مؤتمر إعمار العراق .. أصدقاء جدد يتقدمون وشركاء قدامى يتراجعون !

مؤتمر إعمار العراق .. أصدقاء جدد يتقدمون وشركاء قدامى يتراجعون !

خاص : ترجمة – لميس السيد :

لقد منح “مؤتمر الكويت لإعمار العراق” رؤية جديدة حول الدول الأصدقاء والحلفاء الإستراتيجيين لبغداد، حيث كان حضور الدول لافتاً واهتمامها مثير للدهشة، خاصة فيما يتعلق باستقرار العراق، لكن ذلك ليس مستغرباً لأن جيران العراق اصبحوا يدركون جيداً أن عراق قوي ومستقر يساوي عامل رئيس للأمن الإقليمي في المنطقة، بحسب ما ذكر موقع (وورلد بوليتيكس ريفيو) الأميركي.

ومن اللافت للأنظار أن إلى جانب تعهدات الأمم المتحدة والبنك الدولي حول إطلاق برنامج جديد لإنعاش وإحياء هذا البلد، أظهرت دول الخليج المجاورة وتركيا الإستعداد لتنفيذ تعهدات جديدة. ونظراً للتوترات الإقليمية المتزايدة على إيران وسوريا، فإن الإلتزام بمساعدة العراق على التعافي يشبه تطوراً إيجابياً في الشرق الأوسط.

وقد ركز المؤتمر، الذى نظمته الأمم المتحدة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، على دور القطاع الخاص في إعادة بناء المدن العراقية التي مزقتها الحرب وإستعادة الخدمات الأساسية لسكان الموصل المنهكين. وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريس”، عن التعجيل بإعادة الإعمار حتى يشعر المواطنون بتحسينات في نوعية حياتهم قبل أن تتحقق مخططات البنية التحتية الطموحة على المدى الأطول.

وستواصل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي العمل مع الحكومة العراقية لتصميم إستراتيجيات تمويل ذكية وحملات لمكافحة الفساد وتقديم دعم مباشر للميزانية، بهدف البدء في تقديم المساعدات الاجتماعية للتعمير. وتحدث ممثلو الاتحاد الأوروبي في الكويت عن الحكم الرشيد والمساءلة، وكيف أن المساعدات الأوروبية سوف تعطي الأولوية لإحداث التغيير في حياة العراقيين.

القطاع الخاص.. بطل جديد في ساحة إعمار العراق..

يرى الموقع الأميركي أن الموضوع الرئيس للمؤتمر كان دور القطاع الخاص الحاسم في إعادة الإعمار، حيث قدمت “لجنة الاستثمار الوطنية” التابعة للحكومة العراقية دراسات جدوى ومواد ترويجية ومعلومات عن تراخيص ما يقرب من 100 مشروع رئيس للبنية التحتية. واهتمت الجلسات في الكويت بتوصيل الشركات العالمية والإقليمية التي حضرت المؤتمر مع خطط الوزراء العراقيين الطموحة من الذين يملكون مشروعات في قطاعات متميزة مثل الإسكان والطاقة والنقل والمياه والزراعة.

وعلى الصعيد الكلي، قدم البنك الدولي وغيره من المؤسسات إحاطات عن سبل جعل العراق أكثر ملاءمة للقطاع الخاص، بما في ذلك بناء الثقة بين المستثمرين بأن الفساد المتوطن في البلد سيعالج، وتشجيع المزيد من الشفافية في الممارسات المصرفية وغيرها من الممارسات التجارية، في ظل أن العراق يصنف ضمن أسوأ مستويات البلدان في مؤشر الفساد السنوي للشفافية الدولية.

ويعتقد موقع (وورلد بوليتيكس ريفيو) أن الحكومة العراقية الحالية تتمتع ببعض الاحترام والشرعية في الأوساط الدولية، بالرغم من مشاكلها المزمنة كحكومة يسيطر عليها الشيعة وعدم اعتبارها ملتزمة بما فيه الكفاية لرأب الصدع مع الأقلية السنية، لكن رئيس الوزراء، “حيدر العبادي”، يعتبر تحسناً كبيراً في اختيارات المسؤولين مقارنة بسلفه، “نوري المالكي”، لذلك كان هذا المؤتمر اختباراً هاماً لمكانة “العبادي” وقوته في الإقناع.

إعادة الإعمار ومدى مصداقية تقديرات العراقيين..

كان العراق قد واجه أزمة سابقة حول إعادة الإعمار، في فترة الرئيس “صدام حسين”، بسبب وضعه لطلبات ذات سقف عالي وصعب تحقيقها، وتثير تساؤلات حول المصداقية، ويذكر أنه بعد الحرب الإيرانية العراقية، خاض “صدام” حرباً مع جيرانه على سداد القروض التي استخدمها العراق لتمويل الحرب، والتي بلغت نحو 37 مليار دولار في عام 1990. وأصر “صدام” على أن العراق قد سدد ديونه الحربية بدماء جنوده المشاركين في الحرب مقابل أن ينجو العرب الخليجيون من معاناة الحرب وحمايتهم من تهديد إيران، ولكن الأمر انتهى وقتها بالغزو العراقي للكويت.

وبعد سقوط “صدام” في عام 2003، طلبت الحكومات العراقية المتعاقبة مساعدة مئات المليارات من الدولارات لإعادة البناء في ظل الاحتلال الأميركي وكثيراً ما كان المسؤولون الأميركيون يرغبون في أن يكون العراقيون أكثر واقعية، أو أن يوضحوا ما هي التكاليف الإجمالية المقصودة.

وفي هذه المرة أيضاً، خلال مؤتمر الكويت، اشتكى العراقيون من أن التعهد بـ 30 مليار دولار للإعمار هو مبلغ غير كافي لأن التقديرات تستهدف مبلغ يتراوح بين 88 مليار دولار إلى 100 مليار دولار، بحسب إحصاءات قدمها مسؤولون عراقيون مختلفون في الفترة السابقة لاجتماع الكويت، لذا بدا العراقيون غير راضون عن نتائج المؤتمر بل وكان بعض منهم متذمراً لحد كبير.

إلتزام الجيران..

كان أكثر ما يلفت النظر هو مستوى إلتزام جيران العراق نحو عملية الإعمار، حيث جاءت “تركيا” في المرتبة الأولى، بتعهدات قيمتها 5 مليارات دولار في شكل قروض وضمانات استثمارية. وتعهد “الكويتيون” بتقديم 2 مليار دولار، و”السعوديين” 1.5 مليار دولار، و”القطريين” 1 مليار دولار، و”الإماراتيين” بـ 500 مليون دولار، إلى جانب أكثر من 5 مليارات دولار لمشاريع استثمارية كبيرة. ومن المعروف أن دول الخليج تنحرف أحياناً عن تعهداتها، ولكن لا يزال هذا المؤتمر علامة على التحول من الدعم الفاتر للعراق في الماضي القريب إلى تقدير أكثر قوة؛ بأن استقرار العراق بعلاقات سياسية واقتصادية قوية مع جيرانه العرب أمر حيوي للأمن الإقليمي، واحتواءاً للنفوذ الإيراني داخل البلاد.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، التي كانت تمثل المانح الرئيس للعراق خلال العقد الماضي، بدأت تتراجع في هذا الشأن، حيث وجه وزير الخارجية، “ريكس تيلرسون”، مذكرة تفاهم من “بنك التصدير والاستيراد” بمبلغ 3 مليارات دولار للقيام بأعمال تجارية في العراق، وهو ما بدا متواضعاً بالنسبة للاحتياجات العراقية، والقطاع الخاص الأميركي، حيث كانت واشنطن تضخ إستثمارات استثنائية  إلى السوق العراقية عندما كانت الولايات المتحدة تحتل البلاد.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة