كل هذا في صالح “الدولار الأميركي” .. تراجع تاريخي لـ”الجنيه الإسترليني” والسبب “تروس” !

كل هذا في صالح “الدولار الأميركي” .. تراجع تاريخي لـ”الجنيه الإسترليني” والسبب “تروس” !

وكالات – كتابات :

وصل “الجنيه الإسترليني” إلى أدنى مستوى له في تاريخه مقابل “الدولار”، بعد أن هددت التخفيضات الضريبية وتدابير الإنفاق في الميزانية بتقويض الثقة في اقتصاد “المملكة المتحدة”، وسط توقعات باستمرار تراجع “الجنيه الإسترليني” وهبوطه لمستوى أقل من “الدولار”، فهل تضطر “بريطانيا العظمى” للجوء لـ”صندوق النقد” لإنقاذها ؟

وتراجع الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء المنافسة بين العُملتين قبل 200 عام، حيث انخفض الجنيه بنسبة تبلغ نحو: 5% تقريبًا ليصل إلى: 1.0327 دولار بعد الإعلان عن أكبر تخفيضات ضريبية في “بريطانيا”؛ منذ 50 عامًا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة (إندبندنت) البريطانية.

أسباب تراجع “الجنيه الإسترليني” لهذا المستوى التاريخي..

أصيبت الأسواق بالفزع من الجنيه الإسترليني؛ بسبب توجه رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة؛ “ليز تروس”، إلى دفع الاقتراض العام إلى مستويات غير مستدامة.

تهدف الإجراءات التي قررتها الحكومة البريطانية، التي تشمل إلغاء المعدل الإضافي لضريبة الدخل وخفض رسوم الدمغة، إلى دعم النمو الاقتصادي، ولكن هناك مخاوف من أن هذه الإلتزامات سيتم سدادها من خلال توسع الاقتراض الحكومي غير المنضبط.

كما أنه من المتوقع أن تنفق الأسر الأموال الإضافية التي تمتلكها نتيجة التخفيضات الضريبية، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات وزيادة التضخم.

وأدى تعهد وزير الخزانة البريطاني؛ “كواسي كارتنغ”، في عطلة نهاية الأسبوع؛ بخفض الضرائب بشكل أكبر في العام الجديد إلى زيادة المخاوف من ارتفاع التضخم مرة أخرى.

وقال “كواسي كارتنغ”؛ يوم الأحد، أي قبل يوم واحد من الهبوط القياسي للعُملة البريطانية إنه يُركز على تعزيز النمو على المدى الطويل وليس على تحركات السوق قصيرة الأجل، وذلك تعليقًا على التراجعات الحادة في أسعار الجنيه الإسترليني والسندات البريطانية بعد أول بيان حول الميزانية المالية أصدره.

وصف “مارك تشاندلر”؛ كبير إستراتيجيي السوق في مؤسسة (Bannockburn Global Forex)، الانخفاض القياسي للعُملة بأنه: “لا يُصدق”؛ وقال إنه لا بد أن تكون هناك تكهنات باجتماع طاريء لـ”بنك إنكلترا” ورفع أسعار الفائدة.

جذور الأزمة تعود لعقود مضت..

“الجنيه” كان في انخفاض مستمر على مدى القرن الماضي، بالتزامن مع تآكل مكانته كعُملة رئيسة في التجارة العالمية وتراجع نسب احتياطيات “البنك المركزي البريطاني”.

ثم وجه التصويت على خروج “بريطانيا” من “الاتحاد الأوروبي”؛ لعام 2016، ضربة قاصمة أخرى للجنيه الإسترليني، مما أدى إلى مقارنات احتلت العناوين الرئيسة بين الجنيه الإسترليني وعُملات الأسواق الناشئة المحفوفة بالمخاطر.

كما أن الجنيه الإسترليني ضعيف أيضًا بسبب العجز المتزايد باستمرار الذي جعل البلاد تعتمد على ما وصفه محافظ “بنك إنكلترا” السابق؛ “مارك كارني”، بأنه: “لطف الغرباء”، أو دور المستثمرين الأجانب، لسد فجوات التمويل.

وتضخم عجز الحساب الجاري في “المملكة المتحدة”، وهو مقياس واسع لتدفقات التجارة والدخل؛ (الفارق بين تدفقات النقد الأجنبي من وإلى البلاد)، وصل إلى مستوى قياسي؛ بلغ: 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام الحالي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع تكلفة واردات الوقود.

توقعات بمزيد من الهبوط..

وتسببت الميزانية المصغرة لوزير الخزانة البريطاني؛ “كواسي كوارتنغ”، التي تُغذيها الديون، في إنهيار الجنيه الإسترليني وسندات “المملكة المتحدة”؛ يوم الجمعة الماضي، ولكن أصبح من الواضح يوم الإثنين؛ أن هذا كان ليس إلا بداية لمسيرة طويل من تراجع الجنيه الإسترليني.

وقد ينخفض ​الجنيه ​إلى مستوى التكافؤ، أو سعر الصرف: 1 إلى 1، مع الدولار الأميركي في العام المقبل، حسبما قال؛ “مارك داودينغ”، كبير مسؤولي الاستثمار في مؤسسة (BlueBay Asset Management).

بدوره حذر “كريسبين أودي”، أحد أشهر أباطرة صناديق التحوط في “بريطانيا”، من أن مخاطر الجنيه الإسترليني تتجه إلى التكافؤ مع الدولار للمرة الأولى على الإطلاق، حسبما نقلت عنه صحيفة (التليغراف) البريطانية.

لم تكن قيمة الجنيه مطلقًا أقل من دولار واحد في أكثر من 200 عام من تاريخ  العلاقة بين العُملتين؛ منذ استقلال “الولايات المتحدة” عن “بريطانيا”؛ في نهاية القرن الثامن عشر، على الرغم من أنه اقترب من ذلك؛ في عام 1985، عندما انخفض الجنيه الإسترليني إلى: 1.05 دولار، قبل أن تتضافر أكبر الاقتصادات في العالم لإضعاف الدولار الأميركي.

وتوقع المحللون في “بنك نومورا” الياباني أن تراجع الجنيه الإسترليني سوف يستمر وقد يصل إلى: 0.975 دولار بنهاية العام، مما يعني أنهم يتوقعون أن ينخفض ​​إلى ما دون التكافؤ؛ (أي أن يُصبح الجنيه أقل من الدولار).

وأشاروا إلى تأثير خطط الحكومة البريطانية للتخفيضات الضريبية على التضخم والديون، وقالوا: “هذه أزمة جوهرية في ميزان المدفوعات، حيث يأمل السياسيون أن تهدأ في النهاية. ولكن الأمل ليس إستراتيجية، والأسواق تعكس ذلك”.

وتخلص المستثمرون من أصول “المملكة المتحدة”؛ في أعقاب بيان الحكومة البريطانية، حيث باعوا الجنيه الإسترليني وأدى ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومية، إلى أن “بريطانيا” أصبحت فجأة رهانًا أكثر خطورة للمستثمرين.

كيف سيؤثر ذلك على اقتصاد بريطانيا وحياة مواطنيها ؟

قد يتسبب الانخفاض المفاجيء والحاد في الجنيه الإسترليني في حالة من عدم اليقين، مما يؤدي إلى حالة من الفوضى في خطط الشركات البريطانية التي تستورد السلع. فلقد كانوا يتوقعون دفع مبلغ محدد للواردات والحصول على سعر معين للسلع والخدمات التي يبيعونها في الخارج. كل ذلك يتغير عندما تنخفض العُملة. إذا كانت قيمة الجنيه أقل، ترتفع تكلفة استيراد البضائع من الخارج.

يعني تراجع الجنيه الإسترليني أن تكلفة السلع والخدمات التي يتم استيرادها إلى “المملكة المتحدة” سوف تُصبح أكثر تكلفة. وبالتالي ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين الذين يشترون السلع الأجنبية وحتى مدخلات الإنتاج في السلع البريطانية؛ مما قد يعني ارتفاعًا وإن كان أقل في سعر السلع البريطانية، وكذلك سيُعاني البريطانيون الذين يُسافرون لخارج البلاد من ارتفاع التكلفة بالنسبة لهم.

“النفط” هو إحدى السلع الأساسية التي تستوردها “بريطانيا” ويتم تسعيره في أسواق السلع الدولية بالدولار. سيجعل الجنيه الضعيف ملء سيارة المواطن البريطاني بالديزل أو البنزين أكثر تكلفة. وكذلك الغاز الذي يُدفيء البيوت في الشتاء القارس والذي شهد أصلاً أكبر قفزات في تاريخه منذ الصيف الماضي.

تستورد “المملكة المتحدة” أيضًا أكثر من: 50% من طعامها، سيكون هناك ضغط أيضًا على الشركات التي تبيع سلعًا كهربائية مثل أجهزة الهواتف المحمولة لزيادة سعر التجزئة. المعدل العام لتضخم أسعار المستهلك، والذي انخفض مؤخرًا بشكلٍ طفيف إلى: 9.9%، سيبدأ في الارتفاع مرة أخرى، حسب صحيفة (الغارديان).

هل يؤدي تراجع الجنيه لجعل “بريطانيا” جاذبة للمستثمرين الأجانب ؟

يبدو المستثمرون الأجانب سعداء من تراجع الجنيه الإسترليني، حيث قاموا تقليديًا بشراء الشركات البريطانية والديون الحكومية والممتلكات والأسهم.

تتمثل إحدى مزايا تراجع الجنيه الإسترليني في أنه يجعل الأصول تبدو أرخص للمستثمرين الأجانب، فضلاً عن جعل صادرات “المملكة المتحدة” أكثر تنافسية في الخارج من حيث الأسعار.

وقال “Guillaume Paillat”، مدير محفظة الأصول المتعددة في (Aviva Investors): “لطالما كانت المملكة المتحدة تعيش على نحو يفوق إمكانياتها”. وأضاف أن الطلب المرن من المستثمرين الأجانب على الأسهم البريطانية هو: “الطريقة الوحيدة التي تمكنت من خلالها المملكة المتحدة من سد هذه الفجوة”.

كانت “بريطانيا” مركزًا مهمًا لاستثمارات الطبقة الأوليغارشية الروسية الموالية لـ”بوتين”، ولكن تم تجميد ثروات العديد منهم، لا يعرف تأثير ذلك على اقتصاد البلاد.

وباع المستثمرون الأجانب ما قيمته: 16.5 مليار جنيه إسترليني من السندات الحكومية البريطانية؛ في تموز/يوليو 2022، وفقًا لبيانات من (ING) و”بنك إنكلترا”، وهو أكبر مبلغ منذ تموز/يوليو 2018. وفي الوقت نفسه، خفض المستثمرون الدوليون حيازاتهم من الأسهم البريطانية. أظهر استطلاع أجراه “بنك أوف أميركا” لمديري الصناديق العالمية أن: 15% من الأصول لدى المستثمرين قللت وزن الأسهم البريطانية بمحافظها؛ في آب/أغسطس 2022، مقارنة: بـ 4% في تموز/يوليو السابق له.

هل يستطيع “بنك إنكلترا” إنقاذ الموقف ؟

من المتوقع أن يُصدر “بنك إنكلترا”؛ (البنك المركزي البريطاني)، بيانًا في أقرب وقت وسط تزايد الضغط على المحافظ؛ “أندرو بيلي”، للتدخل للمساعدة في دعم الاقتصاد.

قد يكون هذا تدخلاً لفظيًا لتهدئة الأسواق، أو في حالة أكثر راديكالية، زيادة غير مقررة في أسعار الفائدة – والتي تم رفعها إلى: 2.25% الأسبوع الماضي فقط.

وأمتنع البنك عن التعليق على طبيعة أي تدخل محتمل له، حسب صحيفة (تليغراف) البريطانية.

من المحتمل أن يرفع “بنك إنكلترا” أسعار الفائدة بأكثر مما كان متوقعًا في السابق. وقد يُعلن البنك عن زيادة طارئة، قبل موعد اتخاذ قرار السياسة التالي؛ المقرر في 03 تشرين ثان/نوفمبر، وفقًا لصحيفة (الغارديان) البريطانية.

تجذب معدلات الفائدة المرتفعة الودائع الادخارية إلى “المملكة المتحدة” ويُفترض أن تؤدي لزيادة قيمة الجنيه الإسترليني. ومع ذلك، فإنها تُزيد أيضًا من تكلفة الاقتراض للأسر والشركات وتُقلل من النمو الاقتصادي.

ولكن تراجع الجنيه الإسترليني يعكس شكوكًا حول ما إذا كانت خطط “بنك إنكلترا” لرفع أسعار الفائدة ستنجح في النهاية في السيطرة على التضخم، حسب “آدم كول”، كبير إستراتيجيي العُملات في مؤسسة (RBC Capital Markets).

في الماضي، سعت الحكومات إلى طمأنة الأسواق من خلال الإعلان عن عزمها على خفض ميزانيات الإنفاق لتحقيق التوازن المالي.

هل تدخل “بريطانيا” في إنهيار اقتصادي وتضطر للجوء لـ”صندوق النقد” ؟

كان الجنيه البريطاني في يوم من الأيام العُملة الأهم في العالم. لكن قيمته تراجعت على مدار العقود، وحل الدولار محله كعُملة تداول رئيسة في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن ظل الجنيه الإسترليني من العُملات البارزة ذات السمعة القوية، بفضل احتفاظ “لندن” بوضعها كمركز مالي عالمي.

خلال أزمة إدارة المخاطر المؤسسية؛ في عام 1992، خسرت “المملكة المتحدة” المعركة الشهيرة ضد المضاربين واضطرت إلى ترك الجنيه ينخفض.

وتُعد حيازات “المملكة المتحدة” من العُملات الأجنبية جزءًا بسيطًا مقارنة بالمخزونات الضخمة التي تراكمت لدى عدد من الدول الكبرى الأخرى، مما يجعل التدخل الأحادي في السوق لدعم الجنيه المتراجع أمرًا صعبًا بالنسبة لصانعي السياسة في “المملكة المتحدة”، حسب تقرير لوكالة (بلومبيرغ) الأميركية.

كان لدى “المملكة المتحدة”: 108 مليارات دولار من احتياطيات العُملات الأجنبية؛ في نهاية آب/أغسطس 2022، وفقًا لبيانات “صندوق النقد الدولي”، بينما كان لدى “اليابان”، التي تدخلت لدعم عُملتها؛ الأسبوع الماضي، 1.17 تريليون دولار، بينما بحوزة “سويسرا”: 886 مليار دولار؛ في نهاية تموز/يوليو 2022.

و”من المحتمل أن تكون التحديات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد البريطاني أكبر من أي شيء رآه البريطانيون في الذاكرة المعاصرة”، حسبما قال “مارك داودينغ”، كبير مسؤولي الاستثمار في مؤسسة (BlueBay Asset Management).

قال “داودينغ”: “هذا طريق كئيب حقًا، وتكاد تكون المملكة المتحدة في حاجة إلى العودة إلى “صندوق النقد الدولي” لطلب خطة إنقاذ باعتبارها أزمة سوق شبه ناشئة”.

وفي عام 1976، أجبرت أزمة الجنيه الإسترليني؛ “المملكة المتحدة”، على الحصول على قرض بقيمة: 3.9 مليار دولار من “صندوق النقد الدولي”، من أجل إنقاذ اقتصاد البلاد، بعد أن أدى انخفاض الجنيه الإسترليني والتخفيضات الضريبية إلى إذكاء التضخم. وتم منح القرض مقابل خفض الإنفاق ورفع أسعار الفائدة.

وقال “داودينغ”: “هذا هو أسوأ السيناريوهات”.

وبالفعل فإن خبيرًا اقتصاديًا بارزًا سبق أن تنبأ بالأزمة المالية العالمية، حذر من أن فورة التخفيض الضريبي التي فرضتها؛ “ليز تروس”، بقيمة: 45 مليار جنيه إسترليني؛ قد تجعل “بريطانيا” في حاجة لإنقاذ من قبل “صندوق النقد الدولي”.

ولفت الخبير الاقتصادي؛ “نورييل روبيني”، إلى أن الاستثمارات البريطانية تتداول: “مثل أصول الأسواق الناشئة”؛ مقارنًا ما يحدث بالفوضى الاقتصادية في السبعينيات، والتي إنتهت بلجوء “بريطانيا”؛ لـ”صندوق النقد الدولي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة