ماذا يعني أن يُعلن وزير الصناعة والمعادن العراقي وكالة أمس في مؤتمر الطاقة الثالث المنعقد في بغداد أن البلاد أنفقت 321 مليار دولار في مشاريع غير مدروسة في الفترة ما بين 2006 إلى 2014؟
المعنى المباشر لهذا الكلام أن هذه الثروة الهائلة قد ذهبت هباءً وأن شعباً صغيراً، نسبياً، كالشعب العراقي كان يُمكن له أن يكون الآن في عداد الشعوب باذخة الثراء وبالغة الرخاء لو أن هذه المئات الثلاث وو21 من مليارات الدولارات قد أُستثمِرت في مشاريع مدروسة. 321 مليار دولار كان مقدراً لها أن تبني 321 مصنعاً كبيراً أو مشروعا زراعياً مترامي الاطراف أو مشروعاً إروائياً ستراتيجياً أو مشروعاً للنقل (السكك الحديد، قطارات الانفاق، طيران، طرق سريعة) أو مشروعاً سكنياً يضم آلاف الوحدات السكنية. هذه المشاريع الـ 321 كانت ستوفّر فرص عمل لأكثر من نصف مليون عاطل عن العمل في الأقل، وهؤلاء كانوا بدورهم سيحققون العيش الكريم لثلاثة ملايين نسمة ( معدل عدد أفراد الأسرة العراقية يتراوح بين 5 و6).
المعنى غير المباشر لكلام الوزير محمد شياع السوداني، أن هذه المليارات الثلاثمئة و21 من الدولارات التي ذهبت هباءً وطارت مثل ريشة في مهب الريح في غضون ثماني سنوات فقط، قد أتلفها سوء الإدارة والإهمال والفساد الإداري والمالي، لكنّ وزير الصناعة والمعادن بالوكالة استخدم تعبيراً يوصف عادة بالدبلوماسي أو المهذّب ( مشاريع غير مدروسة)، حتى لا يكون كلامه اعترافاً صريحاً بأن أحزاب الاسلام السياسي التي تستحوذ على السلطة في البلاد وتحتكرها منذ 2005، والوزير نفسه من قيادات أحد هذه الاحزاب، قد فشلت الفشل الذريع في إدارة الدولة.
اعتراف صريح كهذا كان ستترتب عليه الدعوة إلى أن تكفّ هذه الاحزاب أيديها عن الدولة، وأن تقنع بالتنحي جانباً لتترك الفرصة لغيرها كيما يدير الدولة على نحو مختلف، فيما تقوم هذه الاحزاب بعملية مراجعة لسياساتها ومواقفها وبرامجها (ليست لديها برامج في الواقع)، قبل أن تستأنف تطلّعها وسعيها للوصول إلى السلطة مجدداً. النظام الديمقراطي بطبيعته يترك الابواب مشرعة على الآخر لكل من يعتبر بتجربته وتجربة غيره، ففيه لا خسارة أبدية ولا ربح أبدي.
321 مليار دولار أكثر من كافية لأن تُضيّع على بلد مخرّب ومدمّر كالعراق وعلى شعب مُنهك ومُستلب الحقوق على مدى عقود عدّة مثل الشعب العراقي … أحزاب الإسلام السياسي أخذت كامل فرصتها وأكثر في حكم العراق وفي الفشل في حكم العراق (12 سنة حتى الآن)، وليس من الحقّ والصواب والمنطق والاخلاق أن تواصل الحكم أطول من هذه المدة .. فليس ثمة مجال للتجربة مدة أطول، وفي الأساس، المُجرّب لا يُجرّب، كما قيل قديماً.
نقلا عن المدى