14 ديسمبر، 2024 10:04 م

السياسي.. والضمير الحي

السياسي.. والضمير الحي

جميل ان يكون ضمير السياسي هو الرقيب, الذي يعد حركاته وسكناته, ويحذره من انتقام الباري عز وجل! ويحد من تجاوزاته على المال العام, ويدفع به الى اتخاذ المواقف الانسانية التي تتلائم وتعاليم ديننا الحنيف الذي يدعو الى العدل والصدق والرحمة والمساواة, والابتعاد عن السرقة والغش [والرشوة] وخاصة الكذب. لان نار االكذب تحرق الاخضر واليابس, وقد حذر منها الباري عز وجل! في كتابه الكريم. ونهى عنها رسول الكريم محمد ص, وافتى بعدم الدخول في دهاليزها, مهما كانت الذرائع.. سأل رسولنا الكريم ص: يارسول الله هل يزني المرء؟ فقال: نعم قد يغره الشيطان ويجره الى المعصية فلا يتمالك نفسه ويفقد السيطرة على شهواته.. فيقع في الخطيئة. وسأل ص: هل يسرق المرء؟ فاجاب ص: نعم قد تدفعه الحاجه الى ما يكره, فيضطر اليها اضطرارا. وسأل ص: هل يكذب المرء؟ فاجاب ص: لا, وكررها عدة مرات وقال ص: لان الكذب اصل كل بلاء, والكذب في الحياة اليومية يعتبر انحراف عن النسق الاخلاقي, ولكنه في السياسة, جريمة. هذا ما عبر عنه خبير الشفافية الدولي [مايكل هيرشمان] في معرض رده على سؤال حول كيفية محاسبة المسؤول الفاسد, لان السياسي عندما يكذب على شعبه الذي وضع على عاتقه امانة البلد, يفقد مصداقيته وشخصيته ويتحول الى رجل محتال.

ولو عدنا الى ديننا الاسلامي الحنيف, لوجدنا تشريعاته واضحة في هذا الشأن.. فمن لا يمنعه ضميره عن ارتكاب المعاصي, فليس بمسلم. فالضمير الحي هو الرقيب الذي يضع صاحبه على السكة الصحيحة التي تؤدي به الى حيث الامان والاطمئنان. وهناك الكثير من الفلاسفة الذين كان الضمير, العمود الفقري في طروحاتهم ونظرياتهم التي كانت ولا زالت لها الاثر الكبير فيما الت اليه المفاهيم الانسانية.. امثال [ المفكر اليوناني افلاطون ] الذي مزج بين نظريته السياسية والاخلاق, مقررا ان اساس الحكم اربع فضائل هي: الحكمة في الجانب الفلسفي, الشجاعة في الجانب الطبيعي, العفة في الجانب النفسي, العدالة في الجانب السياسي. ومن لا تتوفر فيه هذه الفضائل فليبتعد عن الحكم في رايه. ومع ان الجميع تؤكد على اهمية الاخلاق والضمير في المسيرة الحياتية للانسان, الا اننا نشاهد السياسي الناجح اليوم, هو: من يتقن فن الكذب بمختلف اشكاله وانماطه ويعرض بضاعته التي تتلائم وامال وتطلعات الفئات المسحوقة.. الذين يسارعون الى تصديق كل من يمنيهم بالوعود.. حتى وان كانت كاذبة. فالسياسيون.. يعيشون على اطلاق الوعود الرنانة التي لا يجني منها المواطن شيء, وتراهم في حالة من التشضي في الرؤى والغموض في اغلب تصريحاتهم.. خاصة عندما يتعرضون الى متغيرات ومنغصات يشعرون معها بتداعي شرعيتهم السياسية, واهتزاز مراكزهم الوضيفية التي تدر عليهم ملايين الدولارات, وهم طبعا لديهم القدرة على التحدث باسلوب هادىء ومقنع , سلطانهم السنتهم, يجعل المحيطين بهم يستمعون اليهم باصغاء تام, معتقدين بان كل ما يتفوهون به سيترجم ويصبح افعالا تدخل حيز التنفيذ.

ان غياب الضمير راجع الى عدم تذكر اليوم الاخر وما فيه من حساب, فقد قال الرسول محمد ص ] ان القلوب لتصدا كما يصدا الحديد ] فقالو: وما جلاؤها يارسول الله! قال ص: [ ذكر الله ] وذكر الله عز رجل يحيي في النفوس الايمان, والخوف من العقاب, وتجنب كل المعاصي التي لا يرضاها الباري عز وجل! لذالك نؤكد على حتمية احياء الضمير [ ليصلح ما افسده الدهر ] ويفعل واجباته الدينية والانسانية

فغياب الضمير احدث ما نراه من نهب وسلب وسرقة احالت بلادنا الى ركام, ودفعت بها لتصنف من اوائل الدول في الفساد الاداري والمالي في العالم.. ان احياء الضمير, يعني احياء الانسان التقي والنزيه.

وعندما يموت الضمير, يتحول الانسان الى وحش كاسر وتنعدم لديه المشاعر النبيلة التي تميزه عن غيره وتتيه لديه البوصله الاخلاقية, وتنعدم الرؤيا.. ويندفع في حب الدنيا والتنافس على ما فيها من مكاسب دنيوية حذر منها الله سبحانه وتعالى! في كتابه الكريم.. واعتبرها اساس كل بلية. فمن اجل متاع الدنيا يبيع الاخ اخاه, ويخون الناس الامانات, وينكثون العهود والمواثيق, ومن اجلها يجحد الناس الحقوق وينسون الواجبات ويبغي بعظهم على بعض, ويعيشون كسباع الغابة يفترس القوي الضعيف ويلتهم الكبير الصغير ومن اجل شهوات الدنيا يغش التجار ويتجبر الرؤساء , وينافق ضعفاء الانفس ويتزلفون.

ومفهوم الضمير له خصوصية في اسلامنا, الذي يرى بان الحياة الروحية هي حياة اخلاقية على الصعيد الفردي والاجتماعي, وان الايمان بالله! يقتضي مجاهدة مستمرة, لذالك فالله حاضر في الاخلاق حضور المعبود في المعبد, والاسلام نفسه يعتبر رسالة واضحة الى الضمير الانساني ليفيق من غفوته ويعود الى جادة الصواب, والاسلام عني بتربية الضمير عند الانسان المسلم, لان من مات ضميره, لا يستطيع تادية واجباته بما يتلائم وعدالة ديننا الحنيف, ولا يضع مخافة الله عز وجل اما عينيه, ويصبح كمن ينطبق عليه المثل: [ اذا لم تستح فاصنع ما شئت] ..