خاص : كتبت – د. نبراس المعموري :
رغم الثروات الطبيعية التي تتمتع بها القارة الإفريقية؛ والتي تُعد الأكبر على مستوى قارات العالم، إلا أن “الفقر” سمة مميزة باتت تعرف بها القارة، ولعل هذه الثروات كانت سببًا رئيس في سيطرة الاستعمار المستمر عليها، فاقتصاديًا تمتلك “إفريقيا” ثروات هائلة متمثلة بالثروة الفلاحية، حيث يعمل ثلثا سكان القارة في الزراعة تقريبًا؛ بسبب التنوع البيئي والمناخي، كما أن “إفريقيا” تتميز بوجود غابات هائلة إذ تساهم “صناعة الخشب” بـ 6% من إجمالي الناتج الداخلي للقارة الإفريقية، ويتم تصدير هذه الأخشاب إلى عدة دول أعضاء بـ”الاتحاد الأوروبي” بالإضافة إلى “اليابان” و”إسرائيل”، أما في المجال البحري فالدول الإفريقية تمتلك مخزون هائل من الثروة السمكية؛ وتقوم بإنتاج 4.5 مليون طن من الأسماك في منطقة غرب إفريقيا.
كما تمتاز “إفريقيا” بوجود كميات كبيرة من المعادن، كـ”الذهب”؛ في “جنوب إفريقيا” و”زيمبابوي” و”السودان”، ومعدن “النحاس”؛ في “زامبيا” و”السودان” و”الكونغو”.. بجانب “البترول” الذي تمتلك “إفريقيا” منه لوحدها ما يناهز 124 مليار برميل من احتياطي النفط، أي بنسبة 12 بالمئة من نسبة الاحتياط العالمي في دول؛ “ليبيا” و”الجزائر” و”مصر” و”السودان” و”نيجيريا” و”غينيا الإستوائية”، وتتوفر أيضًا على مخزون هام من “اليورانيوم”؛ في “جنوب إفريقيا” و”النيجر” و”ناميبيا”، وتملك “إفريقيا” وحدها نسبة 18 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي لهذه المادة، وخزان احتياطي يبلغ ثلث إجمالي احتياط العالم. كما أن “إفريقيا” تعتبر من أكبر المنتجين لـ”الألماس” العالمي بما يناهز 40 بالمئة من إجمالي “ألماس” العالم؛ ويتركز في كل من دول “أنغولا” و”بتسوانا” و”الكونغو الديمقراطية” و”جنوب إفريقيا” و”ناميبيا”، والغريب في الأمر أن بعض الحروب الأهلية بالقارة تم تمويلها بهذه المادة لدرجة أصبح يطلق على “الألماس”، القادم من تلك المناطق، بـ”ألماس الدم”، الذي كان أداة مهمة لتمويل النزاع والإقتتال الداخلي.
وأمام ارتفاع معدلات العنف والنزاع الداخلي، حاول “الاتحاد الإفريقي”، خلال أعمال القمة الثانية والثلاثين للاتحاد، والتي إنعقدت في العاصمة الإثيوبية، “أديس أبابا”، إيجاد صيغة للتعاون الإفريقي المشترك بصدد اللاجئين والإرهاب والتعاون الاقتصادي، ومبادرة إسكات البنادق بحلول عام 2020، التي كانت محل ترحيب كبير من قِبل “مجلس الأمن الدولي”، عبر قراره (2457)، لغرض تخليص القارة الإفريقية من النزاعات وتهيئة الظروف المواتية للنمو والتنمية، وجعلها خالية من النزاعات، رغم أن المنظومة الأممية تدرك جيدًا إن إسكات البنادق في “إفريقيا” يتطلب مشاركة جميع الأطراف ذات العلاقة، وتعزيز المجتمعات بمؤسسات قوية وحوكمة جيدة مرهونة بحلول للأزمات الاقتصادية، والكوارث الطبيعية.
المشاكل التي تعانيها القارة الإفريقية..
أولًا: تعاني 22 دولة إفريقية، على الأقل، من نزاعات مسلحة بشكل أو بآخر؛ مثل “جنوب السودان” و”إفريقيا الوسطى” و”الكونغو الديمقراطية” وغيرها.
ثانيًا: ارتفع مستوى الديون الخارجية في دول “إفريقيا”، وفقًا لمؤسّستي “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي”؛ من 25.2% من الناتج المحلي الإجمالي، عام 2010، إلى 34.5%، عام 2015، كما ارتفع عام 2017، إلى 535 مليار دولار، ولا شك أن الاعتماد على هذه القروض الخارجية يخلق قيدًا من التبعية قد لا يمكن التخلي عنها، وعلى مدى أكثر من 40 عامًا تلقت فيها الدول الإفريقية المساعدات والقروض الخارجية، مازال يثار العديد من التساؤلات: ماذا حققت تلك المساعدات ؟.. ولماذا لم تؤد إلى تحسين مستويات المعيشة أو توفير شروط تحقيق التنمية المستدامة ؟
ثالثًا: بلغ حجم الأموال المهربة، وفق تقرير صحيفة (وول إستريت غورنال) الأميركية، بصورة غير شرعية خارج القارة الإفريقية، ما قيمته 60 مليار دولار سنويًا، وهذا يُحرم أكثر القارات فقرًا في العالم من رؤوس الأموال وعائدات ضريبية من شأنها أن تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي.
رابعًا: أدى إزدياد الفقر وتراجع الظروف المعيشية في جميع أنحاء القارة إلى خلق أرض خصبة لانتشار الأمراض المعدية، وتدهور الحالة الصحية، وحوالي نصف السكان لا يستطيعون الحصول على المياه المعقمة وخدمات الصرف الصحي الكافية، وذكرت “منظمة الصحة العالمية”، في عام 2001، أن ما يقرب من 3000 شخص يموت كل يوم بسبب مرض “الملاريا”، كما توفي أكثر من 17 مليون إفريقي بسبب فيروس نقص المناعة البشرية، (الإيدز)، ويقدر حاليًا أن أكثر من 28 مليون من 40 مليون شخص يعيشون مع هذا المرض في جميع أنحاء العالم هم في “إفريقيا”، كما أن هناك أكثر من 12 مليون يتيم في “إفريقيا” فقدوا أمهاتهم أو كلا الوالدين بسبب (الإيدز)، إضافة إلى 20 مليون إنسان إفريقي يواجهون الموت جوعًا في عدد من الدول الإفريقية.
خامسًا: تعاني دول “إفريقيا” من انتشار الفساد المالي والإداري، وحسب “تقرير الشفافية الدولية”، لعام 2017، فقد تمكنت خمس دول إفريقية فقط من تجاوز مؤشر مدركات الفساد بحصولها على نتائج تفوق 50 نقطة من أصل 100، وهي: “بوتسوانا” و”جزر الرأس الأخضر” و”موريشيوس” و”روندا” و”ناميبيا”. وأشار تقرير اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة إلى أن خزائن حكومات الدول الإفريقية تفقد سنويًا ما قدره 148 مليار دولار؛ بسبب الفساد، وحسب تقارير “البنك الدولي”؛ فقد ساهم الفساد في تحويل 400 مليار دولار من أموال القارة إلى حسابات وعقارات في الخارج، منها 100 مليار دولار متأتية من “نيجيريا” لوحدها..
سادسًا: هناك 30 مليون لغم في “إفريقيا” وحدها من إجمالي 110 ملايين لغم خلفتها الحروب في العالم تشل حركة التنمية في 18 دولة إفريقية، من بينها 23 مليون لغم في “مصر”، منذ الحرب العالمية الثانية.
سابعًا: انخفاض مستوى التعليم وارتفاع الأمية بنسبة تصل إلى 60% في العديد من الدول الإفريقية، لا سيما أن التقديرات المتعلقة بالنمو السكاني المتوقع تبين أن “إفريقيا” هي أسرع المناطق نموًا في العالم، مع تزايد أعداد فئة الشباب، التي ستبلغ حوالي 60% من مجموع السكان بحلول عام 2050، وهؤلاء الشباب بحاجة إلى التعليم وفرص العمل والسكن والرعاية الصحية.
ثامنًا: المشكلات التي خلقتها الحدود المرسومة بين الدول الإفريقية والطريقة التي إتبعها الأوروبيون في تقسيم “إفريقيا” فيما بينهما، أثناء “مؤتمر برلين” 1885، حيث لم تراعي الدول الأوروبية أي اعتبارات خاصة؛ مثل التجانس العرقي واللغوي والتكامل الاقتصادي والإرث الحضاري، لغرض خدمة المصالح الأوروبية والاإستحواذ على مناطق النفوذ، وقد ترتب على هذه الحدود مشاكل ونزاعات بين الدول الإفريقية عقب فترة الاستعمار، وخاصة تلك الدول التي لها قبائل رعوية، ويوجد في “إفريقيا” ما يفوق 50 وحدة سياسية، منها 13 وحدة سياسية لا توجد لها منافذ بحرية.
إن معظم المشاكل والأزمات التي تطرقنا لها، والتي تعاني منها “إفريقيا” اليوم، ترتبط بميراث الفترة الاستعمارية وغياب العمل المؤسساتي الرصين القائم على حكم رشيد وقيادة صالحة، أدى في النهاية إلى سوء إدارة الدولة وتفشي الفساد، إضافة إلى التحديات الخارجية التي تجعل من مسألة التنمية والنهوض أمرًا صعب التحقق، ويمكن التطرق بهذا الصدد إلى المحورين، الأميركي والصيني، وأثرهما على مستقبل القارة الإفريقية.
مصالح الولايات المتحدة داخل القارة الإفريقية..
رغم الخطاب الأميركي المتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن الحقيقة وفق التجارب الماضية تلخص؛ أن علاقات “الولايات المتحدة” مع “إفريقيا”، قبل عام 2000، لم تتجاوز الاهتمام بالروح المعادية للشيوعية وتعزيزها في القارة، إضافة إلى تقديم قروض مالية مقيدة. وقد وصف مراقبون وخبراء سياسة “الولايات المتحدة” في “إفريقيا”، في ظل إدارة الرئيس السابق، “باراك أوباما”، بـ”الإستباقية”؛ حيث تحدثت إدارته باهتمام عن الحفاظ على الحكومة الدستورية في بعض الدول الإفريقية، وفرض عقوبات على زعماء “الجماعات الإرهابية”، لا سيما أن “أميركا” استطاعت تمديد عقد إيجارها لقاعدة “ليمونيه” العسكرية، في “غيبوتي”، لمدة عشرة أعوام أخرى مقابل إيجار سنوي بقيمة 38 مليون دولار، ويُعد إيجار القاعدة أحد أهم مصادر الدخل القومي لـ”غيبوتي”، ويضم المعسكر حوالي أربعة آلاف جندي أميركي؛ بما يجعله القاعدة العسكرية لـ”الولايات المتحدة الأميركية” الدائمة في “إفريقيا”، وتُعد “غيبوتي”، التي هي عضو في “جامعة الدول العربية”، مركز إنطلاق إستراتيجي لـ”الولايات المتحدة” في حربها ضد “الإرهاب”؛ في كل من “إفريقيا” و”شبه الجزيرة العربية”، وبالذات داخل “اليمن” و”الصومال”.
أما ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فقد دعمت “الولايات المتحدة” تجارتها مع “إفريقيا” من خلال “قانون النمو والفرص في إفريقيا”، (أغوا – AGOA)، والذي يهدف إلى إقامة علاقات تجارية قوية مع بلدان مختارة في المنطقة، ووضع سقف زمني لهذه الاتفاقية لمدة عشر سنوات، من حزيران/يونيو 2015 ولغاية أيلول/سبتمبر 2025. وبموجب قانون (أغوا – AGOA)؛ ارتفع مجموع صادرات “الولايات المتحدة” إلى “إفريقيا”، 22%، أي ما يعادل 10 مليار دولار، وارتفع إجمالي واردات “الولايات المتحدة” من “إفريقيا” بنسبة 40%، أي 50 مليار دولار، كما إزداد ضغط “أميركا” على “إفريقيا” فى الحصول على مصادر الطاقة، ويقدر 15% من “البترول”، الذي تحتاج إليه “الولايات المتحدة” يأتي من وسط وغرب “إفريقيا”.
ورغم ضخامة الاستثمار الأميركي في “إفريقيا”؛ لا تزال علاقة “الولايات المتحدة” التجارية مع “إفريقيا” في مستوى غير متطور، بل وتشهد انخفاضًا منذ عام 2011، لا سيما أن المشاكل التي تعاني منها “الولايات المتحدة” المتعلقة بعجز الميزانية؛ قيد حركتها في “إفريقيا”، فضلًا عن وجود جماعات مدنية وحقوقية تطرح دائمًا مشكلة غياب الديمقراطية وإنتهاكات حقوق الإنسان في العديد من البلدان الإفريقية، أضف إلى ذلك انتخاب الرئيس، “دونالد ترامب”، لم يؤدي إلى تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية تجاه “إفريقيا”، بعد قيامه بخفض المساعدات التنموية الموجه للخارج، والتي تمثل 1% من الميزانية الفيدرالية، وكانت حصة “إفريقيا” من هذه المساعدات مرهونة في الغالب باحترام قضايا حقوق الإنسان وتنمية الديمقراطية، كما ظهر جليًا أن إدارة “ترامب” لا تمتلك أي خطة بديلة تجاه “إفريقيا” للحد من التوسع الصيني والأوروبي فيها.
الدور الصيني في إفريقيا..
أبرز ما يميز الدور الصيني، في “إفريقيا”، استخدامه أدوات القوة الناعمة، مثل الدبلوماسية الشعبية والثقافية والمساعدات الاقتصادية والإنسانية، كما تمتلك “الصين” المال والإرادة السياسية؛ فضلًا عن غياب المعارضة الداخلية، وهو ما يحرر سياستها الإفريقية من أي إلتزامات تتعلق بمسائل الحريات وحقوق الإنسان.
وتُعد “الصين” أكبر شريك تجاري لـ”إفريقيا”، منذ عام 2009، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية نحو 11 مليار دولار عام 2000، ثم ارتفع هذا الرقم ليصل إلى ما يقرب من 60 مليار دولار عام 2006، ثم إذا به يقفز إلى نحو 210 مليارات دولار عام 2013، كما ارتفعت الاستثمارات الصينية في “إفريقيا” إلى نحو ثلاثة أضعاف العقد الماضي، وتُعد “جنوب إفريقيا” و”إثيوبيا” من بين الدول التي تتصدر الطليعة فيما يتعلق بالاستثمارات الصينية، بينما تحتل “زامبيا” و”أنغولا”، ولابد من الإشارة اإلى أن الهدف الأساس من الاستثمار الصيني هو الحصول على الموارد النفطية والمعدنية التي تملكها بعض الدول الإفريقية، كـ”نيجيريا” و”الجزائر” و”الكونغو”.. إلخ.. والدليل أن 90 بالمئة من صادرات الدول الإفريقية تجاه “الصين” تخص فقط “النفط” و”المعادن” و”الغاز”، ما جعل الميزان التجاري يميل أكثر لـ”الصين” على حساب هذه الدول التي تبقى اقتصاداتها متذبذبة بسبب تذبذب أسعار “النفط” على المستوى العالمي.
وتشير دراسة أجرتها (وكالة ماكنزي) الأميركية؛ إلى أن أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حاليًا في “إفريقيا”. بعض المصادر تتحدث عن 2500 شركة، 90 بالمئة منها شركات خاصة، وتوقعت أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها “الصين” من “إفريقيا”، في حلول 2025، إلى 440 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 144 بالمئة.
ومع ذلك؛ هناك انتقادات لطبيعة الدور الصيني في “إفريقيا”، فرغم الإستحواذ الواضح على “النفط” و”المواد الخام” الأخرى في “إفريقيا”، وتأمين حلفاء يصوتون لها في “الأمم المتحدة”، إلا أنها لم تهتم بمشروعات البنية التحتية أو المبادرة بالإعفاء من مليارات الديون المستحقة على الدول الإفريقية.
يقتضي الحديث عن الإمكانيات الإفريقية في تحقيق نهضة قارية؛ البحث في الإجراءات السياسية والاقتصادية على صعيد القارة، وهي :
1 – الشراكة السياسية والاقتصادية للقارة الإفريقية : سياسيًا أعلن عن قيام “الاتحاد الإفريقي”، في تموز/يوليو 2002، بهدف تمكين “إفريقيا” لتجسيد إرادتها المستقلة سياسيًا واقتصاديًا؛ ويوفر لها الآليات المؤسساتية التي تمكنها من تحقيق التنمية المستدامة وأسباب التخلف، وخلق فضاء قاري على غرار التكتلات الأخرى في “أوروبا” و”آسيا” و”أميركا”. لقد بدأ “الاتحاد الإفريقي” مهامه سياسيًا واقتصاديًا، إلا أنه واجه مشاكل عدة تتمثل بتمويل الاتحاد نتيجة عجز مجموعة من الأعضاء عن أداء مستحقاتهم السنوية، كما أن الاتحاد أفتقر إلى آليات فرض السلم ومنع نشوب النزاع وفرض مسألة حقوق الإنسان، وتكريس الديمقراطية في معظم الدول الإفريقية، بالإضافة إلى تحدي المشاكل الاجتماعية، والاقتصادية، وتأسيس “منظمة التجارة العالمية”؛ التي أثرت على الاقتصاد الإفريقي، وزيادة نفوذ التكتلات الكبرى المتمثلة في المنظمات الجيوثقافية المرتبطة بالقوى الأجنبية على حساب المنظمات الإقليمية الإفريقية.
2 – التعاون بين الكيانات الإفريقية : أنشأ بهذا الخصوص العديد من التجمعات الإقليمية الجديدة، كما تطورت تكتلات قارية أخرى كانت قائمة، وتهدف تلك التجمعات إلى إيجاد فضاء اقتصادي وسياسي خاص من خلال إقامة اتحاد شامل قائم على الإستراتيجية التنموية التكاملية تشمل الاستثمار في كافة المجالات، وإلغاء القيود على حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال والإقامة والملكية، كما تسعى إلى إحتواء بؤر التوتر وتسوية الصراعات فيما بين الدول الأعضاء، لتحقيق وحدة إفريقية قارية شاملة، مثل “اتحاد شرق إفريقيا”، وتجمع “السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا” المعروف، بـ (الكوميسا)، و”المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”، (الإيكواس)، و”مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي”، (سادك)،.. إلخ.
وعلى الرغم من التقدم الذي تحرزه بعض التكتلات الاقتصادية الإفريقية النشطة، إلا أن بلوغ مسألة التكامل الاقتصادي تعتريه صعوبات جمة، أبرزها : عدم وجود إرادة سياسية من أجل تنفيذ خطط التكامل، وتغليب الصراعات السياسية على المصالح الاقتصادية، وعدم موائمة البنى التحتية مع التكامل المادي. ورغم كل هذه الصعوبات تبقى تلك التكتلات الاقتصادية إطار مؤسساتي قاري يتيح فرص كبيرة لتحقيق التنمية لشعوب القارة، بعد أن يتم تأهيل تلك المجموعات ومواءمتها مع الإستراتيجيات وسياسات البلدان الإفريقية، لا سيما هناك عائد ديمغرافي يمكن استثماره من خلال التعليم الجيد، وتدريب المعلمين، والتكنولوجيا والإبتكار، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز الإنتاجية، وإيجاد فرص العمل.
تقدم “إفريقيا” اليوم؛ صورة دينامية، ولكنها متناقضة للتقدم المحرز والتحديات الكامنة، فمن ناحية، تخطّى النمو الاقتصادي في عدة بلدان إفريقية نظيره في أنحاء أخرى من العالم، فنسبة الإلتحاق بالتعليم الابتدائي في “إفريقيا”، جنوب الصحراء الكبرى، ارتفعت من 52% عام 1990 إلى 80% عام 2015، كما أن معدلات وفيات الأطفال شهدت انخفاضًا، إلا أن بعض مناطق “إفريقيا” تواجه تهديدات وتحديات نتيجة العنف المسلح وإنعدام الأمن البشري، وقد ترتب على استمرار النزاع أن ثلاثة من البلدان الأربعة التي تواجه حاليًا تهديدًا خطيرًا بالمجاعة تقع في “إفريقيا”، وما يلفت الإنتباه؛ وطبقا للغة الأرقام والمؤشرات، فقد شهدت بعض دول “إفريقيا” زيادة في الدخل الحقيقي بنسبة تتجاوز 30%، كما بلغت نسبة النمو المتوقعة في إجمالي الدخل القومي نحو 6% خلال السنوات العشر القادمة، ويوجد في “إفريقيا” سبع دول تُعد بين الدول العشر الأسرع نموًا من الناحية الاقتصادية في العالم، وهذا مؤشر لا بأس به لغرض تحقيق النهوض في القارة الإفريقية.
طوق نجاة القارة السمراء..
وصلت ظواهر التخلف والفساد والفقر في “إفريقيا”، بشكل عام، إلى درجة بالغة الخطورة، وأصبحت حكومات دول القارة مطالبة بالتغيير، لا سيما أمام حجم الحركات التمردية والثورية التي تعيشها شعوب القارة المنددة بسياسات رؤساء تلك البلدان، ولغرض مواجهة حجم التخلف الذي تعاني منه القارة الإفريقية، لابد من تنمية قدرات الطاقات البشرية، وتعزيز الكفاءات، واستثمار جميع الطاقات المتاحة للدول الإفريقية في مشاريع تنميتها واستغلالها بشكل علمي عبر التخطيط لإقامة صناعات صغيرة مطابقة للإمكانيات المتاحة في الدول الإفريقية نفسها، وكذلك وضع خطة للتعليم لتحقيق الاستقلال العلمي والتكنولوجي؛ لأن الاستقلال الاقتصادي والسياسي لا قيمة له ما لم يتحقق الاستقلال العلمي والتكنولوجي، إضافة إلى أهمية خلق “السوق الإفريقية الموحدة” والعمل على إدماج اقتصادها بالتكنولوجيا، وتكامل البنية التحتية فيما بينها؛ إلى جانب الإصلاح المالي والإداري.
ولأجل مواجهة المبادلات الاقتصادية اللامتكافئة، لابد من تغيير الأسلوب البدائي في قطاعي الزراعة والمعادن إلى أسلوب عملي مختلف يضمن إجراء عمليات تحسين مراحل تصنيع المواد الأولية لتنتج دخل جيد يمكنها من المضي في السير على طريق التنمية، لا سيما إن القارة تتوفر فيها المواد الأولية واليد العاملة الرخيصة.
أما مشكلة التمويل الخارجي؛ يتعين على الدول الإفريقية أن تعمل على أن تدخر جزء من عملاتها التي تستورد بها المواد المصنعة من الدول الأجنبية، وتوجه هذا الإدخار للاستثمار في المواد المصنعة والوسيطة والضرورية، وبذلك تحد إلى حد بعيد من القروض والتمويل الخارجي، وما يتعلق بموازين القوى ومواجهة تداعيات التفاوتات الدولية، لا يوجد حل إلا بالتكتلات الإقليمية سياسيًا واقتصاديًا، لغرض الإسراع إلى فض النزاعات وتثبيت دعائم التنمية والتكامل الاقتصادي.
وكل ذلك لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن هناك إرساء لدعائم الديمقراطية، وإفراز كفاءات غيورة على المصلحة الوطنية، تتوحد على المستوى القاري، مشكلين جميعًا جبهة متجانسة أمام الاستعمار الجديد وأساليبه، وللقضاء على التفتيت والتقسيم والخلافات التي ورثتها الدول الإفريقية نتيجة الاستعمار القديم.
أخيرًا.. بعد إختتام أعمال “القمة الإفريقية”، الثلاثين، في “أديس أبابا”، في كانون ثان/يناير 2018، أعلن رئيس الاتحاد الإفريقي، “بول كاغامي” أن: “القارة الإفريقية لم تعد تنتظر الإحسان القادم من الدول الأخرى لتحسين أوضاعها، وإنما ستعتمد على نفسها في استغلال مواردها الهائلة للقضاء على الفقر وتحقيق التقدم والرخاء لشعوبها، والعمل بقوة على محاربة الفساد الذي يعرقل تحقيق التنمية في القارة”. وأمام مسار الثورات، خاصة ما حصل في “السودان” مؤخرًا، والتي أصبحت تشكل خطرًا كبيرًا على مصالح الأنظمة الدكتاتورية يثار السؤال الجدلي.. هل ستكتفي القمم الإفريقية بالتصريح والتنديد والوعود، أم ستتحول وفق تحولات المرحلة السريعة والحرجة؛ لتكون حافزًا للتحول الديمقراطي والتغيير الذي لابد أن تشهده القارة الإفريقية ؟