خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
تُهدر “طهران” و”الرياض” موارد هائلة للإنفاق على الحرب الباردة الدائرة بينهما, والتي دمرت حياة ملايين البشر بعيدًا عن حدودها.
لكن رحيل “الولايات المتحدة”، قريبًا من المنطقة، يُنذر ببدء اشتعال الحرب المباشرة بين قٌطبي المعسكرين، السُني والشيعي. بحسب الكاتب والمحلل الإسرائيلي، “شاؤول يناي”، في مقال له بصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، حيث تطرق إلى الصراع غير المباشر, بين النظامين الشيعي، في “طهران”، والسُني، في “الرياض”.
مشيرًا إلى أن “المملكة العربية السعودية” و”إيران”، باعتبارهما دولتين محوريتين في المنطقة؛ تتنافسان طيلة العقد الأخير على بسط نفوذهما في الشرق الأوسط؛ بل وفي العالم الإسلامي بأكمله.
التناحر المذهبي..
يشير “يناي” إلى أن نظام الحكم الديني هو السائد في الدولتين، فيما تعتقد كل منهما أن الله قد عهد إليها، دون غيرها، بمهمة نشر الرسالة الموحدة على جميع المسلمين.
مضيفًا أن “السعودية” و”إيران” لا تتورعان عن استخدام كل الوسائل المتاحة لتحقيق النصر في تلك الحرب، شريطة أن تدور رحاها بعيدًا عن حدودهما المشتركة.
وبحسب المحلل الإسرائيلي؛ تعتقد السلطات، في كل من “إيران” و”المملكة العربية السعودية”، أن عصر القومية العلمانية قد إنتهى وأنه قد حان وقت العودة للإسلام، كإطار ديني وسياسي موحد. فيما تستند قوانين الدولتين إلى الشريعة الإسلامية وفق مذهب كل منهما، بل إن كل مذهب يُكفر الآخر ويرى وجوب القضاء عليه أو الإرتداد عنه على أقل تقدير.
على شفا الحرب المباشرة..
يوضح “يناي” أن النُخب الحاكمة في “إيران” و”السعودية” ترى أن عصر الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط أوشك على الإنتهاء، وهذا الأمر تدركه “إيران” منذ فترة طويلة، فقد توقعه آية الله “الخميني”، عندما أطلق مقولة: “لا شرق، ولا غرب، بل الإسلام فحسب”. مستشعرًا أن ذلك التحول سيؤدي حتمًا إلى انتصار “الثورة الإسلامية” في “إيران”.
في المقابل؛ فإن “المملكة العربية السعودية”، كانت تُفضل استمرار بقاء التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، ولكن الواقع أصبح مختلفًا، لذا تستعد “الرياض” لليوم الذي ستضطر فيه إلى خوض صدام مباشرة – دون دعم أميركي – مع التحالف الشيعي بزعامة “إيران”.
وتكمن خطورة تلك المفاهيم، التي تتبناها “الرياض” و”طهران”، في أنها تؤجج سباق التسلح الإقليمي غير المسبوق، وقيام تحالفات محلية وإقليمية، (تشارك إسرائيل في أحدها على الأقل)، بل والاستعداد للمرحلة التالية من الحرب الباردة بين “إيران” و”المملكة العربية السعودية”؛ ألا وهي مرحلة الحرب المباشرة.
حلفاء المحورين السُني والشيعي..
يتوقع المحلل الإسرائيلي، في حال نشوب حرب مباشرة بين “إيران” و”المملكة السعودية”، أن يشمل معسكر “إيران” كل من “سوريا” و”العراق”؛ بالإضافة إلى عدة تنظيمات يصفها بالإرهابية، مثل “حزب الله” اللبناني و”الجهاد الإسلامي” الفلسطيني والميليشيات الشيعية، مثل “الحشد الشعبي”، (في العراق)، و”أنصار الإسلام”، (الحوثيين في اليمن).
أما القوى التي من المنتظر أن تدعم “المملكة العربية السعودية”؛ فهي كل من “الإمارات العربية المتحدة” و”الأردن” و”مصر”؛ بل وحتى “إسرائيل”، التي قد تتمثل مهمتها في قطع الطريق على القوات الموالية لـ”إيران” ومنعها من مغادرة حدود “سوريا” و”لبنان”.
وعلى أية حال؛ فهذا مجرد سيناريو محتمل؛ حيث يصعب التنبؤ بالدور الذي يمكن أن يقوم به جيشا “سوريا” و”العراق” – وهما لم يستعيدا جهوزيتهما بعد – في حرب إقليمية.
كما يصعب أيضًا تخيل أن يخاطر “الأردن” بحرب مع “العراق”، وهو الجار القوى في الشرق.
“الحرب الباردة” والمفهوم الخاطيء !
يرى “يناي” أن مفهوم “الحرب الباردة”، المستعار من الحرب الماضية بين “الولايات المتحدة” و”الاتحاد السوفياتي”، يعد مفهومًا مضللًا، فلقد قُتل أكثر من مليون شخص خلال العقد الماضي وأُصيب الملايين في تلك الحرب، “الباردة”، التي يشهدها الشرق الأوسط.
وهناك أكثر من 20 مليون مواطن أصبحوا لاجئين، سواء في بلدانهم أو في بلدان أخرى. وكادت بعض الدول مثل “سوريا” و”العراق” و”اليمن” أن تنهار تمامًا، بعد تدمير جزء كبير من بنيتها التحتية؛ فيما تقدر الأضرار المباشرة بأكثر من تريليون دولار، ويتطلب الأمر مئات المليارات لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
الرياض وطهران تتحملان المسؤولية..
بحسب المحلل الإسرائيلي؛ فإن الجزء الأكبر من مسؤولية القتل والتدمير يقع على عاتق “إيران” و”المملكة العربية السعودية”، لأنهما تورطتا ولا زالتا تتورطان بشدة في تلك الحروب، إما بشكل مباشر، (مثلما تدخلت السعودية في اليمن، ومثلما تدخلت إيران في العراق وسوريا)، أو بشكل غير مباشر؛ عبر تمويل المقاتلين “المتطوعين” وإرسال عشرات الآلاف منهم للقتال في مختلف الجبهات.
الأمل في جيل الشباب !
ختامًا يؤكد “يناي” على أن ما أسماه الفكر الإسلامي المتشدد، الذي تفرضه “إيران” و”المملكة العربية السعودية” على الشرق الأوسط، لم يعد يروق لجيل الشباب، الذي يمثل أكثر من نصف سكان المنطقة.
فهذا الجيل، مثل نظرائه في أرجاء المعمورة، بات أكثر انتقادًا وانفتاحًا على العالم ولم يعد يشبه الأجيال السابقة؛ فهو يناضل للحصول على مزيد من الحريات والحقوق، كما ينبذ الأفكار الدينية المتشددة.
وما يدرينا؛ فلعل هذا الجيل المختلف من الشبان والشابات في “إيران” و”السعودية”، هو الذي سيوقف تلك “الحرب الباردة” في الشرق الأوسط؛ ويحول دون خطر تحويلها إلى حرب شاملة.