في إنتظار .. مشاهدة شريط سينما “نادين لبكي” الآخير !

في إنتظار .. مشاهدة شريط سينما “نادين لبكي” الآخير !

خاص : كتب – عمر رياض :

في عام 2007 أعتذرت المخرجة والممثلة اللبنانية، “نادين لبكي”، عن حضور العرض الأول لفيلم (بوسطة) بسينما “غلاكسي” في مصر، والذي دُعيت إليه، على حسب علمي، من قِبل الزملاء النقاد والمخرجين، وأيضًا المنتجين المنتظرين في دار العرض في ذلك اليوم.

(بوسطة)؛ ليس فقط الفيلم الذي تؤدي فيه، “نادين”، دور البطولة لأول مرة – فهي مخرجة بالأساس – لكن هو أيضًا أول فيلم لبناني خالص الإنتاج يعرض تجاريًا خارج “لبنان”، بعد سنوات طويلة من الإكتفاء بالعروض المصرية والأميركية التي لم تكن تتيح الفرصة لأي عرض آخر.

“دبكة” نادين على إيقاع الحرب الأهلية..

أقامت شركة “مصر العالمية” للإنتاج والتوزيع، في ليلة من ربيع عام 2007، عرضًا خاصًا للصحافيين والنقاد لمشاهدة فيلم (بوسطة)؛ كأول فيلم روائي طويل ينتج في لبنان بعد الحرب ويتم عرضه خارجها، والفيلم من إنتاج عام 2005، وكتبه وأخرجه وأنتجه، “فيليب عرقتنجي”.

وأدلى “جابي خوري”، منتج الفيلم، وقتها، بتصريح لوكالة الأنباء الألمانية، (د. ب. أ)، أن الفيلم سوف يُعرض داخل عدد قليل من دور العرض القاهرية – غالبًا المملوكة للشركة – كتجربة أولية لمعرفة كيفية إستقبال الجمهور المصري له، خاصة وأن السينما اللبنانية والعربية، بشكل عام، ليس لها تجارب سابقة في “مصر”، حيث إعتاد الجمهور على مشاهدة السينما الأميركية التي طغت على غيرها من مدارس السينما المعروفة، كان الفيلم أول تجربة بطولة لـ”نادين لبكي”.

درست “نادين لبكي” الإعلام في جامعة “القديس يوسف” ببيروت، وأخرجت فيلم تخرجها، (11 شارع باستير)، في عام 1997، وحصل على جائزة أفضل فيلم قصير في حفل السينما العربية في “المعهد العربي العالمي” بباريس، وفي عام 1998 حضرت ورشة بباريس للتمثيل، ثم إتجهت إلى إخراج الإعلانات و”الفيديو كليب” لمطربين مشهورين في الشرق الأوسط؛ أشهرهم: “كارول سماحة” و”نانسي عجرم”، وحصلت خلال تلك الفترة على العديد من الجوائز.

“علياء”.. هو أسم البطلة في فيلم (بوسطة)؛ وتعني في اللهجة اللبنانية، “الحافلة”، أو “الأتوبيس”.

أخذ الفيلم اسمه من “بوسطة عين الرمانة” الشهيرة، وهي الحافلة التي ذبح ركابها بالكامل عام 1975، لتشتعل شرارة الحرب. والحافلة بطل رئيس في الفيلم إلى جانب الأبطال؛ “رودني الحداد” و”نادين لبكي” و”عمر راجح” و”ندى بو فرحات”، الذين يكونون مع آخرين فريقًا موسيقيًا لتطوير رقصة “الدبكة اللبنانية”، التي يجوبون المدن اللبنانية لتقديمها للجمهور.

رقصة “الدبكة”؛ الشهيرة في لبنان، والتي تمتد في إقليم الشام إلى “سيناء” في مصر، هي الخط الرئيس للفيلم.

وتدور أحداث فيلم (بوسطة) مع الخط الغنائي الموسيقي لـ”الدبكة”؛ مع فترة ما بعد الحرب الأهلية في لبنان لتعرض مراحل تخلص الشعب من آثارها كلٍ على طريقته، وهو بحسب قول مخرجه، “فيليب عرقتنجي”: “ليس فيلمًا عن الحرب؛ بل عن الأجيال التي أختارت أن تتجاوزها إلى مكان آخر بطريقتها الخاصة”.

ورغم ظهور الفنانة، “صباح”، كضيفة شرف؛ إلا أن الفيلم لم يحقق هدفه، وهو كسر حاجز اللهجة وإعادة فتح الأبواب للفن اللبناني فى البلدان العربية، واعتبر البعض أن اللهجة كانت حاجز أساس.

“سكر البنات”.. الموسيقى والإخراج وأولى الترشيحات لـ”كان”..

“ليال” – تقوم بدورها “نادين لبكي” -، تعمل في محل تجميل ببيروت مع ثلاث نساء آخريات. كل واحدة لديها مشكلة.. “ليال”؛ تربطها علاقة برجل متزوج، “نسرين”، (ياسمين المصري)، مسلمة فقدت عذريتها لا تعلم كيف تواجه هذا الأمر، خصوصًا أنها ستتزوج، “ريما”، (جوانا مكرزل)، تجد مشاكل مع هويتها الجنسية، “جمال”، (جيزيل عواد)، تخشى من تقدم العمر..

يكشف فيلم (سكر بنات) الصورة المحرمة الموجودة تحت النقاب في المجتمع اللبناني المتشابك الهويات، حين قدمت شخصية نسرين، “ياسمين المصري”، وخطيبها في مشهد يتطفل فيه الحارس الليلي عليهما وهما في إنتظار شخص تحت بناية سكنية، ومع ذلك يقود هذا التطفل إلى مركز الشرطة بتهمة الخلوة غير الشرعية !.. والتكفير !.. لاستغلال الحارس جملة إنطلقت من فم خطيب “نسرين” وبعفوية لبنانية، حين صرخ غاضبًا: “الله ما بيحركني من محلي”؛ وتحول ضابط التحقيق من رجل أمن إلى “ترزي”، يفصل تهمة تليق باسم الدين والأخلاق وصيدة الليل.

ومع بطلتها “نسرين”؛ توجه صفعة قوية بكشفها عن سر كبير !.. فتدخلنا في متاهة العذرية والخياطة وتمزج ما بين ماكينة “روز”، “سهام حداد”، وبين غرفة العمليات؛ وكأنها أرادت أن تقول: “إننا لكل منا أسلوبه في خياطة جراحه، وحين تغرق محاجرنا بالدموع نبدو كمهرجين في لحظة إستراحة”.

ببساطة تستدرج “نادين” أبطالها ليسردوا حكاياتهم دون تعقيد، وهي حكايات لا تختلف كثيرًا عن الواقع اليومي في كل مكان، فتمنح شرطي المرور دورًا مركبًا ما بين استغلال دوره لضبط السير في شوارع تسودها الفوضى أو لضبط نفسه متلبسًا بالحب، وحائرًا ما بين أن يشهر المخالفة أو يعلن عن إعجابه !.

المرأة في، (سكر بنات)، معقدة من ناحية، ومن ناحية أخرى مسالمة جميلة ومضحية، ترغب أن تكون مختلفة وتتمنى حل مشكلاتها بهدوء، فتتشبث بالزمن وترجوه أن لا يتحرك مسرعًا ويتركها دون صباها، لكن الوقت يصر أن يفلت دون إرادتها فتبقى شخصية “جمال”، “جيزيل عواد”، تحارب الزمن بأساليب باعثة على الشفقة مرة، ومرة بالعمليات الرخيصة وأخرى بالتظاهر أنها لا زالت تستقبل دورتها الشهرية، وبكثافة لدرجة أنها لا يمكنها التحكم بها فتلوث ثيابها !.. لكن “جمال” التي فرضت حضورها على المشاهد تحمل في حقيبة يدها سائلاً أحمر يشبه الدم، وتستمر “جمال” بتقطيره سواء على ثيابها أو المحارم الورقية التي تستخدمها في دورة المياه، حفاظًا على ماء وجهها بعد أن تجرأ عليها الوقت وسرق الصبا وضيع الأحلام والفرص، ويبقى الوهم يسيطر على “جمال”.

هنا تقول “لبكي” كلمتها في واقع مجتمع يحمل فلسفة التظاهر بما ليس لديه، وهو واقع منفصم ربما يكون في خط تماس مع مجتمعات عربية أيضًا.

“خالد مزنر”؛ هو زوج “نادين لبكي”، وهو أيضًا صانع الخطوط الموسيقية الأساسية في أفلامها الأشهر..

تعد الموسيقى التصويرية لفيلم (كراميل) واحدة من العلامات في الموسيقى اللبنانية التي صنعت تأثيرًا خارج لبنان؛ حتى بدون الصورة أو الفيلم.

ربما يتذكر البعض في مختلف البلاد الشرقية؛ ألبوم “كراميل” دون أن يعرف الفيلم.

فقد حصل الفنان اللبناني، “خالد مزنر”، على جائزة أفضل موسيقى تصويرية للأفلام عن فيلم (سكر بنات)، من خلال قائمة “سينما الجنوب”، وهي جائزة جمعية “مؤلفي الأفلام في أوروبا”، المكونة من نحو 300 عضو قبله لمؤلف موسيقى أفلام المخرج الإسباني، “بدرو المودوفار”، وفي العام الذي سبقه للمؤلف الموسيقي اللبناني الفرنسي، “غابرييل يارد”..

ألف “مزنر” أيضًا الموسيقى التصويرية للفيلم الروائي الأول للمخرج اللبناني، “هاني طمبا”، (ميلودراما حبيبي)، الذي يأتي بعد فيلمه القصير الأول، (بيروت بعد الحلاقة). وكان “خالد مزنر” قد أصدر، قبل منحه الجائزة بثلاثة أشهر، ألبومًا موسيقيًا بالفرنسية؛ هو الذي ألف ولحن كلمات أغانيه التي أداها بصوته.

“كان”.. مرة آخيرة..

يعرف البعض تاريخًا سياسيًا حديثًا لـ”نادين لبكي”، التي خسرت قائمتها أمام قائمة “الحريري” في الإنتخابات اللبنانية.

بعد التجربة القصيرة في السياسة؛ عادت للسينما بترشيح آخير لـ”مهرجان كان” ليفوز فيلمها (كفر ناحوم) بجائزة التحكيم الخاصة في “مهرجان كان السينمائي” بدورته الحادية والسبعين.

أطلقت “نادين” زغرودة فرحًا بالفوز، لكنها حتى الآن لم تحقق حلمها القديم بتعريف الجمهور والجيران بفنها ومجتمعها.. لذلك مازلنا في إنتظار عرض شريط سينما “لبكي” الجديد هنا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة