خاص: إعداد- سماح عادل
إنشاء أول أستوديو سينمائي في العراق واسمه (أستوديو بغداد) جعل إنتاج فيلم عراقي حلم سهل التحقيق بعد أن اعتبرها الفنانون العراقيون حلماً صعبا، ولم تكن القصة هي العقبة الأساسية التي وقفت في وجه القائمين على تنفيذ ذلك المشروع، فقد اختاروا قصة (عليا وعصام) التي كتبها “أنور شاؤول”، إنما العقبة كانت في عملية الإخراج السينمائي بسبب عدم وجود مخرجين عراقيين دارسين للإخراج السينمائي.
لذا تم ترتيب جلب المخرج الفرنسي “أندريه شاتان” والذي تقاضى مبلغ ثلاثة آلاف دينار من شركة (أستوديو بغداد) مقابل إخراج فيلم (عليا وعصام)، وتم جلب مهندس الإضاءة الفرنسي “جاك لامار”، وتولى “عبد الخالق السامرائي” مسؤولية هندسة الصوت، وكان “يحيى فائق” و”أكرم جبران” من تولا مهمة مساعدة المخرج، وبالنسبة للممثلين الذين مثلوا في الفليم، فكانوا جميعهم من العراقيين.
أولهم “إبراهيم جلال” الذي قام بأداء دورين في الفيلم، دور (عصام) الابن ودور الوالد (الشيخ سعد)، وأدى دور (الأمير جسام) “فوزي محسن الأمين” وأدى دور (الشيخ نايف) “جعفر السعدي”، وأدى دور (مطشو)الممثل الكوميدي “عبد الله العزاوي”، ولم يكتف “يحيى فائق” بوظيفة مساعدة المخرج، بل شارك أيضاً بالتمثيل من خلال أدائه شخصية (ذياب).
ولم تشكل العناصر النسائية عقبة فقد مثل في الفيلم أربع ممثلات عراقيات (سليمة مراد) التي أدت دور (نائلة) و(عزيمة توفيق) التي أدت دور (عليا) و(اعتدال يوسف) التي قامت بدور (نبعة)، و(أحلام إبراهيم) التي أدت دور (روضة)، وقد تناول الفيلم قصة الحب التي جمعت بين قلبي (عليا وعصام) لكن ذلك الحب الصادق حاصرته أحقاد بسبب صراعات قديمة بين قبيلة (عصام) وقبيلة (عليا).
عرض الفيلم أول مرة في مساء يوم السبت الموافق 12 آذار 1949 على شاشة سينما “روكسي” وتم التبرع بدخل الحفل لمصلحة الجيش العراقي، واستمر عرض الفيلم لأسبوعين، ثم انتقل بعد ذلك إلى شاشة سينما الارضراوملي ابتداء من 4 نيسان 1949 لفترة أسبوع واحد.
ليلى في العراق..
وفي 19 نيسان 1949 أي بعد أسبوعين من انتهاء عرض فيلم (عليا وعصام) نشرت الصحف ذلك الإعلان (تعلن إدارة أفلام محمد سلمان بأنها ستبدأ في إنتاج أول أفلامها في أستوديو بغداد قريباً جداً وأنها بحاجة إلى وجوه جديدة من الفتيات العراقيات والمثقفات الرجاء ممن ترى في نفسها الكفاءة وترغب في الظهور في الفيلم أن تراجع الإدارة في عمارة روكسي بأقرب فرصة)، وكان ذلك الإعلان بداية العمل في ثالث أفلام الإنتاج السينمائي المشترك، لكنه كان في هذه المرة إنتاجاً مشتركاً مع لبنان من خلال شركة “أفلام محمد سلمان”، وقد دفع النجاح الجماهيري لفيلم (عليا وعصام) والإيرادات المادية الكبيرة التي حققها لإنتاج الفيلم الجديد (ليلى في العراق) الذي أخرجه المخرج المصري “أحمد كامل مرسي” وكتب قصته ووضع ألحانه “محمد سلمان”.
أصبح جلياً أن أفلام الإنتاج المشترك لم تستوعب تماماً كل طاقات الممثلين العراقيين، والدليل أن بعضهم لم يكن راغباً في انتظار تلك الأفلام حتى تأتي إليه، بل كان يفضل البحث عن فرصته السينمائية في أفلام يتم إنتاجها خارج العراق، وهذا ما سعت إليه الفنانة العراقية “نظيمة إبراهيم” عندما شاركت المطرب المصري “محمد الكحلاوي” في بطولة فيلم (ابن الفلاح) الذي عرضته سينما ريجنت مساء الجمعة 22 نيسان 1949.
ولم يكن فيلم (ليلى في العراق) الذي كتب حواره “سليم بطي” وكتب السيناريو مخرجه “أحمد كامل مرسي” أفضل حالاً من فيلمي (القاهرة بغداد) و(ابن الشرق) فقد عانى من القصة الملفقة الأحداث.
افتقد فيلم (ليلى في العراق) شيئاً هاما وهو الصدق الفني الذي من دونه تصبح الأعمال الدرامية عاجزة عن الإقناع والتأثير، ولم يقوي من موقف للفيلم ذلك العدد الكبير من الفنانين المشاركين في بطولته “إبراهيم جلال وعفيفة اسكندر ومحمد سلمان وجعفر السعدي وعبد الله العزاوي”، ولم تنقذه الاستعراضات الغنائية الراقصة التي بهرت وأدهشت الجمهور لبعض الوقت، لكنها مع ذلك لم تخف عيوب الفيلم.
انتهت فترة الأربعينيات من القرن العشرين دون أن تتم صناعة الفيلم العراقي السينمائي الذي يعتمد بشكل كامل على الجهود العراقية في التأليف والتمثيل والتصوير والإخراج والإنتاج، وبرغم أن تلك الأفلام الأربعة (القاهرة بغداد) و(ابن الشرق) و(عليا وعصام) و(ليلى في العراق) قد اعتمدت على جهود بعض المنتجين والممثلين والفنيين العراقيين، إلا أنها جميعاً افتقدت (المخرج العراقي) الذي يقود العمل السينمائي ويوجهه التوجيه الواعي.
ومع نهاية الأربعينيات بات جليا أن إنشاء الاستوديوهات ودور السينما ليس بالأمر الكافي لنشأة سينما وطنية صاعدة، لأن الأمر يحتاج إلى الكوادر الفنية اللازمة لكل قطاعات العمل السينمائي، وأيضا من الضروري وجود المناخ الاجتماعي والثقافي العام الذي يهيء الظروف لنشأة سينما وطنية حقيقية عن طريق التشجيع الجاد للجهات الرسمية المسئولة، فهل تحققت كل تلك الشروط في الخمسينيات؟
صناعة سينمائية وطنية..
بعد إغلاق (أستوديو بغداد) وبعد تواضع تجارب الإنتاج السينمائي الأولى خفت الأمل في إمكانية نشأة صناعة سينمائية وطنية في العراق، وتغلب على محبي الفن السينمائي والهواة الإحباط واليأس، وأصبح السؤال الذي يشغل الجميع هو، هل ستمضي الخمسينيات أيضاً من دون أن تبدأ صناعة السينما العراقية؟ وظلت الأفلام الأمريكية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية والمصرية والهندية تعرض على شاشات دور العرض السينمائي العراقية.
إلى جانب الأفلام التركية التي عرضت في ذلك الوقت مثل فيلم (الله يجازيك) و(الغجرية الحسناء) و(أرز وقمبر) و(طاهر وزهرة)، والفيلمين الآخرين تم تصويرهما في العراق، عرض الفيلم الأول (أرز وقمبر) على شاشة سينما الرشيد ابتداء من الخميس 3 شباط 1955، والفيلم الثاني (طاهر وزهرة) فقد عرض على سينما الرشيد ابتداء من الخميس 15 آذار 1956، كذلك وجد كان للفيلم الإيراني نصيبا في العرض على شاشات دور السينما العراقية مع بدايات الخمسينيات وكان أهمها أفلام (ليالي طهران) و(نرجس ومراد) و(ولكرد) و(قصة حياتي) و(فتاة شيراز) و(الأمير ارسلان) و(بنت الراعي) و(المليونير).
في 1954 أعيد افتتاح (أستوديو بغداد) وظهر من جديد الأمل في صناعة سينما وطنية عراقية وبدأ العمل الجاد بهدف إنتاج أول فيلم عراقي خالص، ومن قام بمهمة إخراجه المخرج العراقي “حيدر العمر” كما تولى مهمة السيناريو إلى جانب الإخراج، لكن فيلم (فتنة وحسن) الذي شرعت في إنتاجه شركة (دنيا الفن) واجهته ظروف سيئة أوشكت على تعطيل إنتاجه وصناعته، لكن حلت الخلافات واستمر العمل مرة أخرى في فيلم (فتنة وحسن) الذي الجميع يترقب انتهاء صناعته بلهفة.
أرادت سينما الرشيد تذكير الجمهور بالأفلام السابقة التي شارك فيها ممثلون عراقيون مع اقتراب موعد عرض أول فيلم عراقي خالص وهو (فتنة وحسن) فأعادت عرض فيلم (عليا وعصام) مدة أسبوعين في العاشر من شباط 1955، ثم عرضت فيلم (ليلى في العراق) بعده مباشرة، وفي مساء الاثنين 20 حزيران 1955 عرض الفيلم المنتظر (فتنة وحسن) أول مرة في العراق على شاشات أربع دور للعرض في وقت واحد هي (سينما القاهرة الشتوية وسينما الهلال الصيفية وسينما القاهرة الصيفية ببغداد وسينما الحمراء في البصرة)، واستمر عرض الفيلم بداري (سينما القاهرة الشتوية وسينما الهلال حتى 7 تموز 1955). وقد أدى أدوار الفيلم الرئيسية (ياس علي الناصر ومديحة رشدي وعبد المنعم الدروبي وسلمى عبد الأحد وغازي التكريتي)، وحقق فيلم (فتنة وحسن) نجاحاً جماهيرياً كبيرا حيث تخطى كل التوقعات.
ثم قدمت بعد ذلك أفلام هزيلة في معالجتها للموضوعات، وكان هناك أفلام قليلة ذات قصص إنسانية مثل فيلم (سعيد أفندي) الذي أخرجه “كاميران حسني” ومثل فيه “يوسف العاني وفخرية عبد الكريم”- وفيلم (الحارس) الذي أخرجه “خليل شوقي” ومثل فيه “قاسم حول، زينب، مكي البدري، كريم عواد”. إلى جانب أفلام (ارحموني. عروس الفرات. نبوخذ نصر. والمنعطف).
وفي فترة الخمسينيات من القرن العشرين أيضا تأسست وحدة الأفلام في شركة نفط العراق، ووحدة مكتب الاستعلامات الأمريكي. التحق بهاتين الوحدتين عدد من المصورين العراقيين الذين اكتسبوا منها الخبرات الحديثة. وكانت وحدة شركة النفط تقدم أفلاما إخبارية بعنوان “بلادنا” إلى جانب أفلام خاصة مثل (منقذ العراق) الذي تناول فيضان 1954 وفيلم (السيطرة على المياه) وهو عن مشروع الثرثار، وفيلم(جيلنا الرياضي).
وفي ذلك الوقت كانت وزارة المعارف تهتم بالسينما من خلال وحدة تعليمية خاصة، وكانت تنتج أفلاما قصيرة وإخبارية تصور النشاطات التعليمية. ومن أبرز من عملوا فيها “كريم مجيد”، الذي يعتبر أول من قام بالتصوير السينمائي في العراق.
أفلام السينما والمسرح..
كما صنعت هيئة السينما والمسرح أفلاما إخبارية خلال السنوات العشر الأولى من وجودها ومنها: فيلم (جواد سليم) من إخراج “فكتور حداد” وفيلم (صياغة الفضة) من إخراج “فكتور حداد” وفيلم (بغداد عبر العصور) من إخراج “فكتور حداد” وفيلم (عودة إلى البصرة) من إخراج “محمد شكري جميل” وفيلم (التصوير الصحفي في العراق) من إخراج “كاظم العمري”. وفيلم (وادي الحضارات) من إخراج “عبد اللطيف الصالح ومحمد شكري جميل”، وفيلم (ماسات شعب) من إخراج “كمال عاكف” وفيلم (النهاية) من إخراج “عباس الشلاه”، وفيلم (قصة مصورة) (طريق النصر) (تساؤل) (ريشة وسكين) (الدائرة) (أعياد) (بغداد في المرآة) (البداية).
الفيلم التسجيلي..
شهدت فترة السبعينيات من القرن العشرين تحولا هاما في فهم السينما في العراق. وقد تجاوز الفيلم التسجيلي الشكل الإخباري الذي يؤرخ حدثا، يتخذ منه الفنان موقف المسجل والمراقب ويمتلئ بوجهات نظر صانعوه لما يحدث مؤكدين اختيارهم وآراءهم وتفكيرهم.
مع العلم أنه في سنة 1960 تأسست أول مؤسسة حكومية تعني بالسينما. وفي عام 1966 أنتج فيلم (الجابي) من إخراج “جعفر علي” وبعد عرضه تتابعت أفلام تلك المؤسسة فأنتج فيلم (شايف خير) ل”محمد شكري جميل” وفيلم (جسر الأحرار) ل”ضياء البياتي”. وفي 1973 أنتج فيلم (الضامئون) الذي يعتبر علامة مميزة في السينما العراقية، وهو من إخراج “محمد شكري جميل”. وبعد سنة 1968 صدر قانون دمج المصلحة بالمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون.
وفي عام 1972 صدر قانون فصل المؤسسة من الإذاعة وتحويلها إلى مؤسسة تعني بشؤون السينما والمسرح.. وفي سنة 1975 استطاع الفيلم العراقي الوثائقي تسيد الموقف الفني فاشترك بمهرجانات سينمائية عالمية منها (لايبزج موسكو كار لو فيفاري طشقند قرطاج) ووصل معدل ما أنتج من أفلام وثائقية إلى أربعين فيلما. تناولت موضوعات عديدة علمية وتربوية وتأهيلية وثقافية.
أما الأفلام الروائية فقد تميزت: بتناولها الواقع الموضوعي للمجتمع مثل أفلام (بيوت في ذلك الزقاق) و(التجربة) و(النهر) وكانت على التوالي من إخراج (قاسم حول. فؤاد التهامي. فيصل الياسري) وقد عرضت هذه الأفلام بعد الإنتاج الأول للمؤسسة وكان فيلما بعنوان (الرأس) للمخرج “فيصل الياسري”.
لقد وفرت المؤسسة أجهزة ذات مستوى عال وأوجدت كوادر فنية متخصصة في الحقل السينمائي من خلال الدورات في العراق أو دورات تدريبية خارجه.
وفي سنة 1978 تم إنتاج الأفلام الروائية التالية: (يوم آخر). ل”صاحب حداد”. وفيلم (الأسوار) ل”محمد شكري جميل”. وفيلم (الباحثون) ل”محمد يوسف الجنابي”. إلى جانب العديد من الأفلام القصيرة. وقد كان العراق يعتمد على السينما المصرية منذ عام 1948 حتى 1978 حتى مضت عشر سنوات بعدها ليكون هناك إنتاج سينمائي عراقي خالص يعالج المشكلات العملية.
وفي 1/4/1973 حظر استيراد وتوزيع الأفلام على القطاع الخاص وتم حصره بالدولة ومديرية استيراد الأفلام في المؤسسة العامة للسينما والمسرح. إلا أن القطاع الخاص لم ينتج أي عمل له قيمه فنية وفعلية لأنه كان يفتقر للأسس الإنتاجية الصحيحة وإلى القاعدة الاقتصادية التي تنهض عليها إضافة إلى فشل في إيجاد الأسواق التي تمتص إنتاجه وتدر عليه المواد الكفيلة في إدامته. فانتهى تقريبا. وفي 1975 صدر قانون المؤسسة العامة للسينما والمسرح.
يمكن القول أن النماذج الأولى للأفلام العراقية تأثرت بالاتجاه التقليدي مثل مجموعة الأفلام (عليا وعصام) (القاهرة بغداد) (ابن الشرق) (ليلى في العراق) (فتنة وحسن) (ندم)، وقد شهدت فترة الستينات إنتاج 26 فيلما إلى 1979. أما نماذج الاتجاه الثاني فتتمثل في فيلم (من المسئول) و(سعيد أفندي) فلقد حاول هذان الفيلمان اليتيمان في مرحلة البداية بلوغ أقصى حالة ممكنة لتجاوز مجموعة من التجارب في السينما العراقية. وهناك رؤوس أموال افتتحت شركات وحققت أرباحا وأغلقت بعدها شركاتها مستغلة بذلك الجمهور. وبالمناسبة إن جميع الأفلام العراقية لم تخسر سوى فيلم (نبوخذ نصر) الذي أراد له مخرجه (كامل العزاوي) أن يكون بالألوان وقد كلف ذلك ميزانية ضخمة. واستطاع فيلم (الحارس) أن يحقق نقلة كبيرة في الشكل والمضمون لخلق فيلم عراقي جاد.