التاريخ ، وتأثيرات مد – العولمة والحداثة – وغيرها ، بكل مايحمله هذا المد من صفات وارهاصات – عيوب ومحاسن – ونتائج )) .
ان أقرب مانصف به أنفسنا ونحن وسط هذا اليم هو اننا ضائعون ، تائهون ، لانملك سبيل الوصول الى أي من أهدافنا ، ولانتمكن من الأستقرار والثبات والأمتداد والنشوء والرقي . فكل الحبال التي نمسكها بأيدينا والتي نظن انها ستقودنا الى بر الأمان لاتلبث أن تتحول الى مجرد (( هواء في شبك )) في ظل تسارع الأحداث والتحولات وماتحتمه علينا هذه الأحداث من نتائج وخيمة كحصيلة لأفعال ومخططات خارجية مفروضة علينا لانمتلك أمامها وسائل الدفاع (( الحقيقية )) ، أو الحصانة والحماية التي تجنبنا الأنحدار والتدهور أو التقهقر ، ولانتمكن من المواجهة واثبات الذات برغم توفر كل المستلزمات المطلوبة لأيجاد ذلك لدينا .
نحن لانمتلك الهدف والرؤية والأرادة ، وليس لدينا الديمومة المطلوبة لقيام ونهوض مشاريع (( ايجادنا )) بسبب فقدان الخطوة السليمة والبصيرة المطلوبة لتحقيق ذلك .
لقد فقدت كل المشاريع والرؤى التي تبنيناها فيما سبق فعاليتها فينا ، ولم نتمكن بها من تحقيق أقل درجات الغاية المنشودة أو الغرض المرجو منها على المستوى الحياتي لدينا .
فمشروعنا الديني – الرؤية والنظام الحياتي الأنساني الذي قدمه لنا الأنبياء – سرعان ماحولناه الى وسيلة نفعية شخصية ، وجعلناه دين سلطة وسلطان ووظفناه لكسب غايات – دنيوية – أفقدته مضمونه المطلوب وروحه الحقيقية التي كان يراد بالنتيجة الوصول اليها وتحقيق : (( خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )) . وماأفصح ماقاله الحسين بن علي قبل أكثر من 1400عام :
(( الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معائشهم ، فأذا محصوا بالبلاء قل الديانون )) .
فتحول المشروع الأسلامي مع تقادم العصور وبفعل الكثير من (( أولي الأمر )) والسلاطين الى مشروع (( سلطة ومنفعة )) وبسببهم تم تضييع الغايات الأساسية المرجوة منه والتي جاء من أجل تحقيقها . وبدلا من أن ينشأ لدينا فكر ومشروع (( للمستقبل وللتقدم )) كما نشأ في عصور لاحقة في أوربا ، وعوضا عن أن نكون (( خير أمة أخرجت للناس )) ، ومن نتيجة ذلك ، تحولنا الى مستعمرات تتناهبها الدول المستعمرة ، وأخذ يتوارد علينا الأقوياء والمحتلون تباعا .
جرت علينا كل أشكال ومسميات الأستعمار الخارجي – المغولي – العثماني – الأنكليزي – الفرنسي – وجميع المسميات الأخرى من الحملات الأستعمارية والغزوات المتواصلة التي قادتنا وأوصلتنا الى التشظي والتردي . وآخرها أن تم تقسيمنا ورسم حدودنا على هوى الغازي والمستعمر ، ووفقا لأغراضه وغاياته وكما حصل في معاهدة (( سايكس – بيكو )) ، التي حصل فيها منح الأستقلال للصحاري والقفار الخالية من المدنية (( نجد والحجاز وبادية الشام )) وفرض التبعية والأنتداب على الأجزاء الأكثر تمدنا والتي قد يتوفر لها التطور والتحضر فيما لو أتيح لها الأستقلال (( العراق وسوريا ولبنان )) ، وهذا يهدد مصالح ومخططات المستعمر المستقبلية ، وتم بموجب هذه الأتفاقية انشاء دول وامارات جديدة ، واهداء دولة ووطن ضارب في عمق التاريخ ((هبة )) لأنشاء كيان صهيوني كان له بالغ الأثر والتأثير على مستقبل كل البلاد العربية المحيطة ، فقد تم فيها لأجل هذا الكيان اذكاء شتى أنواع الصراعات والتقلبات والأنقلابات وسلب استقرارها وتطورها ووضعها في خانة التأثير المستمر ، وتم تسليم البلاد العربية لزعامات خدمت بشكل مباشر وغير مباشر هذا الهدف .
لقد أوغلت قرون الأحتلال والغزوات المتتابعة علينا في عمق ذاكرتنا ، وحفرت في شخصيتنا ووعينا وثقافتنا بأشكال مختلفة ، بأختلاف الغازي والمحتل والحاكم ((بأمر الله )) أو (( بغير أمر الله )) ، وأنتجت لنا وعيا (( تابعيا )) ينقاد بأبسط خيوط التابعية ويستأنس بطقوس الوصاية عليه والتحكم به .
قرون طويلة لاتحسب بعمر الزمن فقط وانما بعمر تكويننا ونشأتنا وتداول الوعي والتركيب الفكري لدينا عبرها ، قادتنا الى تنوع وتمزق مشاريعنا الفكرية وتشظي الرؤى والخيارات والأهداف لدينا ، ورسمت لنا ملامح متفاوتة وغير منسجمة ، متناقضة ومتقاطعة ، متناحرة ومتصارعة في أحيان كثيرة .
فعلى أثر الأحتلالات والتمزقات ، وعلى أثر تمزق الأمبراطورية العثمانية واستفحال وتنوع النشاطات الأستعمارية في المنطقة ظهر (( الفكر القومي )) ، ظهر (( الوحدويون العرب )) دعاة الوحدة (( العربية )) الشاملة بكل مشاريعهم ورؤاهم ، وظهردعاة الوحدة (( الأسلامية )) الشاملة ، أو دعاة الوحدات ((الأقليمية )) المحددة ، وظهر دعاة الدولة (( القطرية )) ، ودعاة الأتحاد ((العربي)) أو الأتحاد (( الأسلامي )) . برزت الجدالات والنزاعات العقيمة بهذا الخصوص بين (( القطرية أو القومية – الوحدة أم الأتحاد العربي )) ، وبرزت الى الساحة مسميات ومصطلحات متعددة الألوان والمذاهب .
. . . . يتبع . . . .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات