“عائشة جلاب” شاعرة جزائرية صدر لها العديد من المجموعات الشعرية. ونالت العديد من الجوائز والتكريمات.
كان لي معها هذا الحوار الشيق:
* متى بدأ شغفك بالكتابة وهل وجدت الدعم من الأسرة؟
– بدأ شغفي بالكتابة منذ نعومة أقداري، حين شعرت أن صوتا بداخلي يريد أن يصدح بما لا تستطيع قوله المرأة في مجتمعي المنغلق، كانت الكتابة بالنسبة لي نافذة أهرب من خلالها رسائل ملغمة أو كلمات مشفرة تترجم ما أشعر به وسط عالم يكتنفه التعتيم والتهميش لصوت المرأة ورغباتها، كنت أحاول أن أعبئ أو أعبد الطريق وأرسم جسورا بالحروف والقصائد لأعبر من خلالها إلى عالم أريده صافيا ورديا بلا قيود وبلا خوف، أصنع سمائي ونجومي وتخومي التي تبعد بيني وبين ما ألفته من رمادية الأفكار وقتامة الحاضر المؤلم.
لم أجد دعما من العائلة، لأنني كنت أكتب في الخفاء دون علم أحد وكأنني أمارس شيئا غريبا، فقد كنت أقرأ عن نساء في عصور غابرة استطعن إيصال أصواتهن برغم الشعاب والذئاب، فكيف لا أصنع أنا ذلك.
* ماذا يعني الشعر بالنسبة لك وهل سعيت لعمل لغة خاصة بك وهل تدققين في اختيار الكلمات؟
– الشعر بالنسبة لي هو الخبز والماء والهواء، هو الفضاء الذي استطيع التحليق فيه بأجنحة من جمال، أكتب بعفوية وانسيابية، فتأتي عباراتي كنهر يجر كل ما حوله صانعا دربه بإرادته.
* في مجموعتك الشعرية “شامخ كالانتظار” هل كنت تعبرين عن أوجاع الذات؟
– في (شامخ كالانتظار) أتت القصائد مشبعة بالنضج وبالتعبير عن أوجاع النساء، وأسئلة الإنسانية المتعددة، فرغم أن جل قصائده من الشعر العمودي الخليلي الكلاسيكي، لكنه مشبع بالحداثة، مليء بالرؤى والرموز التجديدية التي تواكب العصر وتحاكي متطلباته الذوقية، وقد كانت مقدمة الديوان للناقد المعروف “يوسف وغلبسي”، والذي أشاد بقوة لغتي وبعمق مداركي، وبغزارة وقوة استيعابي لبحور الخليل بن احمد الفراهيدي.
* في مجموعتك الشعرية “شامخ كالانتظار” كتبت شعرا عموديا ألم تخاف من كون هذا الشعر أصبح من الماضي؟
– معظم قصائدي عمودية، لكنها كتبت بروح حداثية ورؤى متجددة تتماشى مع ذوق العصر ومتغيراته، فكلما قرأت وتشربت من باقي حقول الإبداع بما فيه الهايكو والشذرة والومضة وغيرها من الأساليب المتعددة والمتجددة، والتي تصب كلها من منبع واحد وهو الجمال الذي يهذب الروح البشرية ويسمو بها إلى عوالم تجردها من شوائب المادة، ليس الشعر فحسب بل الغوص في شتى أنواع الجمال، من موسيقى وفن تشكيلي، والرواية.
* حصلت على عدة جوائز وتكريمات.. ماذا تعني لك وهل دعمتك في طريق الكتابة؟
– تعتبر الجوائز تحفيزا للمبدع على المواصلة، ماديا ومعنويا، خاصة حين يمر ما كتبناه على أيادي متفحصة ومدققة تغربله وتمحصه مع العديد من الأعمال المشابهة له في نفس الحقل، وتفتح لنا الأبواب للتعرف على ما يكتبه الآخرون.
* هل واجهتك صعوبات في النشر وماهي هذه الصعوبات؟
– الصعوبات تخنق المبدع في العالم العربي من كل حدب وصوب، خاصة في عالم النشر والتوزيع، نحن نطبع بمالنا الخاص، ومع هذا حتى دور النشر التي نتعامل معها لا تقوم بدورها فيما يخص التوزيع، فهي ترسل لنا كل النسخ ونحن نتصرف بها، وهذا شيء فوق طاقتنا، فلا يمكن طبعا أن ندلل بكتبنا على المكتبات وفي كل مدن الجزائر. خاصة وأن الجزائر بلد واسع جدا، والبعض يلجأ إلى البيع بالبريد العادي، ورغم أن هناك مشقة لكن لأجل إيصال كتابنا وصوتنا إلى من يود الاستمتاع به، فنحن نناضل لأجل هذه الرسالة المتعبة رغم جمالها الذي يشعرنا بوجودنا. وآنا من بين هؤلاء الكتاب، خاصة بعد فوزي بعدة جوائز، وبعد تكريمي من طرف وزيرة الثقافة ورئيس الجمهورية، مع أحسن عشر نساء مميزات، فقد ساعدني هذا في انتشار اسمي، وفضول البعض في الاطلاع على ما أكتبه.
* هل تجدين مشاكل في حضور فاعليات ثقافية في الوسط الثقافي في بلدك بسبب كونك امرأة؟
– نعم أجد العديد من المشاكل في حضور الفعاليات الثقافية، أولا لكوني امرأة ولا استطيع السفر وحدي إلى مدن بعيدة عن مدينتي ،لأنني أولا ماكثة بالبيت ولم أتعود عل ذلك، ثانيا، أن عائلتي وبيتي هي من الأولويات في حياتي، لذلك أحضر فقط الملتقيات المهمة جدا، تقريبا التي أكرم فيها بالفوز بجوائز أو تكريم خاص.
* ما تقييمك لحال الثقافة في الجزائر وهل يدعم الكتاب والكاتبات؟
– حقل الثقافة في بلادي شائك جدا، ولا أحد يدعم الآخر، كل يقول نفسي، ربما ككل الحقول، وطبعا لأنهم يظنون أن فيه منافسة، غير أني اعتقد عكس ذلك تماما، لأن سماء الأدب تسع كل النجوم، وربما ما يجملها هو كثرة هذه النجوم التي تطرزها وتجعلها أكثر جمالا.
* هل توجد اختلافات بين الكتابة لدى النساء وبين الكتابة لدى الرجال في رأيك، وما هي ملامح هذه الاختلافات؟
– الإبداع هو بصمة من جمال تصنعها روح وهبها الله ملكة أو وحيا خاصا لم يوهب لغيرها، لذلك فلا فرق بين ما يبدعه الرجل أو ما تبدعه المرأة، فهناك نساء تفوقن في مجالات إبداعية شتى على رجال، وخير مثال على ذلك هي الروائية “أجاثا كريستي” التي ملأت المكتبات العالمية بكتبها ورواياتها التي تعتبر من أقوى الروائيات عطاء وإبداعا في مجال الرعب. فقط ربما وحسب رأيي كتابات المرأة تكون أكثر شاعرية وأدق في تصوير التفاصيل الخفية.
* ماهو رأيك في مصطلح “الأدب النسوي” وهل تسعين في أدبك إلى الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها وكشف التمييز الواقع على المرأة في المجتمع؟
– الأدب النسوي، هو تسمية لا تقلل من شأن المرأة المبدعة ولا تزيد من شأن الرجل، هي تسمية أطلقها متحيزون لا ينظرون لما في الإناء بل للون الإناء، وشكله، ولكن أنا ولكوني امرأة فأنا أنضح بما في روحي وأصب ما تشربته الأنثى في شراييني منذ ولادتي، مهما حاولت التملص أو لباس ثوب مصطنع، فستخرج الأنثى النائمة بداخلي لتروي ما سقاه المجتمع وما زرعه في تربتي، لذلك فكل حرف مني ينز بالحمى التي تعصر وجداني ووجدان النساء. النائمات تحت عباءتي، رغم أني أشعر أن قيدا خفيا يقلل من حركتي ومن رقصتي الثائرة، وأن رقيبا خلف الأبواب شاهرا سيف نقده الهدام، نقد المرأة وليس نقد ما تكتبه، لكن سأبقى أغني ولو بشفاه ممزقة مكتومة، وسوف أرقص ولو بقدم موثقة، فمع الأيام سيتمزق القيد وتبرى جراح القدم وتنهض من جديد.
* هل في رأيك يواكب النقد غزارة الإنتاج وهل يحتفي بإنتاج الكاتبات؟
– بصراحة كما يوجد متطفلون في مجال الإبداع، حتى النقد اكتسحه المتطفلون، فليس كل من يحمل شهادة جامعية يحق له أن يكون ناقدا، فهناك من يوجه نقده وحقده لمآرب أخرى، وهناك نقد المحاباة، ولكن يبقى النص الصامد صامدا لا تحطمه فؤوس النقاد، مهما تكالبت عليه، لأن في نظري القارئ هو الناقد الحقيقي الذي يميز بين الحصاة وبين الجوهرة الحقيقية، والناقد في الأخير يعيش على فتات المبدع. فأتمنى أن يكون قلمه موجها للنص وليس للشخص على أنه كاتب مشهور أو مغمور.