9 فبراير، 2025 3:43 ص

هاني الراهب.. رسم خطا في الرمال كاشفا كيفية استغلال الدين

هاني الراهب.. رسم خطا في الرمال كاشفا كيفية استغلال الدين

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هاني الراهب روائي سوري، اختيرت روايته “الوباء” ضمن أفضل مائة رواية عربية.

حياته..

ولد “هاني محمد الراهب” في 1939 في قرية مشقيتا بمحافظة اللاذقية، قضى طفولته ما بين المدينة والريف، وحزن لوفاة شقيقه الأكبر الذي كان يرعى الأسرة، وحل محله أخوه الثاني حتى نال “هاني الراهب” الدرجة الثانية في الثانوية العامة وتم منحه مقعداً مجانياً في جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية. كما منح راتباً شهرياً قدره 180 ليرة سورية.

تخرّج من كلية الآداب وعُيّن معيداً في قسم اللغة الإنكليزية، ثم منحته الأمم المتحدة مقعداً في الجامعة الأمريكية في بيروت، وخلال عام حصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي، وفي لندن نال شهادة الدكتوراه خلال سنتين ونصف. ثم سافر إلى الكويت، أصيب بالسرطان وتم استئصاله، وعندما ترك الكويت وعاد إلى دمشق كان مطمئناً إلى أنه يخلو من السرطان.

نشر روايتيه الأخيرتين (خضراء كالبحار) و(رسمت خطاً في الرمال) ثم اكتشف أن مرض السرطان انتشر في جسده. وتوفي في دمشق عام 2000،  كتب الرواية والقصة والنقد الأدبي، وصدر له ثماني روايات وثلاث مجموعات قصصية صدرت آخرها بعيد رحيله.

الكتابة..

سعى “هاني الراهب” إلى تطوير الرواية السورية، من خلال التجديد في التقـنية الروائية و التعبير الروائي واقتصاد اللغة، أعلنت دار الآداب عن مسابقة للرواية العربية في عام1960، اشترك فيها “هاني الراهب” وأكثر من مئة وخمسين كاتباً عربياً، وكان وقتها طالباً في جامعة دمشق، في عمر الثانية والعشرين. وقد فازت روايته “المهزومون” بالجائزة الأولى.

في رواية (ألف ليلة وليلتان) حاول “هاني الراهب” أن يحكي قصة ثلاثين شخصاً، كل منهم يظن نفسه قائماً بذاته إلى أن تدوخه هزيمة حزيران (يونيو) فيكتشف أنه جزء صغير من مجتمع مهزوم وعمر هذه الهزيمة ألف عام. وقد تمثلت الرواية في بنيتها شكل هذا المجتمع، والزمن فيها هو زمن تجاوري أو تزامني، ويقول”الراهب” عنها: “أحسست بالثقة الكافية لتقديم حطام رواية، أنا مدين إلى حد ما إلى بنية (ألف ليلة وليلة) التي تحكي ألف حكاية”.

كتب “هاني الراهب” روايتي (خضراء كالمستنقعات) و(خضراء كالحقول) بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار التقدم العربي وانهيار النظام الإقليمي العربي، وقد انعكس ذلك على أدواته الفنية وأسلوبه في الكتابة، وعكف على كتابة مجموعة من الروايات الصغيرة بعنوان (كل نساء المدينة) وعندما صدر منها (خضراء كالمستنقعات) ظن البعض أنها رواية قائمة بذاتها واستغربوا وضعها على هذه الحالة.

أعماله..

  • المهزومون- رواية – بيروت – 1961.
  • بلد واحد هو العالم- رواية – دمشق 1965.
  • المدينة الفاضلة- فصص – دمشق 1969.
  • التلال- رواية- بيروت- 1989.
  • شرخ في ليل طويل -رواية – 1970.
  • خضراء كالمستنقعات- رواية- بيروت.
  • ألف ليلة وليلتان – رواية – 1977.
  • رسمت خطا في الرمال- رواية- بيروت-
  • جرائم دونكيشوت – قصص – 1978.
  • خضراء كالعلقم- قصص- بيروت.
  • الوباء – رواية 1981.

“رسمت خطا في الرمال”..

في آخر حوار معه أجرته “ماري اسكندر عيسى” يقول “هاني الراهب”عن رواية “رسمت خطا في الرمال” وكيف ضمنها سيرورة تاريخية تحكي عن ثلاثة آلاف سنة و تتناول قضايا فكرية في الثقافة العربية المعاصرة: “رسمت خطا في الرمال” رواية تحكي قصة ثلاث آلاف سنة هذا صحيح, لكنها ليست تاريخية, ولا يمكن أن يأتي في الرواية أي شيء صدفة, فالجانب الإبداعي في الرواية عمل وعي بالتأكيد, حتى عندما تنزلق من القلم سطور وصفحات لا تكون واضحة للمؤلف, فالمؤلف يعيد قراءته, ويحكم وعيه فيها, وأؤكد أنه ليس في هذه الرواية أي شيء غير واع على الإطلاق. لكن بالنسبة للشق الخاص بالجانب الفكري في الثقافة العربية المعاصرة الذي بدأه طه حسين في كتابه (في الأدب الجاهلي), وعلي عبد الرازق في كتابه (الإسلام و أصول الحكم), فأنا لا أعتقد أن الثقافة العربية أهملت كثيرا التصدي لتراثنا بمعنى اكتشاف أمور الدين وتنقيته مما ألحق به خلال العهدين الأموي والعباسي بشكل خاص ثم العهد الفاطمي, لأن الإسلام الذي وصل لبعض هذه الدول الثلاث ليس هو الإسلام الذي جاء به محمد, بل هو إسلام طبقة حاكمة جاء بأئمة وقولتهم الأقاويل, ودس به أشياء كثيرة بحيث تستخدم النص الديني لإدامة سلطانها, إذ هل هناك إسلام سوى الذي يدعو إليه الإسلاميون هذه الأيام؟

“رسمت خطا في الرمال” تقول نعم, هناك إسلام محمد الذي غيبته قريش وجاءت بإسلام الردة القرشية. وفي فصل “الخليفة” نقرأ: “بكتابه روض محمد جاهليتهم. ولهم على الله الذي نطقوا باسمه و جهلوه.. بسيفه ردهم أبو بكر إلى الإسلام. بدرته صنع عمر بن الخطاب منهم أمة وإمبراطورية”.

إذا الرواية تتبنى هذا الشيء, وبالوقت نفسه تقارن ما حدث في الماضي بما يحدث الآن في الدول النفطية التي أعلنت نفسها وصية على الإسلام, واعتبرت أن هذا الإسلام هو الإسلام البديل جاءت به الخلافة الأموية ثم العباسية والأحزاب السياسية الخ…, وأعطي مثالا بسيطا هنا وهو أن عمر بن الخطاب لم يكن سنيا, وكذلك علي بن أبي طالب, هؤلاء كانوا مسلمين, والصراع والخلافات والانقسامات الآن ليست بسبب عمر ولا علي, بل هي بسبب الذين جاءوا منذ مئات السنين واستفادوا.

ويضيف: “فبعد مقتل عمر اكتشفت قريش أن: “محمدا” قد مكر بهم, علمهم عبادة الله وهم في الحقيقة يعشقون ويعبدون اللات والعزى, تذكر الطلقاء هزيمتهم أمام محمد وكتابه وخليفتيه, وأقسموا أنها لن تمر, تذكروا جاهليتهم, أخذتهم وحشية الجاهلية, وفي هجعة سرية دمدم أبو سفيان: تلقفوها يا بني أمي تلقف الكرة, فواللات و العزى ما من جنة و لا نار…”.

وهكذا أنشأ القرشيون سلالة من الخلفاء, أبدعوا الحجاج بن يوسف, ضربت الكعبة بالمنجنيق حتى انهدمت, استباحوا نساء مدينة محمد ثلاثة أيام… قصبوا لحم عبد الله بن الزبير, قتلوا محمد بن أبي بكر وقبروه في بطن ناقة, فرموا جسد الحسين بن علي, بنوا حول كتاب الله أسوارا و دهاليز وبقيت أشواقهم “تتترى عشقا” للات و العزى….”.

ويحكي عن تحديات الرواية: الرواية تقول أيضا”إن الإسلام الحقيقي لم يدم طويلا” وإنما قامت عليه ثورة مضادة من قريش نفسها, وصار الوضع غريبا” من وجهة نظر نفسية وروحية, وهي أن العرب الذي جاؤوا الإسلام ليخلصهم من عبادة الأوثان, لجئوا في لا شعورهم إلى عبادة الأصنام, وثابروا في ممارساتهم اليومية على عبادة الله, إذا ليست الحالة التي نراها الآن إلا استمرارا للوثنية الجاهلية لكنها ملبسة بلباس الإسلام.

لا أعلم إلى أي درجة سيثير هذا الطرح السخط لدى الإسلاميين والتقليديين لكن أقول هذا الإسلام الذي تجري الخلافات بشأنه الآن هو إسلام الدولة, الإسلام البديل, إسلام الثورة المضادة الذي جاء به محمد”.

وعن الدعوة للعدالة والحرية والديمقراطية داخل الرواية يقول: “الرواية تتبع ظاهرة الديمقراطية عند العرب من أيام بلقيس ملكة سبأ, حيث أورد القرآن الكريم أكثر من نص للدلالة على ديمقراطية هذه الملكة, وتورد الرواية سيرة عمر بن الخطاب بعد سيرة الملكة بقوله “متى استعبدتم الناس …” التاريخ العربي تاريخ مجازر واستبداد وطغيان لكن يظل فيه جذور من الديمقراطية, الدعوة أن ندرس تراثنا جيدا، وأن نكون صادقين مع ما نكتشفه من حقائق, في تاريخنا أحداث يندى لها الجبين خجلا, وسير الخلفاء عموما هي سير قتل وطغيان وإفساد ذمة, وإرشاء مال, وتسميم الأعداء, وعبث بالنص القرآني كما فعل بنو أمية وبعدهم بنو العباس”.

وعن “الحجاج بن يوسف” يواصل: “الحجاج بن يوسف غير خمسين كلمة في القرآن, والقرآن هو قدس الأقداس عند العرب, يأتي أحد الولاة ويغير فيه خمسين كلمة, وهذا عدا ما غيره العباسيون وغيرهم, فمن ناحية ينصبون النص الديني كقدسية ومن ناحية يعبثون به, من ناحية يطالبون الناس بالانصياع للخليفة على أنه ظل الله على الأرض, ومن ناحية أخرى يقومون بأنفسهم بخرق كل مقدسات الدين, عندما مزق الخليفة الأموي الوليد بن يزيد القرآن, وقال له: “إذا ماجئت ربك يوم حشر فقل يارب مزقني الوليد” فهل قرأنا هذا؟ وأقول هنا علينا أن نقرأ هذا التاريخ! نحن نقرأ تاريخنا وكأنه صفحة بيضاء جميلة نقية خالية من الأخطاء.

فعثمان لم يخطئ, بينما عثمان في النصف الثاني من حكمه أوشك أن يخرب الدولة الإسلامية الحديثة, المبشرون بالجنة تحارب ثلاثة منهم وهذا يعني أن واحدا أخطأ بالتأكيد! فكيف يبشر بالجنة؟! يجب أن نذكر هذه المخازي إلى جانب المفاخر, فلا نقول عند ذكر معاوية “رضي الله عنه”, يجب أن نقيم تقييمات موضوعية, وأذكر على سبيل المثال أنه حتى الآن لم تنته معركة “صفين” بين معاوية وعلي, لماذا؟ لأننا لم ندرسها دراسة موضوعية ونتبين الأسباب باعتبار أن هذا شيء مضي  في حين أن الحقيقة أن معركة صفين ما تزال قائمة حتى الآن, فكيف يكتب لنا نحن العرب أن ننجح في حياة جديدة و نحن ما نزال عالقين في معركة صفين”.

ظهور النفط..

ويجيب عن سؤال هل نعتبر هذه الرواية صرخة: “الرواية فعلا صرخة, لقد عشت هذه الأحداث والمرحلة, وأحسست أن إنسانيتي قد هدرت, وأردت أن أصرخ بأنني أريد أن أسترد إنسانيتي التي هدرت لأسباب تذكرها الرواية وأهمها ظهور النفط, فظهور النفط تعتبره الرواية مثل ظهور الإسلام, وكان يمكن أن ينتج حضارة عظمى, لكن الذي حدث أنه فعلا مثلما قال تشرشل صار على رأس كل بئر نفط وليس حقل حكومة عربية, فالنخب العربية التي كان من المفروض منها أن تؤسس لمجتمع جديد وإنسانية جديدة وحضارة جديدة, اكتفت بالموقع الصغير الذي تمكنت أن تحتله وتقتطعه من جسد الوطن العربي وتقيم عليه دولة, وكانت النتيجة أننا الآن كلنا ضائعون مذلون مهانون تائهون أو متخمون وفي كل الأحوال فاقدون إنسانيتنا, ليتني أستطيع الآن استحضار أمثلة عن هدر كرامة الإنسان في مجتمعات النفط في هذا الحوار, الرواية أتت بأمثلة محدودة في فصل “تطوحات محمد عربي محمدين” هناك ثلاث عشر مجموعة بشرية يحاكمها محمد عربي محمدين بجريمة إهدار الإنسانية! إن هذا الهدر للإنسانية شيء مروع.

الرواية تحاول أن تطلق صرخة، استفيقوا أيها العرب، لست مهتما بالشعار السياسي، بل بألا تهدر كرامة الإنسان، الإنسان في سائر أنحاء العالم مصانة كرامته أفضل من الإنسان في البلدان العربية، صحيح أن الإنسان في الغرب قد يكون مضللا إعلاميا، ومأسورا بحكم مستتر لكن إنسانيته مصانة، فهو يحيا كما يشاء، يعمل، يحب… عندنا النفط اشترى المؤسسات الثقافية بالكامل، ولا يستطيع الواحد أن يقول كلمة واحدة لا توافق عليها دول النفط, فكيف تنهض الثقافة بدون حرية وبهذه القيود؟ وإذا لم تنهض الثقافة كيف لنا أن ننهض؟”.

رائد الرواية السورية..

وفي مقالة بعنوان (هاني الراهب.. رائد الرواية السورية الحديثة) يكتب “فيصل خرتش”: ” يعتبر هاني الراهب مجدّداً في مجال الرواية، وقد عمل على تطويرها من خلال «شغله» على الجانب اللغوي والتقنية الروائية إضافة إلى الأفكار التي تتضمنها كل رواية على حدة. إنه قلق المبدع المسكون بهاجس التغيير في أسلوب الرواية والأسئلة الحياتية التي تتضمنها تساؤلات الوجود والحياة والمستقبل.

لقد شكلت روايته عالماً مستقلاً، قائماً بذاته في النسيج الذي نسميه الرواية السورية، شكلاً ومضموناً، في مسيرة ما نحكيه روائياً، ولنقل مجازاً إنّ الرواية السورية الحديثة بدأت به، ولمّا تنته بعد. لقد أصبح الراهب علامة بارزة فيهاً.

لقد أعلن هاني الراهب، منذ مطلع حياته الأدبية، وبطموح كبير، أنه وراء أسلوب جديد. ويتلخص هذا الأسلوب في ظاهرتين: تفتيت الحدث إلى شعور ومواقف وشخصيات ومعان، وتقليص الحوار إلى درجة إعدامه. وحين ظهرت رواية هاني الراهب الثانية «شرخ في تاريخ طويل»، كتب على غلافها صدقي إسماعيل: «تحقق شروط الرواية الجديدة، إنها ترفض السرد، وترغم جميع الحواس على العمل، تتميز بشاعرية وكثافة متفردة، ولغة جيدة، تتسم بواقعية قاسية. وفيها مستوى جيد من الصدق والأصالة، تركز على مواقف ومشاعر هي الأساس في فن الرواية الجديدة». تقنية روائية يقترب أسلوب هاني الراهب في «ألف ليلة وليلتان» من أسلوب الروائية الإنكليزية جين أوستن، في الحرص على تقديم العادي، ودقة النثر، وهجائيته الحادة، والترميز والإيقاع. إنها ذات طموح فني وتقني متميز من أجل السيطرة على الأوضاع المعاشية للبشر المسحوقين، والذين لم يصنعوا هزيمة حزيران، وإنما كانت مفروضة عليهم فرضاً”.

هزيمة 1967..

وفي مقالة بعنوان (في سؤال الذات والكتابة في الرواية العربية بعد هزيمة 1967: ألف ليلة وليلتان لهاني الراهب أنموذجا) يكتب “محمد الدوهو”: “يقول هاني الراهب ملخصا نسقه القيمي والإيديولوجي: “لكن إنتاج الرواية العربية للحداثة يواجه ثلاث سلطات ضاغطة، هي سلطة النموذج وسلطة الدولة المعاصرة، وسلطة المثاقفة وقد بات معروفا الآن أن أية طريقة في التعبير تنتجها الرواية، تصطدم بواحدة أو أكثر من هذه السلطة“.

بالنسبة إلى هاني الراهب تتحكم هذه السلطات الثلاث في مصير صيرورة الكائن العربي في الزمان والمكان: فإذا كان هيجل يصف تاريخ الشرق بأنه التاريخ الذي لم يعرف في الشعب الواحد سوى شخص حر واحد، هو الملك الفرد، فلأن هذا الموروث السياسي ينبع من طبيعة الدولة العربية، التي، مازالت، ورغم التحديثات الإدارية التي ولدتها صدمة مواجهة الآخر الإمبريالي  لا تقحم للدولة العربية وتغيب، مفهوم الحرية كمفهوم تاريخي في صرورتها الدولاتية Etatique، وما الهزيمة الوجودية (1967) التي لحقت بالعرب وأضعفتهم سياسيا، وليس اقتصاديا، أمام الصهيونية والإمبريالية الغربية والأمريكية على الخصوص، لخير دليل على هذه الأطروحة.

فالانحراف الإيديولوجي والسياسي الذي لحق بالطبعة المتوسطة قبل الستينيات وإلى يومنا هذا، جعل نسق الدولة العربية السياسية التقليدي يعيد إنتاج نفسه بنفسه، وما حدث لجمال عبد الناصر، (والناصرية) رغم أهميتها التاريخية، لخير مثال على ذلك، إن سلطة النموذج-الطوطم- سلطة هذا الواحد الذي يتخذ له تجليات متنوعة في رموز ثقافية كالأب، الدولة، الأسرة، هي السلطة المهيمنة في لاوعي الدولة العربي السياسي. إن اختيار هذا النموذج وبلورته سياقان تاريخيان أشرفت عليهما سلطة مستمرة، وليس مجرد سلطة راهنة، وهما يتكونان دائما على حساب النسج الحية في الثقافة القومية، إن آلية هذا الاختيار والبلورة ميسورة التناول، ويمكن لنا ببساطة أن نرجعها إلى مجهود السلطة السياسة والطبقية في مطلقها لتثبيت كيانها وترسيخه عبر تثبيت النموذج كمطلق وترسيخه، وخارج لغة هذا النموذج التي تنتحل مطلقا خاصا بها “في الزوايا التي يجب على الرواية أن تقصدها قبل غيرها، وبعيدا عن طوطمة اللغة المعاصرة– نلتقي بالتبعية الاقتصادية والسياسية بالهدر والتبديد، بأنساق جديدة للفقر والاستغلال والمجاعة، بانهيارات متتابعة لخطط الدولة، بإحلال الدولة كبديل للمجتمع- وأيضا بإحلال ثقافة إعلامية كبديل لثقافة الحداثة””.

ويؤكد: “عند هاني الراهب يتحول الكائن العربي إلى إنسان محاصر في الزمان والمكان، إنها تلك السلطة الكافكاوية التي يجلس مفوضوها Délégués وراء الأبواب الممنوعة  مشخصة بذلك مرسلا إليه لمرسل متعال هو مفهوم الواحد- النموذج الذي إما هو أو لاشيء. تتحول رواية “ألف ليلة وليلتان” بنسقها السياسي والقيم إلى رواية الماقبل بامتياز، فإذا كانت السيميائيات ترى بأن كل فعل (سواء أكان معرفيا أو عمليا) يتكون من مراحل ثلاث فإنه، وقبل المرور إلى الفعل تطرح عدة إمكانات (سردية)، يتم اختيار إمكانية معينة لتحقيق فعل معين وعندما انتقل العرب إلى الفعل ليحولوا حالتهم (حالة النقص = استرداد أرض 1948) والقضاء على الصهيونية، لم يبرمجوا إمكاناتهم السياسية والعسكرية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة