3 نوفمبر، 2024 3:10 ص
Search
Close this search box.

قراءة نقدية في نص الشاعر العراقي الشاب المبدع اياد القلعي

قراءة نقدية في نص الشاعر العراقي الشاب المبدع اياد القلعي

( الارملة )
تمهيد
الادب احساس وتصرف ، و ذوق وذائقة ……و الاديب المتمكن من ادواته يستطيع ان يتصيد المتلقي بصنارة من احساس ادبي مقتدر مرهف حين يكسو هذا الاحساس بفكر خلاق وموسيقى وعمق اسلوبي خادر لو استخدم ادواته الادبية من اسلوب وحس مرض ، يذهب بالمتلقي في متاهات وردية خلف  مسالك الحروف وازقتها  المبعثرة نحو عالم رحب فسيح….هذا هو الابداع بعينه وهو المعيار الحقيقي الذي يميز الاديب الجيد عن غيره……الادب ليس عدد من كتب مركون ، ثقل تنوء  به الرفوف لا يمسه احد ، وذاك في الكثير للذين تصور الادب وصولية واسفاف و نفخة لشهرة كاذبة ملتصقة بنص او نصين نام عليها وسادة وفراش وثير وغلق ابوابه  مكتفيا بما ورد…..ديكا لا يبيض …..الادب هم ثقيل يرزأ فوق احساس صاحبه ، و رسالة انسانية حتميتها ان تبلغ ، لا يعترف  بهذار السنوات فوق  لسان العمر والشكل او الغنى والفقر…..الادب نصل يستل في الظلام  ليشع قبسا من نور رصاصة تطلق نحو قلب التخلف والجهل…..الادب بلسم يشفي جروح الوعي….
 صيد  يدخل سلتي في رزقها اليومي غذاء للعقل والروح ولا يعد يومي يوما ان لم القي بسنارتي من جرف فراتي الالكتروني لاصيد سمكتي بما بقي من نظر بعد  تيه وردي في حدائق الاحساس لكي اقطف باقاتي اليومية بعبقها الزهري الملون و اطفيء ظمأ في ذائقتي وجوع نفسي المتطلعة نحو قراءة الاحاسيس والآهات والخلجات التي تلقيها القلوب التي تحاول جاهدة اذ تلقي فوق عكاظها الالكتروني ما تجود به القرائح والنفوس من اجل ان ترسم البهجة في النفوس وتغذي المشاعر و الافئدة  بالغذاء الروحي دون مقابل او ثمن ….. وكان صيدي اليوم دسما ، جوهرة ارملة بمحارة اديب شاب قدم نفسه  من اوسع بوابة وهي بوابة الايداع الواسعة… اياد القلعي
 
 
السمات الجمالية في النص
نص رمزي بدرجة الريادة يتجه نحو المدرسة الرمزية بأسلوب واقعي عميق مدروس تحت مظلة الادب للمجتمع ، وسرد قصي وعضي متزن و متقدم جدا لاديب شاب يستخدم أدواته الادبية بحرفنة واتقان  من حيث التطور الفني في الحبكة الداخلية فقد اعطى صورة حية لبناء الحركة الزمكانية  في النص واعطاه وقتا حرجا  ومكانا وحبكة واسلوبا رائعا عميقا ، بصور بلاغية مليئة بالمحسنات البديعية والتشخيص و يجاري الكاتب ذائقة المتلقي بأسلوب خفيف الظل من سهل ممتنع بعمق ادبي بترنيمة متواصلة ومتماسكة من خلف جدران القص الخارجية   لكي يجعل المتلقي يتيه بحبكة اخبارية بسيطة تسعى نحو ادب الحرب بشكل حثيث….امرأة جميلة تجتذب مفاتنها ضابطا وجنوده فيتسرب الامر من يده بفعل الشبق والانفلات الشهواني فيرتكب جريمة الاغتصاب لتلك المرأة امام الجنود وقتل زوجها حين عثر على الموقف وهذا الدأب شيئا موصولا بقسرية الروتين المستهلك لأحداث قد مرت بشكل لا يقبل العد
لم يكن الاديب اياد القلعي سطحيا بحبكة هذا النص وانما اديبا عميقا ويمكن للمتلقي ان يكتشف ذلك العمق الاسطوري بنفسه وذلك بتفحص عميق لزوايا النص ، الواضحة احيانا و القاتمة احيانا اخرى ، المخبأة تحت عباء الرمزية  ، فهو وميض يخرج ويختفي وشريط خفيف من البوح من قبل الكاتب نفسه بشكل متعمد او تلقائي….. فهو يستخدم مبدا الايهام بالاخبار الواقعي المباشر الممزوج بتلقائية الترميز…..
 اجده قد ذهب بعيدا وراء الحبكة الاخبارية واتجه نحو الوطن وما تخلفه الفوضى السياسية من انتهاك للوطن والشعب …ثم يتجه نحو الخسائر العظمى ومن يدفعها  واقلها شرف او حياة….فيعمد الى تثبيت تلك الخسائر والخاسرين من الفقراء والارامل والايتام و البسطاء من الناس الذين ليس لهم حول ولا قوة …..يعمد الكاتب الذكي بدق اسفينا بين الواقعية والرمزية فقد عزل الضفتين بنص واحد وبدا يكتب فوق السطور ويأمر كل كلمة من كلماته المكتوبة بان تشير باصبعها لما تخيفه خلفها من دروس انسانية ختلت تحت جلباب وعبائة الرمزية الثقيلة في هذا النص الوطني ولو اطلق لها العنان لبدات تصرخ بوجوه تجار الحروب والخونة واللصوص
اشعر بل ارى بعيون قاريء متذوق بان هذا الرجل وبحماس شاب ثائر يصرخ بصوت الكلمات من خلال مكبرات صوت شدها بطرف قلمه وبنى نصه بناء دقيقا كمن يبني بيتنا ويهتم بتفاصيل هذا البيت وكأنه يريد ان يبني وطنا حرا خاليا من كل ادران العنف و الجرم والرذيلة ، فبدأ ببناء حائطا خلف نصه المرئي وبدا يسجل تلك الاخطاء ويصنفها كالاتي: ارض الوطن ومدنه المنتهكة الجميلة كجمال ليلى اشتد عليها الشر وتكالب عليها العتات من ضعاف النفوس والخونة واللصوص….فضاع استهلال الخسائر الشرف وهذا ظهر جليا بالاغتصاب…وسجل ذلك فوق الجدار الخلفي للنص…..اتنقل الى الخسارة الاخرى ، واشار لها ببراءة الطفل وكانه  يضع اصبعه بعيون الخونة من ساستنا قائلا لماذا تسمحون ان ينتهك وطنكم امام اعين اطفالكم …..لماذا ترسلوا القتلة لقتل اطفالكم…ثم يسجل هذا الصراخ على الجدار الخلفي للنص…..ويتوج الاديب ايا القلعي غضبه بتجذير النص والعودة الى جذور الاصالة فيسلم نجوى الابناء للاجداد وكأنه يشكي حاله الى اجداده السومريين ويعاتبهم بان التاريخ يعيد نفسه فقد ترملت الارض العراقية بغزو العراق بسكاكين الخونة من ابناءه كما ترملت عشتار بموت تموز…وسنبحر بالنص بتحليل دقيق من اعمدته الاساسية:
أمضت ليلتها ساهرةً أرِقَةً حتى بزوغ الفجر على الرغم من طولِها ، حاولت أن تدرك الحقيقة , نظرت لها بعينين ثاقبتين لا من وراء حجاب وهي تسمع أصوات الصخب والقلقلة لسرف المدرعات المزعجة والسيارات العسكرية المخيفة التي تقل الجميع إلى غرف الموت ، غوغاء الحديث وزمجرة الجنود وكأنهم أشباح مخيفة ، رأت ومن على شرفتها الثلجية سرب طيور النوارس هاربة إلى المجهول ، كانت مرتدية ثوبَ نومها الخفيف الشفاف الذي يفتح نوافذ صدرها بعبق الجمال وشعرها الأشقر الحريري الذي يؤطر استدارة وجهها الجميل حتى بدت وكأنها الشمس .
يبدا الكاتب الكبير الاستاذ نهاد القلعي نصه قصا واقعيا مباشرا باسلوب اخباري بسيط وكانه يحضر لمصيدة للايقاع المتلقي المتذوق ، المتسائل بفضولية التفحص والتمحيص الادبي لكي يوهمه بان هذا المقطع ما هو الا حدث يومي مستهلك اقتطع من جريدة او مجلة كخبر لحادث من حوادث اليوم السلبية وهذا دأب القاص الذكي ان يخلط الايهام بتلقائية الترميز، كل نص يكتب ترافقه خلفية اخلاقية شاء القاص ام ابى، ومع ذلك اديبنا الاستاذ اياد القلعي ذكي جدا حين يخلط السم بالعسل و يهتم بالسرد الوصفي العميق والاسلوب القادم من وراء جدران القص البعيدة جدا، ليتسلل بهدوء ويدس في ذهنية ومخيلة المتلقي صورة يرسمها بدقة بقلم الكلمات عن وضع ليوم حربي مزدحم بالقساوة والخشونة والاتجاه نحو الدمار والموت والدم وكيف يكتظ هذا اليوم بالفوضى وجلجلة الحديد والرصاص وسرف الدبابات ….تصاحبه خيالات رمزية تختفي تحت جلباب الايهام الاخباري المباشر لتشغل ذهن المتلقي بعلامات التعجب والاستفهام…
يعطي الكاتب صورة سوداوية خالية من المجاملة عن  الانفلات العسكري وعن الحرب التي وبأي شكل من الاشكال، لا تعكس الشفافية والسعادة  اكثر مما تعكس صورة الدمار حتى و لو بمرور بسيط في مكان هادي لا يحتاج  الوضع الا ثوان زمنية، ويسود هذا المكان الفوضى والانفلات والغبار وحالما تغبر سمائه بالغبار والكآبة…..اشار الكاتب بأصبعه نحو امرأة جميلة  واستخدم الجمال كمادة لاصقة لاجتذاب الخطأ اتجاه الصواب بسكين يقطر دما ليحوك امرا سوداويا يلوح في افق القص المتسلسل بسلاسة عفوية……..
ركض الجنود وهي تسمع وقع أقدام تصعد السُّلَّمَ أو تهبط عليه , رُكِل البابُ ركلةً قويةً , كانوا ثلاثةً يتقدمهم ضابط برتبة ملازم ، أصواتهم خناجر تمزّق صدرها الذي لفَّ معاناة السنين.
قال الملازم : أتملكون سلاحاً في البيت ؟
قالت : لا وماذا نفعل به ؟
ــ أين زوجكِ ؟
ــ خرج إلى عمله كعادته كل صباح
ــ وما عمله ؟
ــ يبيع الحديد بمتجره في ساحة السِّباع
ــ ما اسمه ؟
ــ احمد
يسبك الكاتب المبدع اياد القلعي عقدة النص الاساسية بحوار ذكي مباشر بسيط باسلوب واقعي   ويصور بهذا الحوار بشاعة الحرب وبشاعة شخوصها ويركز على شخصنة الشخصيات بواقعية وبشكل دقيق وكأنه يقول :لا توجد ملائكة في الحرب فهي مهما كانت فشخوصها شياطين او اقرب ، بمعنى ان الجندي في الحرب يبحث عن غرائزه بفوهة بندقيته وراس حربته ولا يفكر غير ذلك لكونه في النتيجة اداة للقتل فان لم يقتل فهو مقتول حتما ….تلك الصورة الغرائزية المثبتة بفوهة بندقيته وراس حربته ما هي الا حقيقة  سوداوية للحرب خالية من التزويق ، وتخضع لمبدا لا يصبح القرد جميلا بأحمر الشفاه…..يسرد الكاتب بلسان شخصيته المتكونة داخل مخيلته  التي امتلأت منذ طفولته بصور الحرب والدمار والقصف واصوات الانفجارات، فهو عراقي وما دام كذلك فهو افضل من يصورها و من يتكلم عنها فقد عاشها طفلا وشابا ولا يزال يعيشها في ادق تفاصيلها فلا يلام ان قسى قليلا على كينونة الجندي…فلا مجاملة في شيء تراه عينه وتعيشه نفسه فعلا وهو يعاني من نتائجه ويطلب منه الخوض في غماره….ومهد الكاتب في هذا الحوار تمهيدا لمشهد اكثر خطرا ، قادم بحتمية الظروف لا محالة…..
لم تجسر البقاء على هذه الحال خوفاً من تطوّر الموقف, بينما كان أحد الجنود يعبث بخزانة ملابسها وهو يستعرض أمامها سخافته مستهتراً بمشاعرها , وقهرِها المنفلق بصمت الظلم الساحق لكرامة الإنسان واللاإنسان القابع بأرضنا المحتضرة , همّت أن تخفي صدرها بيديها دون جدوى وركضت نحوه , فرشقها الملازم بإناء الماء الذي كان قريبا منه , التصق ثوبها الشفاف على صدرها المتجبر أنوثة وجمالاً , ووركها المستدير والمتأخّر بآنية اللهفة , واللهيب المتأرجح تحت خصر أخّاذ , حاملا صدرَها المُثمِر بحلمتين بارزتين استثارتا ذكوريّتهم الجائعة المكبوتة التي تفجرّت عابثة بلؤلؤة ناصعة بغنج تاء التأنيث والنون التي سقطت بجبّ الكيد الذي حوّل كيدَ الجَمال عزاءً في بكارة ذلك الصباح الباكر .؟
تقدّم على قيد خطوات منها , وكان تقدّمه كوطأة سكين حزّت عنقها , فدفعها على السرير محاولةً أن تبعده بصراخها .
وضع يده على فمها عابثا بصدرها , متلمسا بأطراف أصابعه ارتعاشات بطنها المشتعلة شوقاً للالتحام القسري الذي طفح بضوع عطر أنوثتها البابلية , منبِّأةً مغتصبيها بأنها حضارة , لترى نفسها مستسلمة لشهوته ورغبته باستسلام جسدها الذي يجتذب القلوب ويعانق النظرات المفترسة التي تنهش عطرها الطافح .
و تبرز عبقرية الكاتب وهو يصور ويقارن بدقة متناهية انتهاك ارض الوطن ومدنه الجميلة ورغبة اللصوص والعصابات الارهابية ، يركز هذا الانتهاك بجسد امرأة جميلة في لحظة اشتعال الرغبة الجنسية والاغتصاب …. شراهة حيوانية لا يقف عندها احد مقابل شراهة الطمع والجشع والامتلاك في ارض وممتلكات اهلنا في المدن الغربية والشمالية … الطمع والشبق والشهوانية كلاهما انتهاك لشرف ومقدسات غير مبرر…ويذهب الكاتب عميقا يرسم صورة الاحتلال بهدوء ودقة متناهية بعيدة عن العشوائية والتخيل فهي فعلا ازدواجية الاحتلال حدثت في الحالتين….فهو انتهاك سافر للأرض والعرض مكفول بأيدي الجناة من ساستنا المنحرفين والموغلين بالخيانة والغدر وهو قدر بغيض مدفوع  الثمن لقاءه كرسي زائل او منصب ذليل …حاول الاديب بذلك ان ينبه ضمائرهم الميتة بان ذلك سيل جارف اذا لم يصيبهم اليوم فسوف ياتي غدا ..ان غدا لناظره قريب…..
وصل احمد إلى باب شقّته لِيسمع صراخ زوجته الذي حوّله لنارٍ لاهبةٍ , فمنعه الجندي من دخول شقته, ودفعه دفعةً قويةً ليرى قميصَ شقّته قد تَمَزَّقَ من قُبَلٍ ومن دُبرٍ, فسحب الجنديُّ بندقيته مسدّداً فوهتها نحو رأسه , فصرخ الملازم :
ضربه الجندي , قتله الجنديّ…
عندها سقط العراق قتيلاً ليعلنَ عشتاره أرملةً لتموزنا الأسطوريّ الذي عشقته حدّ الوله …
ولم يرخي الحبل كاتبنا ولو قليلا بل اطرد حنقه وغضبة  واستمر بالغضب والصراخ بوجوه القتلة والمجرمين من خلال شخصية احمد الذي يرمز به لوجع الوطن المنتهك الى حد الاغتيال والموت فكل مواطن يقتل على ايدي القتلة والمجرمين من ساستنا المنحرفين ووكلاء الموت والدم والدمار هو رمز لجرح الوطن السليب المنتهك ارضا وسماء… اشاهد هذا الشاب وهو يهز يده بغضب بوجوههم الكالحة و يصرخ بصمت مرة ويغوص اخرى ، بعيدا في اعماق التاريخ نحو الاجداد ويعيد التاريخ من جديد حين يقلب الطاولة في وجوههم ويستل سيف اشور وفأس كلكامش ويهدد الغزاة بتجذير القضية  ثم يعود ويشكو هم الوطن الى اجداده السومريين حيث يعطي صورة جميلة لعروقة الثابتة في هذه الارض الممتدة عميقا الى ستة الاف سنة تلك الحضارات التي لا تستطيع هزها عصابة ولا ثلة من اللصوص و الخونة او المارقين ….تفيض به الشكوى حتى يشبه الم الوطن بألم عشتار عند موت تموز…. في ارملة التاريخ وكانه يقول لا يهزم وطن تمتد جذوره في الارض ستة الاف سنة ولا ترمل نساءه ابدا وما هذا الا اضغاث احلام يحلم بها اعداء العراق……
تحياتي لهذا الاديب الرائع…اعتذاري له ان لم اوفق في قراءتي نصه الجميل لربما كان نصه اكبر مني…….
النص الاصلي
الأرملة
اياد القلعي
أمضت ليلتها ساهرةً أرِقَةً حتى بزوغ الفجر على الرغم من طولِها ، حاولت أن تدرك الحقيقة , نظرت لها بعينين ثاقبتين لا من وراء حجاب وهي تسمع أصوات الصخب والقلقلة لسرف المدرعات المزعجة والسيارات العسكرية المخيفة التي تقل الجميع إلى غرف الموت ، غوغاء الحديث وزمجرة الجنود وكأنهم أشباح مخيفة ، رأت ومن على شرفتها الثلجية سرب طيور النوارس هاربة إلى المجهول ، كانت مرتدية ثوبَ نومها الخفيف الشفاف الذي يفتح نوافذ صدرها بعبق الجمال وشعرها الأشقر الحريري الذي يؤطر استدارة وجهها الجميل حتى بدت وكأنها الشمس .
التفتت إلى الأسفل فرأت جمعاً من الجنود المتجمهرين تحت شقتها يلوّحون لها بأيديهم ، وضابطاً بينهم يلوِّح لها بهاتفه المحمول ويشير لها بأنه سيرمي لها رقم هاتفه بورقٍ لفَّ به حجارةً علَّه يصل شرفتها البيضاء ، كان منظرهم مخيفاً ، أسرة عسكريه قذرة , كأنهم محتلون لدولة أخرى بحثاً عن الرأس الأكبر.
خرج طفلها خلفها فصرخ بوجهه أحد الجنود , فأصابه الذعر والهلع ، ارتعشت ليلى مع ارتعاشات طفلها الخائف , فخبأت صدرها بيدها ملتحفة سريرها خوفاً وارتعاداً .
أصرَّ الجنود أن يدخلوا شقتها بحجة التفتيش والبحث عن الأسلحة ليستمتعوا بالنظر لجمالها الفاتن وعن سرّ مخدعها الجميل ….
ركض الجنود وهي تسمع وقع أقدام تصعد السُّلَّمَ أو تهبط عليه , رُكِل البابُ ركلةً قويةً , كانوا ثلاثةً يتقدمهم ضابط برتبة ملازم ، أصواتهم خناجر تمزّق صدرها الذي لفَّ معاناة السنين.
قال الملازم : أتملكون سلاحاً في البيت ؟
قالت : لا وماذا نفعل به ؟
ــ أين زوجكِ ؟
ــ خرج إلى عمله كعادته كل صباح
ــ وما عمله ؟
ــ يبيع الحديد بمتجره في ساحة السِّباع
ــ ما اسمه ؟
ــ احمد
صرخ بصوت عالٍ فتّشوا البيت آمراً أحد الجنود بالوقوف أمام الباب, بعد أَخذِهِ طفلَها الذي أزعجه بكاؤه وصراخه , ليكون حاجبا منيعا دون دخول منجدٍ أو مسعفٍ لبيتٍ أعزلَ لم يخلع ثوبه الناصع للغرباء …
قال لها مزمجرا مستذئباً :انهضي
نهضت من سريرها وسط حجرتها المنكوبة على شرفتها الثلجية الكئيبة التي كانت تطرزها الأزهار في زواياها الأربع , وغرفة نومها الخشبية البيضاء المُتَّكِئة على جدار فستقي الطّلاء , وتقابله المرآة الملتصقة بجدار وردي مجاور لشباك مطلٍّ على شرفة شقتها , لتكون ملكةً للجمال بطولها المتسق والمتناسق مع مرونة خصرها الشفاف , واضحة المفاتن بثوبها الساحر الذي كان زوجها قد اشتراه بذكرى ربيعِ ميلادها الثلاثين.
أغراه منظرها , فهمَّ أن يعبث معها , رافعاً سريرَها بقوّةٍ , وساحباً وسادتها ,فأسقط لباسها الداخلي وحمالات نهديها الناضجين بين قدميه , ازدادت شهوته نحوها , فتقدّم نحوها قائلا بلهجته الدارجة وبكلّ سخافةٍ ( شنو هذا )….؟!!!!!!
صمتت دون إجابة , ذارفةً دموعَها على خديها الجميلين محاولةً الاستنجادَ بأيّ أحد دونَ جدوى … ؟ فلم يسعفها سوى نشيجِ الضَّعفِ والمرارةِ بصبغة الأسف المحلى بـــ ال العراق وعينِهِ المكسورة على مر العصور.
لم تجسر البقاء على هذه الحال خوفاً من تطوّر الموقف, بينما كان أحد الجنود يعبث بخزانة ملابسها وهو يستعرض أمامها سخافته مستهتراً بمشاعرها , وقهرِها المنفلق بصمت الظلم الساحق لكرامة الإنسان واللاإنسان القابع بأرضنا المحتضرة , همّت أن تخفي صدرها بيديها دون جدوى وركضت نحوه , فرشقها الملازم بإناء الماء الذي كان قريبا منه , التصق ثوبها الشفاف على صدرها المتجبر أنوثة وجمالاً , ووركها المستدير والمتأخّر بآنية اللهفة , واللهيب المتأرجح تحت خصر أخّاذ , حاملا صدرَها المُثمِر بحلمتين بارزتين استثارتا ذكوريّتهم الجائعة المكبوتة التي تفجرّت عابثة بلؤلؤة ناصعة بغنج تاء التأنيث والنون التي سقطت بجبّ الكيد الذي حوّل كيدَ الجَمال عزاءً في بكارة ذلك الصباح الباكر .؟
تقدّم على قيد خطوات منها , وكان تقدّمه كوطأة سكين حزّت عنقها , فدفعها على السرير محاولةً أن تبعده بصراخها .
وضع يده على فمها عابثا بصدرها , متلمسا بأطراف أصابعه ارتعاشات بطنها المشتعلة شوقاً للالتحام القسري الذي طفح بضوع عطر أنوثتها البابلية , منبِّأةً مغتصبيها بأنها حضارة , لترى نفسها مستسلمة لشهوته ورغبته باستسلام جسدها الذي يجتذب القلوب ويعانق النظرات المفترسة التي تنهش عطرها الطافح .
وصل احمد إلى باب شقّته لِيسمع صراخ زوجته الذي حوّله لنارٍ لاهبةٍ , فمنعه الجندي من دخول شقته, ودفعه دفعةً قويةً ليرى قميصَ شقّته قد تَمَزَّقَ من قُبَلٍ ومن دُبرٍ, فسحب الجنديُّ بندقيته مسدّداً فوهتها نحو رأسه , فصرخ الملازم :
ضربه الجندي , قتله الجنديّ…
عندها سقط العراق قتيلاً ليعلنَ عشتاره أرملةً لتموزنا الأسطوريّ الذي عشقته حدّ الوله ….

أحدث المقالات