خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة من شأنها لم الشمل السوداني بعد أسابيع من التعثر، قال المبعوث الإفريقي في السودان، “محمد حسن ولد لبات”، فجر أمس الجمعة، بعد مفاوضات مباشرة استمرت يومين؛ إن المجلس الانتقالي العسكري وقادة قوى الحرية والتغيير، اتفقا على تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، لافتًا إلى أن الطرفين اتفقا على رئاسة المجلس السيادي بالتناوب ولمدة 3 سنوات على الأقل.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يكسر أسابيع من الجمود السياسي، تخللته نقاشات ومفاوضات، أجريت بوساطة وجهود عدد من الدول العربية والغربية.
ومن المتوقع توقيع الاتفاق خلال أيام في العاصمة السودانية، “الخرطوم”، بحضور الرئيس الإثيوبي، وعدد من القادة والمسؤولين الدوليين.
وأكد “لباد” أنه تم الاتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير على إقامة تحقيق دقيق وشفاف وطني مستقل لكل الأحداث التي حدثت في البلاد، خلال الأسابيع الأخيرة، في البلاد.
وأضاف أنه: “تم الاتفاق على تشكيل مجلس سيادة برئاسة بالتناوب بين العسكريين والمدنيين لفترة انتقالية لمدة 3 سنوات أو تزيد قليلًا؛ وإقامة حكومة مدنية ذات كفاءات وطنية مستقلة ورئيس وزراء بذات الصفات”.
وأشار “لباد” إلى أنه تم اتفاق الطرفان على العمل بمسؤولية لإتخاذ الإجراءات لتهيئة الأجواء الوطنية للتصالح وألوفًا لأجل الشعب “السودان”.
ونص الاتفاق كذلك؛ على إرجاء إقامة “المجلس التشريعي” إلى ما بعد تشكيل الحكومة.
من جانبه؛ قال “عمر الدقير”، القيادي بقوى الحرية والتغيير، إن أولويات الحكومة المقبلة تحسين الأوضاع ومحاسبة المسؤولين عن سقوط القتلى.
من جهته؛ عبر نائب رئيس المجلس الانتقالي، “محمد حمدان دقلو”، “حميدتي”، عن شكر المجلس لجميع من ساعد في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية، مؤكدًا على إن الاتفاق لن يقصي أحدًا.
كما وجه الشكر إلى الوسيطين الإفريقي والأثيوبي، بالإضافة قوى إعلان الحرية والتغيير، على هذا الاتفاق.
ترحيب عربي ودولي..
ورحبت كل من “تركيا وبريطانيا وإثيوبيا وقطر وفلسطين ومصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية”، الجمعة، بالاتفاق السياسي الذي وقعته “قوى إعلان الحرية والتغيير”، قائدة الحراك الاحتجاجي في “السودان”، مع “المجلس العسكري الانتقالي”.
يُذكر في هذا السياق؛ أنه وقع انقلاب عسكري في “السودان”، يوم 11 نيسان/أبريل 2019، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي استمرت أربعة أشهر.
وتم عزل الرئيس، “عمر البشير”، من السلطة، وسجن في وقت لاحق. وسيطر “المجلس العسكري الانتقالي”، الذي شكله الجيش، على مقاليد السلطة، معلنًا في ذات الوقت، عن عزمه نقل القيادة إلى السلطات المنتخبة في غضون عامين.
ومع ذلك؛ فإن الاحتجاجات الشعبية، على الرغم من وعود الجيش، لم تهدأ. وطالب المتظاهرون بتشكيل فوري لحكم مدني ونقل جميع السلطات إليه.
وكان الوضع قد شهد تدهورًا حادًا، في العاصمة السودانية والبلاد بأكملها، يوم 3 حزيران/يونيو الماضي، عندما قام الجيش السوداني بتفريق جزء من معسكر اعتصام في “الخرطوم”، أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.
ونتيجة للصدامات قتل عشرات الأشخاص. وردت المعارضة بزيادة الاحتجاجات وإعلان العصيان المدني، وتوقف الحوار السياسي مع المجلس العسكري.
المحادثات الأخيرة استمرت يومين..
وكان “المجلس العسكري الانتقالي” الحاكم في “السودان” قد استأنف التفاوض مع قادة حركة الاحتجاج، مساء الأربعاء الماضي، بشأن تشكيل هيئة انتقالية.
والتقى، مساء الأربعاء، بأول جولة للتفاوض المباشر، ثلاثة عسكريين بينهم نائب رئيس المجلس العسكري، الفريق “محمد حمدان دقلو”، الملقب بـ”حميدتي”، وخمسة ممثلين عن “تحالف الحرية والتغيير”، الذي يقود الاحتجاجات، بحضور الوسطاء من “إثيوبيا” و”الاتحاد الإفريقي” في فندق في “الخرطوم”، وفق (فرانس برس).
وأعلنت قوى “الحرية والتغيير” شروط قرارها بالمشاركة في جلسة التفاوض المباشرة مع “المجلس العسكري الانتقالي”، الأربعاء. ومن أهم الشروط أن يكون التفاوض حول تشكيل المجلس السيادي فقط، ولمدة 72 ساعة فقط، في إشارة إلى أهمية وضع جدول زمني للمفاوضات.
احتفالات شعبية..
ونقلت وكالة (رويترز)، عن شهود عيان، أنه ما إن وردت أنباء التوصل للاتفاق حتى عمت الاحتفالات شوارع مدينة “أم درمان”، الواقعة في الجهة المقابلة من “الخرطوم” عبر “نهر النيل”، وخرج آلاف الأشخاص من جميع الأعمار إلى الشوارع وأخذوا يرددون “مدنية ! مدنية ! مدنية !”.
وقال القيادي في “الحرية والتغيير”، “عمر الداغر”: “هذا الاتفاق يفتح الطريق لتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية؛ ونرجو أن يكون هذا بداية عهد جديد”.
ترحيب تجمع المهنيين..
ورحب “تجمع المهنيين”، الذي قاد الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السابق، “عمر البشير”، بالتوصل أخيرًا إلى اتفاق في “السودان” بشأن تشكيل مجلس سيادي مشترك.
وأصدر “تجمع المهنيين السودانيين” بيانًا، قال فيه إن الطرفين، (تحالف المعارضة والمجلس العسكري)، اتفقا على تشكيل مجلس سيادي مشترك لقيادة عملية الانتقال في البلاد.
وأضاف أن المجلس سيضم خمسة مدنيين يمثلون حركة الاحتجاج وخمسة من العسكريين، على أن يذهب المقعد الحادي عشر إلى مدني يختاره الطرفان.
وأردف قائلًا: “شعبنا الظافر.. الآن يتسع الطريق شيئًا فشيئًا، شدوا الأيادي وسدوا الفراغ بالتلاحم”.
ودعا إلى الفرح بالقول: “اليوم ميلاد الفرح بالبلاد، ولتسطع شمس الحرية دون غيوم”.
أثلج صدر الشارع السوداني..
تعليقًا على الاتفاق، قال رئيس تحرير صحيفة (الوطن) السودانية المستقلة، “عبدالوهاب موسى”، إن الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري و”قوى إعلان الحرية والتغيير” أثلج صدر الشارع السوداني.
وبالنسبة للجهة المنوطة باختيار الحكومة، قال “موسى” إن: “قوى إعلان الحرية والتغيير ستتشارك مع المجلس العسكري في السلطة وستتشكل الحكومة من مجموعة خبراء وكفاءات مستقلين ليس لديهم أي انتماءات حزبية أو بُعد حزبي واضح؛ وبالتالي فالحكومة الجديدة التي ستتشكل لا يتوقع منها أن تخلق نزاعات فيما بينها لوجود برنامج محدد وواضح ستعلن عنه قوى الحرية والتغيير”.
وأضاف “موسى” أن تقاسم السلطة بين المجلس العسكري والمدنيين سيتم على ثلاث مستويات: المستوى الأول هو المجلس السيادي الذي سيتكون من أغلبية من المدنيين وعدد قليل من العسكريين، ولكن الرئاسة فيه ستكون دورية بين الطرفين، الفترة الأولى يتولاها عسكريون والفترة الثانية ستكون مسؤولية المدنيين.
المستوى الثاني؛ هو الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء؛ وسيكون رئيس الحكومة من “قوى إعلان الحرية والتغيير”، مشيرًا إلى أنه تم ترشيح عدة أسماء، ولكن حتى الآن لم يستقر على شخص بعينه.
أما المستوى الثالث؛ هو المستوى التشريعي، وقد تم تعليق هذا الأمر في الاتفاق لحين تشكيل الحكومة؛ و”هذا فيه حكمة من قِبل الوساطة، فإكمال المراحل الثلاثة في وقت واحد ربما يثير حفيظة البعض، خاصة وأن الوضع الاقتصادي سيء والأوضاع الأمنية متردية؛ فالأولوية تعود لتشكيل المجلس السيادي والحكومة أولًا ثم بعد ذلك يتم النظر في تشكيل “المجلس التشريعي”.
تفاؤل بالدولة المدنية..
بدوره يقول، اللواء “عادل سيد أحمد”، أن كل “السودان” متفائل بالاتفاق، ومتفائل بالخطوة التي تحققت، ومتفائل بالدولة المدنية، وكل الناس متكاتفين من أجل أن يتقدموا إلى الأمام من أجل تحقيق الحكم المدني المطلوب ويحققوا الإزدهار والاستقرار في البلاد.
موضحًا أن الضامن في كل اتفاق، والضامن للثورة وللتغيير، هو الشعب السوداني، الذي مشى خطوات حتى يتحقق التغيير وهو الضامن لكل إنجاز، والشعب السوداني بثقافته وفهمه وحاجته لدولة مدنية تستخدم كل الكوادر والكفاءات التي تدير الدولة إلى الأمام حيث الإزدهار والاستقرار.
الاتفاق تم دون رغبة العسكري..
ويقول اللواء المتقاعد، “بابكر إبراهيم أحمد”، أن التيار المعتدل داخل الحرية والعدالة هو من وقعه وليس التيار الراديكالي؛ الذي كان مسيطرًا في البداية، معبرًا عن ثقته التامة في أن المجلس العسكري سيسلّم الدولة في النهاية لحكومة منتخبة، لأن هذا كان هدفه منذ البداية، وأكد على ذلك بإنهائه لجلّ الترتيبات المتعلقة بالمرحلة الانتقالية، لدرجة أن اتفاق، أمس، الذي يحدد مدة المجلس السيادي بثلاث سنوات، كان ضد رغبة العسكر، وفق تعبير المتحدث.
دون التطلعات ولا يستحق التهليل..
فيما يرى “منتصر أحمد محمو”، الناشط السياسي السوداني المستقل؛ أن الاتفاق دون التطلعات ولا يستحق التهليل والتأييد الذي يعبّر عنه البعض، لكنه يستدرك القول إنه يجب كذلك التعامل مع الاتفاق بـ”منطق واقع الحال، والاستفادة ما أمكن من الحقوق التي ستمنح في المرحلة المقبلة”، متحدثًا: “أنا لست متفائلاً، لكنني مراهن على الشارع السوداني في التصدي لأيّ انقلاب جديد”.
لن يكون نهاية المحنة..
وقال “كومي نايدو”، الأمين العام لـ”منظمة العفو الدولية”: “نعلم أنه من الواضح أن هذا الاتفاق لن يكون نهاية المحنة الرهيبة التي مر بها الشعب السوداني. لكن حقيقة أن هذا الاتفاق قد تم فهو دليل على التصميم والقدرة الاستثنائيتين للناس العاديين الذين اختاروا النضال من أجل حقوقهم”.
موضحًا بالقول: “إنما تكمن الصعوبات في تفاصيل أي صفقة – لكننا نأمل أن يمثل هذا الاتفاق خطوة نحو وضع حد للجرائم المروعة التي إرتكبت ولا تزال ضد شعب السودان منذ عقود. ويجب الحكم على هذا الاتفاق من خلال كيفية وفاء هؤلاء الموجودين في السلطة الآن بمسؤولياتهم في احترام الحقوق الأساسية للأشخاص – الأمر الذي حرم منه الشعب السوداني لأكثر من ثلاثة عقود”.
خطوات ضامنة..
مشيرًا إلى أنه: “ثمة خطوتان حاسمتان يجب على أولئك الموجودين في السلطة الآن إتخاذهما لضمان أن تكون هذه خطوة إيجابية بالنسبة للسودان. أولاً، يجب منع قوات الدعم السريع من القيام بأية أنشطة شرطية. فليس لديها مكان في عملية تنفيذ القانون، بالنظر إلى سجلها في إرتكاب جرائم حرب في دارفور، وعمليات القتل والتعذيب وغيره من أعمال العنف البشع ضد المحتجين منذ تنحي الرئيس السابق عمر البشير، في نيسان/أبريل 2019.
“وثانيًا، يجب أن نشهد تحقيقًا مستقلاً وفوريًا في أعمال العنف المروع التي ترتكبها القوات الحكومية ضد المحتجين. فقد شاهد العالم، في حالة من الفزع، ذبح السودانيين العاديين الذين تجرأوا على المطالبة بحقوقهم الإنسانية. ويجب على أولئك الموجودين الآن في السلطة ألا يعتقدوا مطلقًا أننا سننسى أن هذه الفظائع قد وقعت. فلن نقبل أي شيء أقل من إجراء المساءلة الكاملة”.
واختتم “كومي نايدو” قائلاً: “نعلم أنه من الواضح أن هذا الاتفاق لن يكون نهاية المحنة الرهيبة التي مر بها الشعب السوداني. لكن حقيقة أن هذا الاتفاق قد تم فهو دليل على التصميم والقدرة الاستثنائيتين للناس العاديين الذين اختاروا النضال من أجل حقوقهم”.