من الطبيعي في هذه الحياة ، أن السطوة لأصحاب السلطة الحاكمة فهي غالبة على الفكروالجسد بالقوة أو بالمساومات ، فخطاباتهم خطبات موجهة ضد أي كائن في ساحتهم يحسّون منه الغيرة والحسد ويعتبرونه المهدد لسلطتهم مهما كان فكره حتى ولو كان نبياً أو وصياً او مخلصا ، والندرة الصحيحة في الانسانية مستثناة من قاعدة العموم في سلوك الانسان ، إلا ان هناك من يمتلك فكراوخطاباً مصلحاً معارضاً نوعاً ما لسيادة تلك السلطة القائدة للشعوب.
وقيادة الشعوب تبدأ بفرد واحد ثم تصبح بالإقناع والإكراه مجموعة كبيرة ، وهذا حال الانسانية على مر التاريخ ، ونعلم ان الافراد على طول الخط التاريخي ينساقون وراء الاغراض الشخصية ، فتذهب رسائلهم هباء منثورا إلا ما رحم ربي ، القرأن والتاريخ شاهد على كل ذلك .
كان للتدوين عبر التاريخ دور مهم ، حيث بواسطته عرفنا مآثر الشعوب وشخصياتها وهذا المعترك ذو الفكر السياسي والبناء التاريخي ، سبب اشكاليات مهمة في عملية التدوين التاريخي تمثل ، بترتيب الاثر لكل مدون – فالمدوِّن بكسر الواو صاحب التدوين – يبني اثاراً سلبية او ايجابية على كل شيء يسمعه من اخبار، فآثاره مرتبطة بشيئين مهمين هما:
العقيدة والسلطة/ وبدورهما يشكلان فِهم الانسانية ، فاذا كان محباً للسلطة والجاه ، فان الغلبة للتدوين السلبي – سينعكس على عقيدته حتما – واذا كانت العقيدة الحقة هي المسيطرة ، فستكون الاثار ايمانية وهو مطلب عقيدي لكل انسان يبغي مرضاة الحق ، على رأس هؤلاء حملة التاريخ ومنهم —علماء الرواية – وعلى هرم هذه الحقائق التاريخية ( المباحث الفلسفية الدينية ) – باعتبارها مكونة تحريضاً عالياً للفكر الانساني – والامثلة والنماذج كثيرة ،فمنها تلك الفلسفة والمدرسة الدينية التي ساهمت ببناء دولة في قلب الوطن العربي إبّان القرن الرابع للهجرة والتي سميت بمسميات ثلاثة (الاسماعيلية /الحشاشون / الباطنية ) وهي حقائق تراثية .
هذا الكنز الضخم من التراث لم يصل منه الا معارف قليلة ،و السبب الرئيس هو التدوين المنقول والمحمول من تلك الفترة الينا على اساس مذهبي يساير السلطان رافضاً للبرهان، مما جعل الماثور غير مقروء ، وخير مثال على ذلك ،الدراسات و الكتابات النقدية للتاريخ ، التي تناولت تلك المدرسة الدينية والفلسفية .
إن الاصطلاحات الثلاثة تمتلك سرية عالية كما وصفها المؤرخون وهذا هو عقدة العمل التاريخي من حيث صدقه وكذبه فهم يقولون :-
الاسماعيلية : هي التسمية التي تعود نسبة لاسماعيل بن جعفر الصادق.
والباطنية : نسبة لممارستهم التاويل في مباحثهم الفلسفية والدينية وهي رؤية حملها اعداؤهم عليها .
الحشاشون : لقب أطلقه أعداؤهم من الصليبينAssassims باللفظة الانكليزية ويعني عندهــــــم ( فاتك او قاتل ) لانهم اشتهروا باغتيال الشخصيات الصليبية او المتعاونة مع الصليبين ،ولو تتبعنا الاصطلاحات والمسميات والدلالات التي شاعت حول هذه الطائفة ، نلاحظ فيها نوع من الاستحقاق الصحيح وهو فخر لها ، فالانتساب لإسماعيل بن جعفر الصادق ليس عاراً والباطنية فكر واجتهاد وتاويل ليس عيباً فالنظريات الغربية تدرسه وتطبقه في الوقت الحاضر في العلوم الانسانية خاصة .
الحشاشون : صفة لمقاتلين اشداء ، فالعدو يطلق باعلامه اقسى الالفاظ على خصمة ، مهما كان دوره ومكانته ، فالفكر الفلسفي الديني الاسماعيلي او غيره من الاصطلاحات –سمِّه ماشئت – امتاز بأسراروله خصوصيات وصفات وهذه الصفات تتمثل بــ :-
1- الخوف من السلطة .
2- فكراً ثورياً معارضاً .
2- فكراً مظلوما بسريته، لانهم لم ينقلوا افكارهم للعلن .
فمن هذه الرؤية على الباحث ، توضيح اسباب السرية لهذه الفلسفة او هذه الافكار لماذا حوربت….. ؟ ولماذا طمرت منجزاتهم……وهكذا ؟
لنقرأ متناقضات التاريخ ولنبين النفاق التاريخي للمأثور ودرجة الاثر الذي اصاب المؤرخين قديماً وحديثاً ومن النماذج المتناقضة، الكتب الاتية ) الرد على الباطنية – للغزالي / وابن حزم ، الملل والنحل- للشهرستاني/ الكامل في التاريخ – لابن الاثير / رحلة ابن بطوطة – اشعار ابو العلاء- المقدمة في كتاب اخوان الصفا – طه حسين واحمد امين – تاريخ الفلسفة في الاسلام- لعبد الهادي ابو ريده / وترجمة الباحث الالماني (كولد سهير)) وهكذا من المباحث …. وهذا غيض من فيض ،هؤلاء كتبوا عن الاسماعيلية .
اما كتاباتهم وآراؤهم، فهي جزء من وصفهم حيث قالوا : (الاسماعيليون الحشاشون – الباطنيون – خراصون – كذابون – وضّاعون – يجب محاربتهم – يمارسون السر في عملهم وقسم اخر قال : ( ان هؤلاء اصحاب اغتيالات – تقليداً للصليبين بدون تمحيص – يزاوجون بين الايمان والزندقة مجوس) .
واستطراداً (ان العرب تطلق مصطلح مجوس على كل زنديق ) وهكذا من الالفاظ والالقاب .
اذن كانت هذه الفلسفة وهذا الفكر الباطني سرياً ، فكيف يؤلفون كتباً….. ؟ وكيف يحملون عليه هذه الاحكام…. ؟ فهناك مشكلة ، والمشكلة هي توجيه الحاكم لكتابة هذه الدراسات ضد هذه الافكارالمعارضة للسلطة ، وهناك ملحوظة اخرى تبين التناقض في البحث التاريخي واضحة تماما تعكس ما قالوا وهي موجودة في مضامين مؤلفاتهم منها قولهم :
ان افكار الاسماعلية تعود الى شيخ الجبل (الحس بن الصباح ) وهو راعية فاطمي كان ضد العباسين وضد السلاجقة وضد الصليبيين والمقصود ليس هو شخصيا وحده ، انما خطه الفكري عامة من خلال اتباعة على مر التاريخ ،
وقال الغزالي هؤلاء الباطنيون اهل تعليم فهم يعتمدون على معلم معصوم … ويقولون : انهم نقدوا فلسفة فيثاغورس ووصفوها بالركاكة …
وابن الاثير يقول : لديهم علم ابيض يرمز للنور الخالص واحتقارهم للجسد والماديات ، يضحون بالنفس من اجل الجماعة ولديهم طبقات …
وصاحب كتاب تاريخ الفلسفة في الاسلام يقول مراتب الوجود عند الاسماعيلية تتمثل – الله – العقل – النفس – المكان –الزمان ، سبعة قسموها هم واعداؤهم – انتهت اوصاف المؤرخين – .
هذه الاوصاف والملاحظات ، هل أتت بخطر على الاسلام أو أتت على العقل الانساني بفساد … ؟ وهل فيها مساس لاحدهم ….؟
نقول لماذا لم تشن حملة على الفلسفات الفارابية – الرشدية الغزالية – السينائية _ (ابن سينا) – الماجوية (ابن ماجة)……. وغيرها ؟ ففيها أفكار شبيه لهذه ولغيرها ، وهذه مصداق ما قاله صاحب كتاب ( قلعة الموت ):
(ان اعداء الاسماعيلية تخلق ضدهم حجج ليقضوا عليهم ، لا لذنب اقترفوه ، بل لأنهم كانوا على غير رأيهم ، فكم من الاسماعيلية ذهبوا ضحايا التعصب الاعمى البغيض … ) ذاك كثير في التاريخ ضد تلك الفلسفة وغيرها فعلى سبيل المثال ، إن (محمد سكتكين سلطان غزنه) قتل في مدينة (ملطان ) في ارض الهند الالوف وقطع ايدي الالوف منهم ، وقيل أن احد امراء خرسان قتل في مدة قليلة اكثر من ( 000 ,5 خمسة الاف ) من الباطنية وبنى من روؤسهم منارا أذّن عليه المؤذنون ، فيا ترى هل هذا الآذان مسنون بهذه الطريقة ؟!! . وهل تبنى المنارات في الاسلام بهذه الطريقة ….ز؟ الله العالم !! و أي فكر عربي وإسلامي فلسفي انتقد نظرية فيثاغورس غير هؤلاء ؟ وهل جاءت بجهالة وسفه ؟
فللقارىء لمحة خاطفة من افكار هذه الفلسفة ننقلها من ألاقلام و الافكار المحايدة والمعادية لتلك الفلسفة أو المدرسة .
أهم مميزاتهم الفكرية تتمثل بـ:
1- الاسماعيليون يحرمون القتل ، الا في ساحة الحرب وعند الدفاع عن النفس
2- تاثيرهم في التفسير من خلال فكرة التاويل عند المفسرين والباحثين الاكاديميين عرباً واجانب ، اسلاميون وغير اسلامين .
3- تثبيتهم للقواعد الفلسفية في الاسلام .
4- تضمينهم للفلسفة في الادب والدين مثل ( قصة حي بن يقظان ) احدى ثمراتهم وتأثيرهم على الشعراء، كابن هاني والمعري-
5- اراؤهم في الطبيعة –الانسان – بشكل عام والفلسفات الطبيعية عند الغرب الحديث مستقاة منهم .
6- لهم الفضل على الفلاسفة المسلمين – كالفارابي – ابن سينا- وخير تجسيد لهم (اخوان الصفا ) الذين تميزوا بحملهم نفس الا فكار ولم يعلنوا اسماءهم لاسباب مذهبية سرية خشية من السلطان
7- حاولوا بناء (نظام اجتماعي جديد ) وضرب (النظام القديم ) الذي سار علية العباسيون ، وتلك الافكار كانت تنشر سراً وهو مبدأ اشتراكي تماثل في الافكار والسياسات الثورية الحديثة .
8- محاربتهم لكل محتل كالترك – السلاجقة – الصليبين – المغول ، لان هذه الافكار اٍمتدت طويلاً وعاصرت اغلب الامبراطوريات والحكومات بالسر والعلن من خلال استلامهم دويلات هنا وهناك أو بدون سلطة أو بالافكار فقط .
إذن هذه المواصفات المذكورة في كتب التاريخ هي خير افكار في الاسلام وغيره ، لكن لماذا حوربت… ؟ ولماذا شنت الحملة عليها..ز ؟ نعتقد للاسباب الاتية :
أ- إن الذين كتبوا عنهم هم كتاب سلطة – للعباسين والسلاجقة – وهذا بديهي لذمهم ، لان الاسماعيلية كانت ندهم واعلاها في عصر المستعلي – .
ب- إن العباسين – السلاجقة – الصليبين – الايويبيين – المغول ) بدون استثناء يخشون افكارهم ، لانهم على خط مغاير للاسماعيلية ، فكيف يقبلون بهم ؟ ومن هنا تمت تصفيتهم ، و من يقول انهم منحرفون وعلى خطأ في فلسفتهم ، فهم ليسوا انبياء فقد كتبوا فكراً نيرا ، فعلى المسلمين استثماره بشكل يليق بالاسلام ، فالذي يقاتلهم ويخطؤهم الصليبون ومن سار على فكر الصليبين دقق في التاريخ ايها القارىء وسيظهر لك ذلك .
ت- الظروف المحيطة بهم من ظلم وأضطرابات وتوترات والارض الفكرية الخصبة ساهمت بذلك.
ث- إن السرية التي يمتازون بها لايحق لاي كاتب ذمهم عليها ، علماً أن الصفة السرية لصقوها بهم واعتبروها نوعاً من الانزواء والمخالطات والخوف .
ج- الطائفية والمذهبية والجاة والمال وراء كل ذلك النقد .
ح- آنهم آمنوا بمبدأ ديني فلسفي خاص بهم وهذا لايروق للسلطان قديماً وحديثاً ، فالانتحال عنهم ومنهم واليهم كان اشده بين الفرق الاسلامية و كثرة الاضطرابات انذاك كان وارداً ضدهم حكماً ، كلها جاءت بسبب التدوين الظالم للتاريخ الذي حرمنا منه ومن حقائقه الثرية .
المصادر المعتمدة
1- الرد على الباطنية / للغزالي.
2- الملل والنحل / للشهرستاني .
3- رحلة ابن بطوطة / لابن بطوطة .
4- الحسن بن الصباح / عمر ابو النضر .
5- الموسوعة العربية الميسرة / محمد شفيق غربال .
6- المحط من لسان العرب / لابن منظور .
الفرق الاسلامية / لابن حزم