خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن “العراق” بات وشيكًا من الدخول في علاقات أكثر توسعًا مع “روسيا”، خاصة في مجال الأسلحة، رغم ما ترسله “واشنطن” من تهديدات مستمرة بفرض العقوبات.
وفي خطوة فعلية، ناقش وزير الدفاع العراقي، “جمعة عناد سعدون”، أمس الإثنين، مع السفير الروسي لدى بغداد، “اإيلبروس كوتراشيف”، العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، وخصوصًا العسكرية منها.
وأوضحت “وزارة الدفاع” العراقية، في بيان؛ أن “سعدون” استقبل في مكتبه بالوزارة، السفير الروسي ووفد مرافق له، حيث بحثوا: “سُبل تطوير العلاقات العراقية الروسية”، ووصفها الوزير العراقي بالمتينة التي تربط الشعبين الروسي والعراقي في كافة المجالات، ولا سيما العسكرية منها.
من جانبه؛ جدد السفير الروسي؛ التأكيد على الدعم الروسي للحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب.
وكان السفير الروسي، الذي تم تعيينه مؤخرًا، قد التقى، الخميس الماضي، برئيس الوزراء العراقي، حيث أكد الجانبان على أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين، بجانب بحث التحضيرات الجارية لإنعقاد اللجنة الوزارية “العراقية-الروسية” المشتركة في العاصمة، “موسكو”، لتنمية التعاون في مختلف الأصعدة.
والتقى أيضًا، “كوتراشيف”، الأسبوع الماضي، بوزير النفط العراقي، “إحسان عبدالجبار”، لبحث سُبل التعاون، وعبر خلال اللقاء عن رغبة “روسيا” في زيادة مساحة التعاون مع “العراق” في مجال الطاقة.
وفي الثامن من نيسان/أبريل الماضي، أصدر الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، مرسومًا بإعفاء، “مكسيم مكسيموف”، من مهام السفير الروسي لدى “العراق”، وتم تعيين: “كيريلوفيتش كوتراشيف”، بدلاً منه.
خطط بعيدة المدى للحصول على مصادر جديدة للسلاح..
ونشرت (مجلة الدفاع الأميركية) تقريرًا تفصيليًا حول التطلعات العراقية في ذلك الاتجاه.
الدورية الأميركية المُختصة بشؤون التسلح؛ أجرت عددًا من اللقاءات مع مستشاري المؤسسات الدولية للتسلح، الذين أجمعوا بأن “العراق” يملك خططًا بعيدة المدى للعثور على مصادر جديدة لتوريد الأسلحة، وأن تفضيلها للأسلحة الروسية يتأتى من تفصيلين مهمين، يتعلق الأول بمنظومات الأسلحة الروسية التقليدية التي ما تزال تُستعمل في “العراق”، مثل منظومة الدفاع الجوي الروسية، (بانتسير)، كذلك مجموعة من طائرات الهليكوبتر الهجومية من نوع ( MI24)، والأسلحة الروسية المنوي شراؤها يُمكن ربطها بسهولة بتلك المنظومات. كذلك فإن الوزن السياسي الدولي لـ”روسيا”، بالذات من منطقة الشرق الأوسط، ومن حيث كونها عضو دائم في “مجلس الأمن”، يُعطيها الأولوية في “العراق” في ملف شراء الأسلحة.
شراء نوعين من الأسلحة..
وأكد الخبراء في شؤون الأسلحة؛ بأنه ثمة مستويين مختلفين من الأسلحة الروسية التي يُمكن لـ”العراق” الإقدام على شرائها. المنظومات التقليدية التي قد لا تؤثر على منظومات الدفاع الأميركية والأوروبية في “العراق”، وعموم المنطقة، مثل منظومة الدفاع، (S-300)، وطائرات (السوخوي) بمختلف أنواعها، وثمة المنظومات الدفاعية المُعقدة، كنظام، (S-400)، للدفاع الجوي، التي قد تتداخل وتفكك منظومات الدفاع الجوي الأميركية في “العراق”، وعموم المنطقة. وحيث إن الإقدام على شراء هذه المنظومات المتطورة ستُعرض “العراق”: لـ”غضب” أميركي، وربما عقوبات.
عقوبات بحسب قانون “كاتسا”..
كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية في عهد الإدارة الأميركية السابقة، “هيذر نويرت”، قد قالت في تصريحات علنية؛ بأن “العراق” سيتعرض لـ”عقوبات أميركية”، حسب (قانون كاتسا) الأميركي؛ إذا ما أقدم على شراء منظومات روسية متطورة للدفاع الجوي، وأن حكومة بلادها قد تواصلت مع الحكومة العراقية بذلك الشأن، و”العراق” يعرف جيدًا تبعات فعل كذلك. ولم تُصدر مؤسسات الإدارة الأميركية الجديدة أي شيء قد يكون مناقضًا لذلك، ما يعني بأن المُحددات الأميركية ما تزال سارية المفعول.
إعادة عقيدة التسليح للجيش..
حول ذلك؛ يرى الخبير الأمني، “صفاء الأعسم”، أنه: “بعد سقوط النظام العراقي السابق، في العام 2003، وقعت اتفاقية إستراتيجية بين “العراق” و”الولايات المتحدة”، حول تغيير عقيدة تسليح الجيش العراقي من شرقية إلى غربية، حيث كان “العراق”، ومنذ منتصف القرن السابق، يستورد السلاح الروسي”.
وتابع “الأعسم”؛ بالقول: “بعد العام 2014، أصبحت الأمور واضحة بعدم جدية الولايات المتحدة في تزويد العراق بالسلاح، حيث أن المعدات الأميركية لدى الجيش العراقي باتت قديمة الآن، الأمر الذي دفع بالعراق إلى التوجه نحو دول أخرى، وهو موضوع ينبغي معه إعادة عقيدة التسليح الشرقية للجيش العراقي”.
مضيفًا أن: “مازال العراق يفتقر إلى السلاح الجوي، حيث لا يستطيع صد الصواريخ أو الطائرات إلا بمساعدة أميركية، وقد توجه العراق نحو: روسيا وفرنسا، إلا أن الولايات المتحدة تعترض على ذلك بناء على الاتفاقية بين الجانبين، العراقي والأميركي، فهي تخشى من وصول السلاح إلى جهات أخرى”.
العراق مازال يعيش حرب..
ويشرح المحلل العسكري العراقي، “ممدوح علوان الجنابي”، في حديث مع (سكاي نيوز عربية)؛ الضغوط التي يتعرض لها “العراق”، راهنًا في ظلال هذه الثنائية: “في المحصلة؛ فإن العراق ما يزال يخوض حربًا، وإن كانت داخل أراضيه، لكن الجيش العراقي والمؤسسات الرديفة له تعيش حربًا في مواجهة تنظيم (داعش)، الذي يُظهر مناعة شديدة على الإندثار، في نفس الوقت فإن أكبر قوة مساندة له في هذه الحرب، أي قوى التحالف الدولي، تتعرض لهجمات عسكرية من قِبل قوى رئيسة من داخل العراق. في هذا الوقت، فإن العراق يتوقع مغادرة قريبة لقوى التحالف الدولي من أراضيه، وتاليًا إمكانية الهزيمة، أو على الأقل التضعضع، في مواجهة (داعش)”.
اتفاقيات “عراقية-روسية” مسبقة..
يُذكر أن “العراق” كان من أهم الموردين والشركاء العسكريين لـ”روسيا”، أو “الاتحاد السوفياتي” سابقًا، منذ أوائل السبعينيات من القرن المنصرم، حينما وقع الطرفان معاهدة الصداقة الشهيرة، عام 1972، التي رفعت مستويات التسلح للجيش العراقي بطريقة لافتة، بعد شراء “العراق” لأسلحة روسية بقيمة فاقت: 30 مليار دولار، خلال ثلاثة عقود. تلك العلاقات العسكرية بين البلدين أستؤنفت، عقب العام 2008، بعد إقدام “روسيا” على إلغاء ديون الأسلحة المتراكمة مع الحُقبة السوفياتية، التي بلغت قرابة: 13 مليار دولار، مقابل عقود في مجال “النفط”، بالذات في مشروع حقل “غرب القرنة”، الذي تتجاوز طاقته الإنتاجية: 12% من إنتاج “العراق” للنفط.
واعتبارًا من العام التالي، بدأ “العراق” بشراء الأسلحة الروسية، منها صفقة لشراء 36 مروحية قتالية؛ بقيمة 1.3 مليار دولار، وعقد آخر بقيمة 4 مليارات دولار لتزويد منظومة (بانتسير) الروسية بالصواريخ اللازمة، واستمرت العقود التفصيلية، بين البلدين بمعدل 1.7 مليار دولار وسطيًا، لكن دون أية عقود حول أسلحة إستراتيجية.
تحذيرات من خلق شراكات إستراتيجية..
وسبق وأن حذر قائد القيادة المركزية الأميركية، “فرانك ماكينزي”، في تصريحات لوكالة (أسوشيتد برس)، من التمادي الروسي والصيني في مناطق النفوذ الإقليمي، التي تسعى “الولايات المُتحدة” للانسحاب منها، بالذات من حيث خلق شراكات إستراتيجية في مجال الأسلحة. الجنرال الأميركي؛ كان يعني تدهور الأوضاع وفرض العقوبات بين “الولايات المُتحدة” و”تركيا”، عقِب شراء الأخيرة لمنظومة دفاع روسية، وإمكانية إنطباق الأمر على “العراق” نفسه، بالذات بعد إعلان شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية؛ استعادة طائرتها المقاتلة من طراز ( F16K)، لإنقاذ طواقمها من الهجمات الصاروخية للميليشيات، الأمر الذي قد يدفع “العراق” لشراء منظومات دفاعية بديلة.
تحديث واستبدال الأنظمة القديمة..
كما شرح كبير المستشارين في برنامج العلاقات المدنية العسكرية في الدول العربية، في مركز (كارنيغي) للشرق الأوسط، “آرام نركيزيان”، في مقابلة مع موقع (ديفينس)؛ صعوبة الخيارات العراقية من القدرة على الموازنة بين “الولايات المُتحدة” و”روسيا”، داخل “العراق”.
موضحًا: “إن بإمكان روسيا، بالتأكيد أن تلعب دورًا في تحديث أو استبدال بعض أنظمة العراق القديمة. في وقت يواصل العراق تشغيل مروحيات هجومية روسية المصدر. لقد باعت روسيا بالفعل نوعًا مختلفًا من دبابات القتال ( T-90S)، لكن السؤال الأكبر حول كيف يمكن لـ”العراق” الحفاظ على أسطول مختلط من الدروع الأميركية والروسية. يمكن لـ”روسيا” أيضًا أن تحاول بيع أنظمة “العراق”، التي يمكنها زيادة التنقل المدرع والطائرات متعددة المهام ثابتة الجناحين – طائرات من الجيل (4.5)، مثل: ( Su-35 ) ومشتقاتها – ومواصلة استكشاف طرق لتقديم خيارات لـ”العراق”، لأنظمة الدفاع الجوي متعددة الطبقات “.
سعر الأسلحة يساعده في الاختيار..
وقال المحلل في ( Gulf State Analytics)، “ألكسندر جليل”: “ليست هناك حاجة لمقاتلات (سوخوي-57) و(إس-400)، بالنظر إلى المشاكل المالية الداخلية التي تواجه العراق”. في الوقت نفسه، أقر بأن الأسلحة الروسية عادة ما تكون أرخص من الأسلحة الأميركية، ما يساعد على اتخاذ خيار في مصلحتها.