لقد كشفت لنا معركة تحرير الرمادي حالة من الواقع الاجتماعي والثقافي الجديد على المدينة ، عبر الاسلوب البربري الذي مارسته عصابات داعش تجاه اَهلها ، وكيف ذاق أهل هذه المناطق الرعب والذل والاهانة من عصابات داعش ، وكيف نشأت حالة الاستعداء للسياسيين الساكنين تلك المناطق وعدم شعورهم بمعاناتهم ، كما ان هذه المعركة كشفت حالة الاستعداء للدول المجاورة والمتآمرة خصوصا السعودية والتي كانت سبباً في وجود هذه العصابات ودماء الأبرياء التي ذهبت تحت قبضة هذه العصابات ، كما انها كشفت حالة اقتراب اهل هذه المناطق من العشائر الجنوبية ووسط العراق والتي كان لها دور في احتضان المهجرين من تلك المناطق ، الامر الذي يجعلنا امام قراءة اخرى لهذه المعركة والتي استطاع فيها الجيش العراقي وقواتنا الامنية والعشائر من خنق هذه العصابات وتحرير اغلب المدينة من بطشهم .
ان اهم ما يميز معركة الرمادي هي حالة البغض الشديد للاسلاميين من المكون السني وبكل اشكالهم ، كونهم لم يلبوا طموحات جمهورهم ، ولم يكونوا عوناً لهم ، بل ساهموا كثيراً في دخول هذه العصابات الى مدنهم وتمزيق اواصر الترابط فيما بينهم وساحات الاعتصام كانت مثالا سيئاً لهولاء السياسين ، كما ان هذه المعركة كشفت كرهاً لدعاة التقسيم والأقاليم ومعارضة واضحة لاي دعوة لمشروع التقسيم سيء الصيت ، وفقدن الثقة بكل السياسيين السنة وعدم الاكتراث لتصريحاتهم لانهم كانوا سبباً مباشراً في سقوط مدنهم الواحدة تلو الاخرى عبر اجندات ومصالح لقوى خارجية ساهمت كثيراً في قتل السني قبل غيره .
هذه المعركة كشفت العداء ضد الدول التي تآمرت على بلدهم ومدنهم والتي كانت سببا مباشراً في تفشي ظاهرة “داعش” ووجودهم في مدنهم وممارساتهم الاجرامية ضد المواطنين العزل ، وتدمير المدن وبناها التحتية ، وتهجير العوائل الامنة ، خصوصاً وان سقوط مدينة الرمادي بيد تنظيم داعش كان أمراً لا مفر منه ، كون المدينة التي تبعد حوالي ١٠٨ كم عن بغداد تمثل مناطق قتل وموت ، وحتى قبل ظهور داعش ، والحوادث كثيرة في هذا المجال ، وكانت تشكل خطراً حقيقياً على المسافرين او الذين تعاطفوا مع التغيير السياسي الذي حصل بعد عام ٢٠٠٣ ، كما ان هذه المنطقة لم تكن يوماً بيد القوات الامنية والحكومية ، بل كانت ليلاً منطقة ساقطة بيد القاعدة او بقايا حزب البعث ، والذي استطاع من بناء تحصينات قوية داخل المدن ، خصوصاً مع وجود العدة والعدد ، والتدريب العالي لتشكيلات حزب البعث او القوى الامنية التابعة لنظام صدام آنذاك ، كما ان القوات الامريكية هي الاخرى أخفقت في دخولها وبسط السيطرة عليها ، لما لهذه المنطقة من خارطة صحراوية معقدة ، وايدلوجية سكانية من طيف واحد ومكون واحد ، جعلت من الصعب على الحكومات المتعاقبة التعاطي مع هذه المدن .
معركة الرمادي كشفت المشاعر الأخوية التي يحملها سكان تلك المدينة لاخوانهم من الشيعة ومرجعيتهم الدينية العليا التي كانت الأب والسند لهم، عبر قوافل المساعدات التي ترسل أسبوعيا الى مناطق الحيانية والخالدية وغيرها من مدن الانبار ومد جسور الثقة معهم ، وعدوّا الشيعة عنوانا للسلام والمحبة والتسامح والإيثار ، عكس فكر ومذهب داعش التكفيري الذي كان عنوانا للحقد الطائفي والعنصري البغيض وسفك دماء الأبرياء وقتل النفس المحترمة .
لقد ساهمت الدوائر التكفيرية في نشر الكره والفكر بين ابناء الدين والواحد عبر عقائد منحرفة تشوه صورة الآخرين ، وتعكس انحرافاً واضحاً عن الشارع المقدس ، وربما هي تقنع بعض السذج وعبّاد الدولار الا انها باتت واضحة امام اغلب سكان المناطق السنية ، كما يجب ان لا ننسى دور المخابرات الدولية والإقليمية في النشر والترويج لهذه المجاميع التكفيرية وفكرها المنحرف وتقديم الدعم الكبير لها لرسم صورة سوداوية وسيئة عن الاسلام في الأوساط الغربية ، ناهيك عن الذريعة التي قدمتها هذه المجاميع للغرب لغزو بلادنا ودخولهم بجيوشهم وقت ما شاءوا ، ومحاولة تربية جيل جديد ينتهج هذا النهج الدموي ، وإفساد الجيل الشاب المسلم وحرّفه عن رسالته وتدمير طاقاته وقدراته عير النهج الانتحاري ، بما يعكس الصورة المظلمة للدين الاسلامي وسماحته ، لهذا كانت معركة الرمادي معركة حقيقة ووضوح للفكر الارهابي الذي كان يسعى لتمزيق الأواصر بين ابناء الوطن الواحد .