10 أبريل، 2024 5:19 م
Search
Close this search box.

“ألكسندر دوما”.. عانى من العنصرية وتم الاعتراف بقيمته بعد موته

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“ألكسندر دوما” كاتب فرنسي شهير، تُرجمت أعماله إلى لغات عدة، ويعتبر من الكتاب الفرنسيين المعروفين في العالم.

حياته..

اسمه عند الولادة “دوما ديفي دي لا باليتيري” (24 يوليو 1802 – 5 ديسمبر 1870). وُلد الجنرال توماس ألكسندر ديفي دي لا باليتيري، والد دوما، في المستعمرة الفرنسية “سان دومينيك” وهي حاليا تعرف ب”هايتي”، لأب فرنسي نبيل وأم من الرقيق ذات أصول أفريقية تُدعى “ماري سيسيت”. في سن 14 عاما انتقل “توماس ألكسندر” مع والده إلى فرنسا حيث تلقى تعليمه في أكاديمية عسكرية والتحق بالجيش ليحظى بعد ذلك بمهنة ناجحة. اتخذ توماس ألكسندر لقب والدته (دوما) بعدما انقطعت علاقته بوالده. تمت ترقيته إلى رتبة جنرال في سن 31 عامًا، وهو أول شخص تنحدر أصوله من أفارقة الأنتيل يصل إلى تلك الرتبة في الجيش الفرنسي.

وُلد دوما “ديفي دي لا باليتيري” (المعروف لاحقا باسم ألكسندر دوما) في العام 1802 في فيلير كوتيري من إقليم أن في بيكاردي، فرنسا. تزوج والده “توماس ألكسندر دوما” ابنة صاحب نُزُل تُدعى “ماري لويز إليزابيث لابوريت”، وأنجبا شقيقتين أكبر سنا من “ألكسندر” وهما “ماري ألكسندرين” (مواليد 1794) و”لويز ألكسندرين” (1796-1797).

خدم بتميز في حروب الثورة الفرنسية، وكذلك كجنرال عام في جيش البرانس وكان أول رجل أسمر البشرة يعتلي ذلك المنصب. فقد “توماس ألكسندر دوما” الدعم الذي كان يتلقاه بحلول العام 1800 وطالب بالعودة إلى فرنسا على الرغم من كونه جنرال تحت قيادة بونابارت في إطار الحملات على إيطاليا ومصر. عند رجوعه، أُجبرت سفينته على أن ترسو في تارانتو، مملكة نابولي، حيث تم احتجازه هو وغيره كأسرى حرب.

تُوفي “توماس ألكسندر دوما” متأثرا بمرض السرطان في سنة 1806 عندما كان “ألكسندر دوما” في الرابعة من عمره. لم تتمكن والدته الأرملة “ماري لويز” من تحمل نفقات إعالة وتعليم ابنها، إلا أن “ألكسندر دوما” عكف على قراءة كل ما يقع بين يديه وعلّم نفسه اللغة الإسبانية. حظت الأسرة بسمعة الوالد المتميزة ورتبته الأرستقراطية بالرغم من حالتهم المادية الصعبة مما ساهم في تقدم “ألكسندر دوما” في حياته. انتقل “ألكسندر دوما” ذو العشرين عاما إلى باريس سنة 1822 بعد استعادة الملكية. شغل هناك منصبا في القصر الملكي في مكتب لويس فيليب، دوق أورليان.

الكتابة..

أثناء عمله لدى “لويس فيليب”، بدأ “دوما” بكتابة مسرحيات ومقالات للمجلات. عند بلوغه سن الرشد اتخذ لقب جدته (دوما) التي كانت من الرقيق سائرا على خطى والده من قبله. تم إنتاج أول مسرحياته بعنوان “هنري الثالث وبلاطه” في 1829 عندما كان يبلغ من العمر 27 عاما ولاقت الكثير من الاستحسان. في العام التالي حازت مسرحيته الثانية بعنوان “كريستين” نفس القدر من الشعبية. وفرت له تلك النجاحات الدخل الكافي للكتابة بدوام كامل.

في 1830 شارك “دوما” بـثورة يوليو التي أطاحت بـ”شارل العاشر” وتم فيها تعيين رب عمل “دوما” السابق دوق أورليان بدلا منه على العرش حيث حكم تحت لقب “لويس فيليب” الملقب بالملك المواطن. كانت الحياة مضطربة في فرنسا حتى منتصف ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حيث انتشرت أعمال شغب متفرقة ما بين استياء الجمهوريين وسخط العمال في المناطق الحضرية الفقيرة سعيا وراء التغيير. عادت الحياة إلى طبيعتها ببطء وبدأت الأزمة بالعمل في مجالات التصنيع أثناء ذلك. مع تحسن الاقتصاد ونهاية الرقابة على الصحافة، كانت الفرصة مواتية لبزوغ مهارات “ألكسندر دوما” الأدبية.

انتقل “دوما” إلى كتابة الروايات بعد كتابته العديد من المسرحيات الناجحة. وعلى الرغم من انجذابه لأسلوب حياة البذخ وإنفاقه مرارا لأكثر مما كان يكسبه، أثبت “دوما” براعته في التسويق. تم نشر الكثير من رواياته المسلسلة في الصحف، وفي 1838 أعاد “دوما” كتابة إحدى مسرحياته كأول سلسلة روائية له تحت عنوان “الكابتن بول”. قام “دوما” بتأسيس أستوديو إنتاج كما قام بتوظيف مؤلفين لكتابة مئات القصص، كل ذلك تم تحت توجيهاته الشخصية من تحرير وإضافات.

أشهر الجرائم..

في الفترة ما بين (1839-1841) وبمساعدة العديد من أصدقائه، قام “دوما” بتجميع مقالات مكونة من 8 مجلدات تحت عنوان “أشهر الجرائم”  حيث تتناول المقالات أشهر المجرمين والجرائم في التاريخ الأوروبي، من ضمنهم “بياتريس سينسي ومارتن غور وتشيزري بورجا ولوكريسيا بورجيا”، فضلا عن آخر الأحداث والمجرمين، بما في ذلك قضايا القتلة “كارل لودفيغ ساند وأنطوان فرانسوا ديسرو” المحكوم عليهما بالإعدام.

قام “دوما” مع مُعلّمه في المبارزة، “أوغسطين جريسير”، بكتابة رواية “سيد المبارزة” في 1840. تمت كتابة قصة “جريسير” كسرد لسيرته وكيف تسنى له أن يشهد على أحداث ثورة الديسمبريين في روسيا. في نهاية المطاف تم منع الرواية في روسيا بأمر من القيصر “نيكولاي الأول”، كما تم منع “دوما” من دخول البلاد إلى حين وفاة القيصر. أشار “دوما” إلى “جريسير” في كتابيه “الكونت دي مونت كريستو والإخوة الكورسيكيون”  وفي مذكراته.

تعاون “دوما” مع العديد من المساعدين واعتمد عليهم وكان أشهرهم الكاتب الفرنسي “أوغست ماكيه”. لم يكن دوره مفهوما تماما حتى أواخر القرن العشرين. كتب “دوما” رواية قصيرة بعنوان “جورج” في 1843 مستخدما أفكار وحبكة ظهرت لاحقا في “الكونت دي مونت كريستو”. تقدم “ماكيه” بدعوى ضد “دوما” في المحكمة في محاولة للحصول على اعترافات أدبية وأجر أعلى مقابل عمله ونجح بالفعل في الحصول على المزيد من الأجر، ولكن لم يتم نسب أي عمل لاسمه.

حققت روايات “دوما” شعبية هائلة فسرعان ما تُرجمت إلى الإنجليزية ولغات أخرى. كما نال من كتاباته قدرا كبيرا من المال، لكنه كان مفلسا في كثير من الأحيان حيث كان يُسرف ببذخ على النساء ونمط المعيشة المُترفة. حيث اكتشف الباحثون علاقته بإجمالي 40 عشيقة. في 1846 قام ببناء منزل ريفي كبير خارج باريس في ميناء “مارلي” تحت اسم قصر “دي مونت كريستو”، مع مبنى إضافي بمثابة أستوديو للكتابة. كثيرًا ما كان يستقبل الغرباء والمعارف للإقامة معه في زيارات تمتد لفترات طويلة مستغلين بذلك كرمه. اضطر بعد ذلك بعامين لبيع العقار بالكامل حيث واجه صعوبات مادية.

هروب..

كتب “دوما” مجموعة متنوعة من الأعمال ونشر ما مجموعه 100,000 صفحة خلال حياته. كما أنه قام بتوظيف خبرته في تأليف كتب عن السفر بعد قيامه بالعديد من الرحلات، بما في ذلك رحلات لدوافع أخرى غير المتعة. عقب الإطاحة بالملك “لويس فيليب” في الثورة، تم انتخاب “لويس نابليون بونابارت” رئيسا للبلاد. لم ينل “دوما” على رضا “بونابارت”، لذلك فرّ المؤلف سنة 1851 إلى بروكسل في بلجيكا، محاولا بذلك أيضا الهرب من دائنيه في آن واحد. في عام 1859 انتقل “دوما” إلى روسيا حيث كانت الفرنسية اللغة الثانية للنخبة وكان لكتاباته هناك شعبية هائلة. قضى “دوما” عامين في روسيا قبل مغادرته بحثا عن مغامرات مختلفة. قام “دوما” بنشر كتب رحلات عن روسيا.

ثم تم الإعلان عن مملكة إيطاليا في مارس 1861 مع تنصيب “فيتوريو إمانويلي” الثاني ملكا لها. سافر “ألكسندر دوما” إلى هناك وشارك على مدى الثلاث سنوات التالية في حركة توحيد إيطاليا، كما أسس وقاد صحيفة “المستقلة”. أثناء وجوده هناك، كوّن “دوما” صداقة مع “جوزيبي غاريبالدي” والذي كان معجبا به منذ فترة طويلة وشارك معه في الالتزام بالمبادئ الجمهورية الليبرالية بالإضافة إلى عضوية في الماسونية. نشر “دوما” كتب رحلات عن إيطاليا بعد عودته إلى باريس عام 1864.

التمييز العنصري..

على الرغم من خلفية “دوما” الأرستقراطية ونجاحاته الشخصية، كان عليه التعامل مع التمييز العنصري حول أصله كونه مُختلِط الأعراق. في عام 1843 كتب رواية قصيرة تحت عنوان “جورج”  تناول فيها بعض قضايا العرق وآثار الاستعمار. وفي أحد الأيام قام رجل بإهانة “دوما” بسبب أصوله الأفريقية، فردّ عليه دوما قائلا جملته الشهيرة: “كان والدي مولاتو (مُختلِط الأعراق/ أسمر البشرة)، وجدتي كانت زنجية، وأجداد أجدادي كانوا قِردة. كما تَرى يا سيدي، عائلتي بدأت حيث انتهت عائلتك”.

الزواج..

تزوج “دوما” في 1 فبراير 1840، من الممثلة “ايدا فيرير” (1811-1859) كما ارتبط اسم “دوما” بعلاقات متعددة مع نساء أخريات، أثناء العام 1866 ارتبط اسم “دوما” بالممثلة الأمريكية المعروفة “أدا إيزاكس منكين” التي أدت دورها المثير في مسرحية مازيبا في لندن. كما أدت دورا في مسرحية “قراصنة دي لا سافان” في باريس حيث تم بيع كل التذاكر وكانت حينها في ذروة نجاحها.

وفاته..

تُوفي “ألكسندر دوما” في ديسمبر 1870 ودُفن بمسقط رأسه في “فيلير كوتيري” في مقاطعة “أن”. غطت الحرب الفرنسية البروسية وما تلاها من أحداث على خبر وفاته. أدى التغير في التوجهات الأدبية إلى انخفاض شعبيته. في أواخر القرن العشرين، أجرى باحثون مثل “ريجينالد هامل وكلود شوب” دراسات أسفرت عن إعادة تقييم أعماله الأدبية وتقديرها من جديد، فضلا عن العثور على أعماله المفقودة.

استمر الباحثون في إيجاد أعمال “دوما” المفقودة في أرشيف السجلات، بما في ذلك مسرحية بخمسة مشاهد تحت عنوان “لصوص الذهب” والتي عثر عليها الباحث “ريجينالد هامل” عام 2002 في مكتبة فرنسا الوطنية. نُشر العمل في فرنسا عام 2004 من قِبل “أونوريه شامبيون”.

تم الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لميلاد “دوما” سنة 2002، كما أقام الرئيس الفرنسي “جاك شيراك” حفل تكريم للكاتب وتم نقل رفاته إلى ضريح مقبرة العظماء (البانثيون) في باريس، حيث دُفن العديد من الأعلام الفرنسيين. تم بث الإجراءات على قنوات التلفاز: لُفّ النعش الجديد بقطعة قماش من المخمل الأزرق وحُمل على عربة يحيط بها أربعة مشاة من قوات الحرس الجمهوري مرتدين أزياء الفرسان الأربعة. قال الرئيس شيراك في خطابه:

“معك كنا دارتنيان والكونت دي مونت كريستو وبالسامو، نجول في طرق فرنسا ونطوف ميادين المعارك ونزور القصور والحصون. معك استكشفنا، وفي أيدينا شعلة، دهاليز مظلمة وممرات سرية تحت الأرض. معك راودتنا الأحلام. معك ما زلنا نحلم.”

اعترف “شيراك” بالعنصرية التي كانت موجودة في فرنسا، وقال إن المجيء بجثمان “دوما” إلى البانثيون كان وسيلة لتصحيح ذلك الخطأ، حيث تم وضع جثمان “دوما” جنبا إلى جنب مع زملائه من المؤلفين الكبار مثل “فكتور هوغو وإميل زولا”. وأشار “شيراك” أنه على الرغم من أن فرنسا أنجبت مؤلفين كُثر، لم يكن ل”دوما” مثيلا من حيث شعبيته. لقد تُرجمت رواياته إلى ما يقارب 100 لغة. بالإضافة إلى ذلك، قد ألهمت شخصياته في صناعة أكثر من 200 فيلما.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب