خاص : كتبت – نشوى الحفني :
شهدت الأيام الأخيرة تراشق كلامي بين “تركيا” و”إيران”، صحبه تبادلهما استدعاء السفراء في كلا البلدين، بعد أن دعت “طهران”، “أنقرة”، إلى الخروج من “العراق”.
بدأ التراشق حينما قال السفير الإيراني لدى العراق، “إيرج مسجدي”، في تصريحات لشبكة (رووداو) الكُردية، إن بلاده: “لا تقبل بوجود قوات أجنبية في العراق” أو التدخل العسكري على أراضيه، مُعتبرًا أنه: “لا يجب أن تكون القواتُ التركية، بأي شكل من الأشكال، مصدر تهديدٍ للأراضي العراقية ولا أن تقوم باحتلالها”.
ودعا السفير الإيراني، “تركيا”، إلى الانسحاب إلى الحدود الدولية، وترك مهمة تأمين “العراق” للعراقيين أنفسهم.
وهو ما جعل السفير التركي لدى العراق، “فاتح يلدز”، يرد في تغريدة له عبر (تويتر) للرد على تصريحات “مسجدي”، قائلاً: “أعتقد أن السفير الإيراني آخر شخص يمكن أن يعطي تركيا درسًا في احترام حدود العراق”، حسبما أوردت وكالة أنباء (الأناضول) التركية الرسمية.
نشاط تركي عسكري..
وقد نشطت “تركيا” عسكريًا في شمال “العراق”، منذ العام الماضي، لا سيما في قضاء “سنجار” بإقليم كُردستان، وتنفذ ضربات ضد “حزب العمال الكُردستاني”، الذي تعتبره منظمة إرهابية.
وفي 9 تشرين أول/أكتوبر الماضي، وقعت حكومة “بغداد”، برئاسة “مصطفى الكاظمي”، اتفاقًا مع حكومة “أربيل” لحل المشكلات القائمة بـ”قضاء سنجار”.
وبحسب الاتفاق، سيتم ضمان حفظ الأمن في القضاء من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات “إقليم كُردستان”، شمال العراق، وإخراج كل الجماعات المسلحة غير القانونية إلى خارج القضاء.
تبادل استدعاء السفراء..
ويوم الأحد، استدعت “وزارة الخارجية” التركية، السفير الإيراني، لدى “أنقرة”، على خلفية تصريحات سفير “طهران” بالعراق، بحسب وكالة أنباء (الأناضول).
وعلى الفور، أعلنت “وزارة الخارجية” الإيرانية استدعاء السفير التركي في “طهران”، على خلفية تصريحات وزير داخلية تركيا: “المرفوضة”، الذي تحدث عن: “تواجد عناصر حزب العمال الكُردستاني داخل الأراضي الإيرانية”، وفقًا لوكالة أنباء (إرنا) الرسمية.
كما انتقدت “الخارجية الإيرانية”، تصريحات السفير التركي لدى “العراق”، واعتبرتها: “غير مبررة”.
يجب احترام سيادة العراق..
في حين علق رئيس مجلس النواب العراقي، “محمد الحلبوسي”، على الخلافات “التركية-الإيرانية”، قائلاً إن: “ممثلي البعثات الدبلوماسية في العراق واجبهم تمثيل بلدانهم وتعزيز التعاون بين البلدين”.
وأكد “الحلبوسي”، في تغريدة عبر (تويتر): “على بعض ممثلي تلك البعثات؛ أن يعي جيدًا واجباته، ولا يتدخل فيما لا يعنيه، ويحترم سيادة العراق لكي يُعامل بالمثل”.
تدخل سافر ومفضوح..
تعليقًا على ذلك التراشق الكلامي، قال “باسل الكاظمي”، الكاتب والمحلل السياسي العراقي: “إن هذا السجال دليل واضح على تدخل سافر ومفضوح من كلتا الدولتين في الشأن العراقي، بما يتنافى مع الأعراف الدبلوماسية والسياسية”.
وأضاف قائلاً: “إن جزءًا من المسؤولية يقع على بغداد التي تسمح بهذا التدخل، لأنه لو كان لدى العراق قوى سياسية تقف موقفًا شجاعًا وإرادة حقيقية وخطاب موحد بدون ولاءات خارجية، لما كنا سنشهد مثل هذا التدخل الذي لا يوجد في أي دولة في العالم”.
مطامع مشتركة وورقة ضغط على أميركا..
فيما يرى “أيمن سمير”، الكاتب المتخصص في الشأن الإقليمي؛ أن: “هذا التلاسن يتعارض مع اتفاقية فيينا؛ التي نظمت عمل البعثات الدبلوماسية داخل كل دولة ونصت على أن عملها يتمثل في توطيد العلاقات بين البلدين”.
مضيفًا أن: “هذا السجال بين السفيرين في بغداد؛ لن يؤثر على العلاقات الطيبة بين أنقرة وطهران، لأن للبلدين مطامع مشتركة في العراق، فضلاً عما يمثله تدخلهما من ورقة ضغط على الولايات المتحدة لخدمة أغراضهما”.
صراع نفوذ وتصفية حسابات في العراق..
كما انتقد الدكتور “رائد العزاوي”، أستاذ العلاقات الدولية، التصريحات المتبادلة بين سفيري “إيران” و”تركيا” في “العراق”، مؤكدًا أنها تأتي على خلفية الصراع بين الدولتين على النفوذ والسيطرة بمدينة “سنجار”.
وقال “العزاوي”، إن هذه الكعكة الكبيرة تحاول كل من “إيران” و”تركيا”، مد نفوذهما عبر الميليشيات في تلك المنطقة، وهذه التصريحات بين كل من “فاتح يلدز”، سفير أنقرة فى بغداد، و”إيرج مسجدي”، سفير طهران في بغداد، قوبلت باستهجان واستنكار واسع ورفض لدى الشارع العراقي، وأيضًا لدى الأوساط السياسية العراقية، حيث أن “إيران” تسعى السيطرة على مدينة “سنجار”؛ لتؤمن الطريق نحو “سوريا” وصولاً إلى “لبنان”، بينما “تركيا” ترى في “سنجار” نقطة إرتكاز لمواجهة، تنظيم “حزب العمال الكُردستاني” التركي، الذى يتقاسم النفوذ مع ميليشيات موالية لـ”إيران” فى تلك المنطقة، وأيضًا “تركيا” التى تسعى وتحلم بنهاية المدة الزمنية لـ”إتفاقية لوزان”، (1923)، التي حرمت الدولة العثمانية من مناطق نفوذ في شمال “العراق” وشمال “سوريا”.
وأشار “العزاوي”؛ خلال استضافة تليفزيونية عبر قناة (العربية الحدث)، أن كلا السفيرين تجاوزا كل الأعراف والمواثيق الدولية، التي تنظم عمل البعثات بين دول العالم، وما جاء في التصريحات، يُعد خرقًا لـ”اتفاقية جنيف”، المنظمة للعمل الدبلوماسي، وبالتالي الحكومة العراقية عبر “وزارة الخارجية”، أكدت على عدم قبول أي تواجد عسكري أجنبي أو عسكري ميليشياوي خارج إطار الدولة يُعد سلاحًا إرهابيًا، وسيواجه من قبل حكومة “الكاظمي” بكل قوة وحزم.
وبّين “العزاوي” أن هناك إجراءات اتخذتها الحكومة العراقية، وستتخذها لمنع تكرار مثل هذه التصريحات التى تُعد تدخلاً في الشأن العراقي الداخلي، وأن هذه المعركة الكلامية، بين السفيرين تُبين بشكل واضح أن أزمة الصراع، بين “تركيا” و”إيران” هي أكبر من ذلك بكثير؛ فإن كلاهما يتصارعان على تقاسم النفوذ في “سوريا واليمن والصومال وليبيا”؛ ويحاولان تصفية الحسابات في “العراق”.
الخلافات بينهما في صالح العراق وسوريا !
بينما أوضح المحلل السياسي، “غسان يوسف”، لـ (RT)؛ إنها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها البلدان بتبادل استدعاء سفيريهما، ويُشير إلى أنهما قاما بذلك، في كانون أول/ديسمبر الماضي، على خلفية أزمة بسبب قصيدة أنشدها الرئيس التركي.
ويُشير “يوسف” إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، التي يتبادلان عبرها نحو 30 مليار دولار، وكذلك إلى وضع القوات التركية في “سوريا”، التي تصف وجودها فيه بالاحتلال؛ عكس الوجود الإيراني الذي تم عبر الحكومة السورية، والذي يؤمن دعمًا لوجستيًا وعسكريًا وغذائيًا ونفطيًا لـ”سوريا”.
ويقول “يوسف” إن: “التقارب الذي حصل مؤخرًا بين، إيران وتركيا، يؤثر سلبًا على سوريا، ويكون على حساب دول مثل سوريا والعراق”.
ويضيف أن “إيران” تحتج على وجود القوات التركية في “العراق”، لأن لـ”أنقرة” مطامع هناك، كما لها مطامع في “سوريا”، لذا فإن الخلافات بينهما حول وجود القوات سيكون في صالح “العراق”، ولكن أيضًا في صالح “سوريا” أكثر، و”خصوصًا أن إيران تطالب بتحرير الأراضي السورية؛ وبعودة سيادة الدولة السورية على جميع أراضيها”.
ويُشير “يوسف” إلى التصريحات الإيرانية عن ضرورة تحرير “إدلب”؛ عندما يكون هناك خلافات بين “تركيا” و”إيران”، ويضيف أن الخلاف بين “تركيا” و”إيران” يأتي لصالح الدولة السورية و”العراق”؛ باعتبار أن ما ينطبق على “سوريا” ينطبق على “العراق”، إذ أن القوات التركية موجودة في البلدين.
ويختتم “يوسف” بالقول إن؛ “إيران” و”سوريا” حليفتان بالمعنى الإستراتيجي، لكن ما يجمع “إيران” بـ”تركيا” هي المصالح الاقتصادية أكثر مما تجمعهما الإستراتيجيات.
محاولة لزيادة قوة وأوراق اللاعبون الإقليميون..
وحول السياق العام الذي جاء فيه الخلاف الأخير بين البلدين، يقول رئيس حركة (البناء الوطني)، “أنس جودة”، لـ (RT)؛ إنه: “من المهم النظر إلى الصورة الكبرى: مسار التفاوض (الإيراني-الأميركي)، التوتر على خط العلاقة (الأميركية-التركية)، الصدام العالي المستوى: (الروسي-الأميركي)، إضافة إلى استمرار مسار التطبيع جنوبًا وتعزيزه، خصوصًا في مواجهة إيران”.
ويقول “جودة” إن: “المنطقة عمليًا مقبلة على صدامات دولية عالية المستوى؛ لهذا يحاول اللاعبون الإقليميون ـ كل على طريقته ـ زيادة أوراقهم وعوامل قوتهم، وقد نشهد في هذا السياق ارتفاعًا في التوتر بين الأطراف الفاعلة الرئيسة في المنطقة، خلال الأشهر القادمة”.
لكن خريطة التحالفات الرئيسة لن تتغير، كما يقول “جودة”، بل على العكس، إذ ستتعزز صورة محور الشمال: (تركيا ـ إيران ـ روسيا)، في مواجهة تحالف الجنوب: (إسرائيل ـ الخليج)، لهذا ستبقى التوترات الحالية حول مناطق النفوذ والتأثير ضمن الإطار المقبول، ولن تتحول إلى حالة صدام بينها. فهم: “محكومون بالتعاون الحتمي، ولو على مضض، مع بقاء الخلافات بينهم”.