إنقسم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الى تيارات ثلاث متنافرة، في جلسته المنعقدة مساء أمس الأحد. طرف تقوده الولايات
المتحدة ومعها كل من بريطانيا وفرنسا وهولندة تكيل فيه هذه الدول إتهام الى سوريا بإستخدام سلاح كيمياوي في دوما دون سند يثبت تورطها في ذلك الحادث المزعوم، وآخر يمثله روسيا الإتحادية ترفض وجود حادثة لإستخدام سلاح كيمياوي في دوما وتطلب معاينة فورية لمسرح الجريمة المفترض، وثالث من المعتدلين الذين يطالبون بتحقيق مستقل بإشراف منظمة حظر الأسلحة
الكيمياوية.
مندوبة الولايات المتحدة السفيرة نيكي هايلي كانت عاجزة امام الحقائق التي ذكرها مندوب روسيا، وكانت تدلي بكلمة جاهزة غلب عليها الإنشاء والعواطف وخالية من الإدلة والبراهين، ويتسم تصرفها بالعنجهية والتهديد بإستخدام القوة خارج نطاق مجلس الأمن، مما استدعى مندوب روسيا طلب كلمة إضافية من رئيس الجلسة يفهمها أصول اللياقة وعدم إستخدام ألفاظ غير متعامل بها في العرف الدبلوماسي، وفِي المحافل الدولية، لمخاطبة الدول، حتى ولو إضطره الأمر لطلب جلسة نقطة نظام لمجلس الأمن، لبحث هذا الأمر. وكذلك مندوبة بريطانيا ومندوب فرنسا اللذين كانت كلمتهما نسخة متطابقة من كلمة مندوبة الولايات المتحدة. فيما تحامل مندوب هولندا على سوريا وكأنه يحمل دليل الإدانة. في هكذا جلسة، وكأن التأريخ يعيد نفسه في الإعداد لجريمة مشابهة لجريمة غزو العراق، في نفس المكان، وفِي زمان مختلف. فيما كانت كلمات الدول الاخرى متوازنة وتطالب بتحقيق فني شفاف، ومستقل، يثبّت فيه جسم الجريمة، وتشخص فيه الضحايا. أما ممثل الجمهورية العربية السورية السفير بشار الجعفري فقد كانت كلمته كهدير شلال، فهي سيل من الحقائق، إستعرض فيها الكذب الذي تمارسه هذه الدول، طيلة تأريخها، وعدد الحوادث، وأستشهد الجعفري بثمانية عشر سنة من التحقق في تهمة إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، لم تجد تلك الدول شيء، طيلة تلك الفترة، وتعدد اللجان، وأتخذ قرار من الامم المتحدة بعلم الأمين العام للأمم المتحدة بحفظ الوثائق بصناديق مقفلة، لا تفتح لمدة ستين عام. ولم ينج حتى ديمستورا من إنتقاده الحاد حين حاول التستر
على قيام إسرائيل بضرب مطار تيفور العسكري رغم إعتراف رئيس وزراء اسرائيل نتينياهو بذلك.
مما يثير الإحباط أن لا تقوى ممثلة أكبر دولة في العالم في أن تواجه ممثل دولة من العالم الثالث أنهكتها حرب ثمان سنوات. فلقد كانت السفيرة هايلي على يقين تام بأن الجعفري سيكشف كذب الولايات المتحدة وحلفاؤها التقليديين، ولذلك هربت من جلسة مجلس الأمن، بعدم لياقة، وبق إحترام، دون أن يرف للسفير الجعفري جفن، ولا أدنى إهتمام، وتجاهل هروبها تماماً. وكان عليها لو إن قاعدتها صلبة، وحجتها قوية، أن لا تترك مكانها. فهروب ممثلة الولايات المتحدة عن جلسة مجلس الأمن تعني إن أمراً مبيتاً ستتخذه بلادها دون الحاجة الى قرار من مجلس الأمن، الذي، هي
واثقة، إنه لن يتخذ قراراً بالإدانة دون التحقق من ذلك من خلال لجان متخصصة، وهي تعلم يقيناً أن العمل الهوليودي، الذي أنتجوه، كما وصفه السفير الجعفري لن يمر على أحد من أعضاء مجلس الأمن الآخرين، سيما وإن ممثل سوريا قد طلب تحقيقاً فورياً، والآن، ودون إبطاء، للتحقق، في إدعاءات غير موجودة، تطلقها الولايات المتحدة وحلفاؤها. كما إن ممثل روسيا الإتحادية قد أعلن في كلمته الإضافية إن خبراءه في الميدان، قد. أروا المنطقة المزعومة، وأكدوا عدم وجود ضربة كيمياوية في دوما أصلاً، وإن الذي جرى هي تمثيلية مفبركة .. أنها كتمثيلة ” نيرة ” سيئة الصيت على العراق!!