8 نوفمبر، 2024 3:11 م
Search
Close this search box.

النخب القديرة و معنى الحاجة والجوع و الظمأ و نقص الإمكانات

النخب القديرة و معنى الحاجة والجوع و الظمأ و نقص الإمكانات

لم تعد المعرفة سلطة الا و المال يرافقها و يرافق منتجيها فلا معرفة – سلطة الا بالمال…

إن الجوع و الظمأ عند المثقف المبدع و الباحث صاحب المشروع ليس بالضرورة فقرا مدقعا أو الحاجة الى لقمة عيش يومية في حدها الزهيد..
فقد باتت لقمة العيش في حدها البسيط لسد الرمق عموما ميسورة للكثير..
إن المثقف العضوي و الرسالي يحتاج إلى إستقلالية في العيش والرزق تؤمن له مستقبله و مستقبل نسله و تحميهم و تمنحه هو و أهله الطمأنينة..
يكتب و يبحث و يتنقل و يؤسس مراكز البحث و يكتب للتأليف و يشرف على فرق البحث و مشاريع النهضة و يؤسس صهاريج الأفكار ( ثينك تانك ) و يشتغل على الجيوسياسة و الاستراتيجيا و الاستشراف بتحصيل المعلومة من مصدرها و في زمنها بكلفتها الباهظة و اليات تحصيلها المعقدة..
يكون الأجيال أي ذات الإستعدادات للتشكل كنخب قرير العين هادىء النفس مطمئنا متفرغا كليا لصناعة العقول لا يشعر بنقص يتهدد راحته و تفرغه و عيشه الكريم..
إنني اتحدث هنا عن نخب قديرة و مثقفين سامقين و مفكرين كبار و قامات سامقة علميا ونادرة ( النخبة – الأمة ) ” إن إبراهيم كان أمة ” -قران كريم – لم تساعد المناخات السائدة إسلاميا و عربيا سنيا و شيعيا في ظهورهم بوفرة و انتاجهم و تشكلهم و تكاثرهم…
كلما ارتبطت علاقة المثقف و النخب بالسلط الحاكمة و ذوي النفوذ رزقا و وجودا ماديا و معنويا إلا و عكر ذلك صفو عقله و نفسه و حالته الإبداعية و نال من إستقلاليته و اتحضار كامل قدراته الإبداعية..
إن اقتراب المثقف المبدع من السلطة يبتلع و يلتهم نصف عمره و إمكاناته و أستثني حالات تقتضيها الضرورات الملحة كممارسة الحوكمة الراشدة قياما على ثغرة ان شعر انه سيملك زمام المبادرة و الاستقلالية و حد كبير من القرار للإصلاح لما يتوفر عليها هذا الأخير..

كما أنني أتحدث عن النخبة و المثقف القدير من جهة وجوده على رأس فرق بحث في مؤسسات يشرف عليها اشرافا علميا لا بمفرده لكن مع فرق بحث منسجمة مع نهجه المعرفي…
لا بد من إيجاد اليات لتأمين حال النخب المتميزة و القديرة على ندرتها و قلتها و المنفلتة من هيمنة الأنساق السائدة و الفهوم الفاسدة و من السلط و الانظمة و المجتمعات أيضا هذاعلى ندرتها…
حتى يتفرغوا فقط للإبداع و التفكير في مخارج و خلاصات و مشاريع جادة للتحرر من التخلف لا تهويمات و يوطوبيات و ترديدات و شعارات جوفاء و كتابات سطحية و كلام فارغ من قبيل الثرثرة أو مكرور…
هذا العمل لا يقدمه الفرد المتميز بل فريق بحث يقوده الفرد المتميز علميا من النخبة مرفوقا بالوسائل و الأدوات المادية والإمكانات البشرية يحقق بها أهدافه و مرفوقا بتأمين و أمان للنفس و المال و العرض و القوت و المحيط و هامش حرية معتبر و لو خارج بلاد المسلمين…
إن المثقف العملي صاحب القضية و الباحث المستقل الذي يتخبط في وحل نفسه و مع ذاته و يجد صعوبات في لقمة عيشه و أساسيات العيش الكريم و تأمين مستقبل أولاده كيف به ترى يبدع…
بل لن يبدع إلا كلاما فارغا أو مكرورا و ثرثرة مستنسخة و ولاءات بئيسة و محنطة و تحصيل ريوع و منافع مادية يلهث من وراءها على قاعدة ” جوع كلبك يتبعك…”
لا يمنح المثقف الصدقات من يد عليا إلى يد سفلى و يطلبها و يلح على طلبها أو يطرق صباح مساء الأبواب لتمنح له من يد عليا في حالة من الذل و الهوان بدل أن يتحسس حاله و تمنح له عن جدارة و استحقاق فينالها بعزة و كرامة و انتظام ويؤتاها و يقبض عليها كحق معلوم و مقنن يؤمن بصفة دائمة عيشه الكريم الشريف…
إن المثقف الذي يتخبط في وحل مصاريف بسيطة كاقتناء الكتب من معارض الكتاب ومن مختلف البلدان وكذلك الدوريات العلمية الجادة التي يقتنيها أو يشترك فيها فلا يستطيع ذلك و وسيلة للتنقل مريحة فلا يستطيع كيف به و الله يبتكر…
أو المثقف الذي لا يتمكن من توظيف و دفع مستحقات مترجمين قديرين الى جواره و كتاب لنسخ اعماله او مساعدين في انجاز وانتاج اعماله بل اعمال فريق بحث يشرف عليه إذ لم تعد الأعمال الفردية بقيمة اعمال البحث المعمقة لفرق البحث…
أو المثقف الذي يجد من الصعوبات في طبع و استنساخ كتب يحتاج إليها فلا يستطيع و غيرها من الحاجات البسيطة ترى كيف ينتج جيدا و جديدا و مفيدا و عميقا بل سينتج مكرورا و سطحيا و هشا…
و كذلك المثقف الذي يجد صعوبة في تغطية مصاريف المشاركة في الورشات البحثية الجادة العلمية للملتقيات و ورشات العمل و التربصات التي لا تتم المشاركة فيها الا بمساهمة مادية حتى في العالم عموما والعربي والاسلامي على ندرة جودتها…
و كذلك تفعل الجامعات و مراكز البحث في عالمنا العربي الاسلامي فما بالك عند الغرب رغم هشاشة ما يطرح عربيا و إسلاميا فتراه لا يستطيع…
إن المثقف الذي يجد صعوبة في تغطية مصاريف هاتفه و اتصالاته و شبكة علاقاته المعرفية و العلمية و الثقافية و السياسية و مصاريف تنقله إلى العالم لاكتشاف الإضافات العالمية المعرفية الحديثة و اقتناء وسائل للاعلام الالي و النسخ وغيرها…
وأكرر و هذا مهم لا يملك مترجما في مؤسسة لو قدر له أن يديرها ليواكب بعض ما تنتجه وتقذفه مطابع الغرب و مؤسساته البحثية…
كيف تطلب من هذا المثقف و المفكر و الباحث الذي يعاني من هذه المشكلات البسيطة أن يفكر بعمق في إشكاليات الراهن و يكون مانحا لأمته و لمؤسسات الأمة التي يلهيها الضجيج و التهريج عن مثل هذا المفكر الجيد على قلته و ندرة أمثاله…
و العبرة بل التحدي هو كيف نستنسخه و نستنسخ بمعنى ننتج مثله و من هو أفضل منه و توليده كما تولد النخب في المجتمعات الحديثة لا يضرها أن تتأثر جماهيرها بالسياق العام…
المثقف و المفكر الرسالي الذي يعجز عن اقتناء الة طابعة و جهاز إعلام الي أو ” لاب توب ” بسعة تخزين محترمة و ” طابليت ” فائقة النوعية و الة تصوير و جهاز سكانير لاستنساخ البحوث و الكتب و اقتناء الورق و وسائل التخزين و الاقراص وغيرها…
بل الكارثة ومن اجل تصوير دقيق لهزالة المشهد أنه لو كسر زجاج نظاراته لاحتار كيف يقتني غيرها و هو من يقتني إطارنظاراته الهشة من السوق الشعبية بجودة معدومة لبؤس حاله و غيرها من الجزئيات البسيطة للأسف والتي ترتهنه وتستلبه وتحنطه وتقتله قتلا بطيئا و غيرها من المشاهد المحزنة و المخزية…
في وقت تستنبت و تشيد في دول الغرب التي تحترم عباقرتها و نوابغها قرى و مدن للمعرفة تتوفر على كل شروط و ظروف الراحة والإبداع لأنهم فهموا مكانة المثقف و الباحث و النخبة و معنى و أهمية قول أحد أئمة المذاهب ” لو كلفت بصلة ما تعلمت مسألة”…
فشيدوا في كل بلدانهم و أوطانهم ما يشبه ” سيليكون فالاي ” فمنها ما نراها و منها ما لا نراها و لا نسمع عنها…
كيف نطالب مثل هذا المثقف أن يكون معطاء و وضعه الصحي يتاكل يوما بعد يوم و مشكلاته الإجتماعية و المادية تتفاقم و تغزوه و تكبله و تلهيه و تشوش على تفكيره و عقله و نفسه…
عندما نتكلم عن نوع من المثقفين نعني” نفر/ قدوة ” و نعني خبراء مقتدرين و نعني باحثين متميزين و نعني فلتات يكتشفون بالمجهرلا من تعودوا التطفل على المال العام و لعق الاصابع و قضاء حوائجهم الدنيوية و لو حملوا الشهادات العليا…
و لا نعني أن يتم التكفل تكفلا رفيع الكلفة بكل جامعي فليس كل إمعة و حامل شهادة عليا إستثمار مفيد للمستقبل كلا كلا او في كل باحث بالاسم و العنوان و الشهادة و الرتبة..
و من الذين يسمون جامعيين من يسترزق و ينتهز الفرص و تنفق عليه الدولة أو يدعمه اهل الخير في عالمنا الاسلامي بل السلط الحاكمة و تنفق عليه في تربصات في الخارج يعود منها فارغ اليدين بعد سياحة ممتعة…
إنما نعني مساحات و حصون الابداع متمثلة في عناصر قليلة العدد ومتميزة المنح مغيبة و مهملة نقتلها و هي حية كان يمكن أن تؤسس لميلاد النخب الكبيرة القامة حتى تحيا المجتمعات و الشعوب و المؤسسات في بلاد المسلمين و أمة الاسلام في أمان و تنبعث من سباتها و تؤسس لمشروع نهضتها…
كفاكم بعثرة المال و إنفاقه في المكرور والمهترىء والسطحي والهش أو في مجالات لم تعد هي الثغور الاساسية و لا هي في أعلى هرم الأولويات…
و كفى النخب ذبح بعضها البعض غيرة و حسدا و تخوين بعضها البعض و احتقار منجز المقتدرين منها بعضهم البعض خوفا من ظل بعضهم بعضا واحتباسا داخل منظومة من العلل النفسية و الاخلاقية للأسف…
حتى بات الفضاء العام و الفضاء العربي الإسلامي حكرا بين أيدي البعض كأنهم مراكز الكون يحجبون الكفاءات القديرة بسبب غيرتهم و حسدهم و خوفا من ظلهم و هم يتواجدون في كل الفضاء العام العربي والاسلامي وحتى الغربي أحيانا…
يعترضون سبيل كل جيد حفاظا على سمعتهم و مكانتهم الهشة و اعمالهم التي تبدو مبهرة عند كل ذي فقر و ضحالة معرفية و علمية…
حرروا و اعتقوا الفضاء الرسمي في المجال الإسلامي و العربي خاصة من جامعات و مؤسسات بحثية من بعض الجماعاتيين و الايديولوجيين والأصنام او الفضاء الحر من قيل و قالهم و حملاتهم و هجماتهم المرضية الهادرة للامكانات و المشوهة لذوي القدرة لا لشيء فقط خوفا من ظلهم و صراحتهم و نقدهم العميق و كفاءتهم النوعية…
إن أصلحتم حالكم هذا شققتم طريق النهضة و تحررتم من حالة التخلف…
و الله ولي التوفيق.

أحدث المقالات