أم حسين نذر ابنها نذرا أن يذبح خروفا إذا ما ترفع رتبة كي يصبح نائب ضابط، وفعلا ترفع حسين ووضع نجمة صغيرة على التختة الخضراء، وأعطى لامه ثمن الخروف، فاشترت أم حسين نعجة مراعاة لابنها ضعيف الحال، لكنها نعجة ميؤوس منها، فقد كانت مصابة بالزكام والمخاط يملأ وجهها، وأم حسين جهدت ان تسمّن النعجة حتى تذبحها، فأخذت تعطيها البرسيم والخبز اليابس وقشور الرقي في كل وقت، انتفخت النعجة وحار الزقاق جميعه بنعجة أم حسين، واختلفت الآراء في كيفية معالجتها، فصار ان يقتطعوا اذنها، والنعجة المسكينة تصرخ عاليا، كنت حينها طفلاً صغيراً وبكيت لبكائها، وخصوصاً بعد قطع اذنها، ورأيت الجميع قد تعاطف مع هذه النعجة، وتساءلت حينها مادخل الانتفاخ الذي تعانيه النعجة بقطع الأذن، وأقسمت إنني لا اقرب طعاما يكون مطبوخاً بلحم تلك المسكينة المزكومة المقطوعة الأذن ، العجفاء الفقيرة التي لم نسمع صوتها الا بعد ان ضج بها الالم، من الانتفاخ حيناً وحيناً من الكارثة الاخرى وهي قطع الاذن على قاعدة: الجرح يسكنه الذي هو أألمُ.
اليوم فقط تذكرت نعجة ام حسين المسكينة عندما قرأت ان سفير اميركا السابق رايان كروكر يترأس مجموعة تسمى مجموعة رسم مستقبل العراق وتتألف من 63 عضواً، وهذه المجموعة ستعطي لاميركا تعويضا عن ديون العراق التي بذمته ملكية خاصة فيه، وستتيح للقوات الأميركية التواجد على أرضه لأمدٍ بعيد، عندها فقط علمت إن النعجة لم تكن مظلومة بإجحاف، فهي تعذبت قبل الذبح، لكنها ذبحت وارتاحت من معاناتها، في حين ان مسعود يسعى جاهدا لقطع اذن العراق وهو يمسك السكين منذ اكثر من اربعة عشر عاما، ويومياً يهدد بقطع أذن العراق وربما لسانه وحتى إليته ان يتاح له ذلك، فكما يبدو ان العراق صار خروف نذر لمسعود، واميركا تقترح بشأنه الخطط بعد ان أفشلت التيارات الإسلامية التي لم تتورع عن سرقة البلاد والعباد، أميركا تريد وجوداً دائما في العراق، والسعودية تريد وجودا دائما في العراق وايران تريد وجودا دائما في العراق وتركيا أيضا، هذه الدول رأت ان الأجواء مناسبة لتفعل أي شيء وان من يسيطر على العراق الآن ضعيفاً خاوياً منزوع الإرادة والكرامة، لا يشبه زعيماً ثائراً يقاوم أو ينتحر على الأقل صونا لكرامته وكرامة الشعب، سياسيون همهم الأول والأخير السلطة التي تجود بالمليارات ، حتى إن أسماءهم صارت متداولة في اكبر الفضائيات والصحف العالمية بثروات مهولة سرقت من أفواه البسطاء الذين انتخبوهم بأوامر وتأييد من المرجعيات الدينية التي اعتادت على تكفير وتفسيق الأحزاب ، ولكنها توقفت عند هؤلاء ، لم تعترض ولم تبارك، في حين شغلت بعض الفضائيات العراقية الممولة بعرض أسماء أربعة وعشرين بريئاً وجدتهم مسمار جحا لتضع سرقة رؤساء الكتل والأحزاب برقبتهم وتصم سمعها عن المليارات المسروقة.
أميركا وبعد ان قطعت أذن العراق وانفه وساقيه ، ستعود ثانية لتصنع له أعضاء بديلة، لكنه سيبقى بلداً مهمشاً ، أشبه ما يكون بمسخ الروائية البريطانية ماري شيلي ، والذي يبقى ينتقم من خالقه طالب الكيمياء فرنكشتاين بقتل اقرب الناس إليه حتى يقضي عليه أخيراً في مطاردة طويلة.