10 أبريل، 2024 8:25 ص
Search
Close this search box.

جنون الارتياب.. خوف مضاعف وشعور بالتهديد قد يولد عنفا

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

جنون الارتياب أو البارانويا ‏مرض نفسي يتضمن الإحساس بالاضطهاد، أو الإيمان بالمؤامرات المتعلقة بتهديد محتمل تجاه المريض. جنون الارتياب يختلف عن الرهاب، الذي ينطوي أيضا على خوف غير عقلاني، ولكن عادة بدون لوم. كثيرا ما يصاحب جنون الارتياب الاتهامات الباطلة وعدم الثقة العامة بالآخرين. مثلا في حين يعتبر معظم الناس أن حادثا معينا كان مجرد صدفة أو حادثة عرضية، قد يعتقد الشخص المصاب بجنون الارتياب أنه كان متعمدا. جنون الارتياب هو أحد الأعراض المركزية للذهان.

الأعراض..

و من الأعراض الشائعة لجنون الارتياب أن يكون لدى هؤلاء الأفراد تصور متحيز للواقع، غالبًا ما يظهرون معتقدات أكثر عدائية. قد يرى الشخص المصاب بجنون الارتياب السلوك العرضي لشخص آخر كما لو كان بقصد أو تهديد.

وجد بحث أُجري على مجموعة من المصابين بجنون الارتياب غير السريري أن الشعور بالعجز والاكتئاب وعزل النفس والتخلي عن الأنشطة هي خصائص يمكن ربطها مع أولئك الذين يعانون من جنون الارتياب بمعدل أعلى. اكتشف بعض العلماء أنواعًا فرعية مختلفة للأعراض المختلفة لجنون الارتياب، بما في ذلك أعراض جنسية واضطهادية ونزاعية ومتعالية.

بسبب السمات الشخصية المريبة والمزعجة لجنون الارتياب، من غير المرجح أن ينجح شخص مصاب بجنون الارتياب في العلاقات الشخصية. يميل الأفراد المصابون بجنون الارتياب إلى أن يكونوا عُزاب. وفقًا لبعض الأبحاث، هناك تسلسل هرمي لجنون الارتياب. أقل أنواع الجنون الارتياب شيوعًا في أعلى التسلسل الهرمي هي تلك التي تنطوي على تهديدات أكثر خطورة. يوجد القلق الاجتماعي في الجزء السفلي من هذا التسلسل الهرمي باعتباره المستوى الأكثر تعرضًا لجنون الارتياب.

الأسباب..

الظروف الاجتماعية لها تأثير كبير على معتقدات المصابين بجنون الارتياب. استنادًا على البيانات التي جُمعت بواسطة دراسة استقصائية عن الصحة العقلية على سكان مدينة “سيوداد خواريز، شيواوا” (المكسيك) وإل “باسو، تكساس” (الولايات المتحدة)، يبدو أن معتقدات جنون الارتياب مُرتبطة بمشاعر العجز ولعب دور الضحية، ومُعززة من جانب الأوضاع الاجتماعية. تتضمن الأسباب المحتملة لهذه التأثيرات الشعور بالإيمان بالسيطرة الخارجية، وعدم الثقة التي يمكن تعزيزها من خلال الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدني. قد يشعر أولئك الذين يعيشون في وضع اجتماعي واقتصادي متدنٍ بسيطرة أقل على حياتهم الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، توضح هذه الدراسة أن الإناث يميلون إلى الإيمان بالسيطرة الخارجية بمعدل أعلى من الذكور، ما يجعل الإناث أكثر عرضة لعدم الثقة وتأثيرات الوضع الاجتماعي والاقتصادي على جنون الارتياب.

أفاد «إيمانويل ميسينجر» أن الاستطلاعات كشفت أن أولئك الذين يعانون من أعراض جنون الارتياب يمكن أن تتطور حالتهم من العلاقات الأبوية والبيئات غير الجديرة بالثقة. يمكن أن تشمل هذه البيئات كون الشخص شديد الانضباط والتشدد وغير مستقر. ولوحظ حتى أن «الانغماس بالملذات والدلال (أي ما يثير إعجاب الطفل بنفسه واعتباره شخصًا مميزًا ويستحق امتيازات خاصة)» يمكن أن يساهمان في تطور الحالة عند المريض. تشمل التجارب التي من المرجح أن تعزز أو تظهر أعراض جنون الارتياب زيادة معدلات الإحباط والتوتر وحالة ذهنية ميئوس منها.

أيضًا التمييز قد يوحي بأوهام جنون الارتياب. تظهر التقارير أن جنون الارتياب يتجلى أكثر في المرضى المسنين الذين عانوا من مستويات أعلى من التمييز طوال حياتهم. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ أن المهاجرين معرضون كثيرًا لأشكال الذهان. يمكن أن يكون هذا بسبب الآثار المذكورة أعلاه لتعرضهم للتمييز والإذلال.

الأسباب النفسية..

قد تكمن العديد من الأعراض القائمة على المزاج والشعور وهوس الارتياب والذنب وراء جنون الارتياب. عرّف «كولبي» (1981) إدراك جنون الارتياب على أسس الأوهام الاضطهادية والمعتقدات الخاطئة التي يتجمع محتواها المقترح حول أفكار التعرض للمضايقة والتهديد والإيذاء والقهر والاضطهاد والاتهام وسوء المعاملة والظلم والعذاب والتحقير والتشهير وما إلى ذلك، من خلال الأشخاص الآخرين الحاقدين، سواء أفراد أو مجموعات محددة. حُددت ثلاث مكونات للإدراك جنون الارتياب من قبل «روبينز وبوست»: 1) شك المصاب دون أساس كافٍ بأن الآخرين يستغلونه أو يسيئون إليه أو يخدعونه؛ 2) الانشغال بالشكوك غير المُبررة حول ولاء الأصدقاء أو الزملاء أو جدارتهم بالثقة؛ 3) عدم ثقة المُصاب بالآخرين بسبب الخوف غير المُبرر من استعمال المعلومات بشكل ضار ضده.

يُعتبر إدراك جنون الارتياب مظهرًا من مظاهر الصراع أو الاضطراب النفسي الداخلي. على سبيل المثال، اقترح كولبي (1981) أن التحيزات نحو إلقاء اللوم على الآخرين أثناء مواجهة مشكلة ما تعمل على تخفيف الضائقة الناتجة عن الشعور بالإذلال، وتساعد على نبذ الاعتقاد بأن الذات هي المسئولة عن عدم الكفاءة. يؤكد هذا المنظور النفسي الداخلي أن سبب إدراك جنون الارتياب نابع من عقول الناس (الإدراك الاجتماعي)، ويرفض حقيقة أن إدراك جنون الارتياب قد يكون مرتبطًا بالسياق الاجتماعي الذي يشمل الإدراك. هذه النقطة مهمة للغاية لأنه بعد دراسة أسباب عدم الثقة والشك (إحدى مكونات إدراك جنون الارتياب)، أكد العديد من الباحثين أهمية التفاعل الاجتماعي، خاصةً عند انحراف التفاعل الاجتماعي بشكل خاطئ. بالإضافة لذلك، أشار نموذج لتنمية الثقة إلى أنها تزداد أو تنقص اعتمادًا على التاريخ التراكمي للتفاعل بين شخصين أو أكثر.

الأسباب الجسدية..

قد يكون رد فعل جنون الارتياب عن انخفاض الدورة الدموية في الدماغ نتيجة ارتفاع ضغط الدم أو تصلب جدران الشرايين. يتمتع جنون الارتياب الناجم عن العقاقير والمرتبط بالأمفيتامينات والميثامفيتامينات والمنشطات المماثلة بالكثير من القواسم المُشتركة مع الفصام الارتيابي؛ ما زالت العلاقة قيد الدراسة منذ عام 2012. يكون لجنون الارتياب الذي تسببه العقاقير مآل أفضل من فصام الارتياب بمجرد انقطاعها.

استنادًا على البيانات التي حصل عليها مشروع «نيميسس» الهولندي في عام 2005، كان هناك رابط بين ضعف السمع وظهور أعراض الذهان، الذي استند على بحثٍ تكميلي استمر لمدة خمس سنوات. أعلنت بعض الدراسات القديمة في الواقع إمكانية تطور حالة من جنون الارتياب في المرضى الذين يعانون من حالة تنويم الصمم. مع ذلك، أثارت هذه الفكرة الكثير من الشك خلال فترة ظهورها.

التشخيص..

في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، يُشخص جنون الارتياب وفقًا للأشكال التالية:

  • اضطراب الشخصية الزوراني.
  • فصام ارتيابي (نوع فرعي من الفصام).
  • نوع وهام الاضطهاد التابع للاضطراب الوهامي، والذي يُسمى أيضًا «الارتياب التذمري» عندما يكون التركيز على معالجة بعض الظلم من خلال الإجراءات القانونية.

وفقا لعلم النفس السريري «بّي. جاي. ماكينا»، «كاسم، فإن جنون الارتياب يشير إلى اضطراب أثار الجدال حول حقيقته، الذي يتمتع بخصائص سريري ودورة وحدود مثيرة للجدل مثلما هو الحال مع كل جوانبه تقريبًا. عند استخدامه كصفة، أصبح جنون الارتياب مرتبطًا بمجموعة متنوعة من الأشكال، من الفصام الارتيابي، من خلال اكتئاب جنون الارتياب، إلى الشخصية الارتيابية – ناهيك عن مجموعة متنوعة من الذهان وردود الفعل والحالات – وهذا فيما يخص الاضطرابات الوظيفية فقط. حتى عند اختصار المصلح إلى بادئته para التي تعني “من جانب”، فإن المصطلح يسبب مشكلةً مثل مفهوم الذهان التخيلي المثير للجدل ولكن المستمر بعناد.»

يعاني ما لا يقل عن 50% من الحالات المُشخصة بالفصام من أوهام مرجعية وأوهام الاضطهاد. قد تكون تصورات وسلوك جنون الارتياب جزءًا من العديد من الأمراض العقلية، مثل الاكتئاب والخرف، لكنها أكثر انتشارًا في ثلاثة اضطرابات عقلية: فصام الارتياب، والاضطراب الوهمي (نوع من وهام الاضطهاد)، واضطراب الشخصية الزوراني.

العنف..

من المتفق عليه بشكل عام أن الأفراد الذين يعانون من الأوهام الارتيابية سوف يميلون إلى اتخاذ إجراءات بناءً على معتقداتهم. هناك حاجة إلى مزيد من البحث حول أنواع معينة من الإجراءات المطلوبة بناءًا على أوهام جنون الارتياب. قام بعض الباحثين بمحاولات لتمييز الأنواع المختلفة من الإجراءات الناتجة عن الأوهام. قام «ويسلي» وآخرون (1993) بفعل ذلك من خلال دراسة الأفراد ذوي الأوهام الذين قام نصفهم باتخاذ إجراءات أو تصرفوا نتيجة لهذه الأوهام وفقًا للتقارير. مع ذلك، فإن تلك الأفعال لم تكن ذات طبيعة عنيفة بشكل عام في معظم التقارير. لاحظ المؤلفون أن دراسات أخرى مثل تلك الخاصة بـ «تايلور» (1985)، أظهرت أن السلوكيات العنيفة كانت أكثر شيوعًا في أنواع معينة من الأفراد المصابين بجنون الارتياب، خاصة أولئك الذين يُعتبرون عدوانيين مثل السجناء.

وجد باحثون آخرون ارتباطات بين السلوكيات المسيئة للطفولة وظهور السلوكيات العنيفة لدى الأفراد المصابين بالذهان. يمكن أن يكون هذا نتيجة عدم قدرتهم على التعامل مع العدوان مثل الأشخاص الآخرين، خاصة عند التعرض باستمرار للتهديدات المحتملة في بيئتهم. اقتُرح أن الانتباه للتهديد بحد ذاته هو أحد المساهمين الرئيسيين في الأعمال العنيفة لدى الأشخاص المصابين بجنون الارتياب، على الرغم من وجود الكثير من الجدال حول هذا الأمر أيضًا. أظهرت دراسات أخرى احتمالية وجود أنواع معينة فقط من الأوهام التي تعزز أي سلوكيات عنيفة، يبدو أن الأوهام الاضطهادية هي واحدة منها.

يبدو أن امتلاك مشاعر الامتعاض من الآخرين وعدم القدرة على فهم ما يشعر به الآخرون مرتبط بالعنف لدى الأفراد المصابين بجنون الارتياب. استند هذا إلى دراسة نظريات الفصام الارتيابي (أحد الاضطرابات النفسية الشائعة التي تظهر على أصحابها أعراض جنون الارتياب) الخاصة بقدرات العقل فيما يتعلق بالتعاطف. كشفت نتائج هذه الدراسة على وجه التحديد أنه على الرغم من أن المرضى العنيفين كانوا أكثر نجاحًا في نظرية المستوى الأعلى لمهام العقل، إلا أنهم لم يكونوا قادرين على تفسير عواطف أو ادعاءات الآخرين.

طرق التعامل مع المرضى..

قد تكون مساعدتك لشخص مصاب بجنون الارتياب أمرًا صعبًا، فهو لا ينظر إلى العالم كما تفعل وغيرك من الأفراد الأصحاء، نتيجة قلقه الزائد وأوهامه وشكّه بالعالم المحيط به، لذا يتطلب منك التعامل مع مريض جنون العظمة الكثير من الآتي:

الصبر.

التعاطف.

الحكمة.

قوة الشخصية.

إن كنت تمتلك تلك الصفات يُمكنك إذًا التعامل مع مرضى جنون العظمة بالطرق الآتية:

  1. ثقف نفسك

قبل البدء في محاولاتك في التقرب لمريض جنون الارتياب، ودعمه نفسيًا لمساعدته على الشفاء عليك أولًا التعرف على المرض، وأعراضه، وأسبابه، وطرق علاجه.

 

تواصل مع طبيب الشخص المصاب في حال كان ممن يعرف بمرضه ويتلقى العلاج، واسأله عن الأعراض التي قد تظهر عليه، والعلاج المقدم له، وما عليك فعله لمساعدته على الشفاء.

  1. شجعه على الخضوع إلى العلاج

عادةً ما يعاني المرضى من انعدام الثقة بالآخرين، لذلك قد يمثل إقناعه للامتثال إلى العلاج تحديًا كبيرًا، وذلك نتيجةً لعدم استعداده لتناول الأدوية الموصوفة، أو حضور جلسات العلاج الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إبطاء شفائه.

إذا لم يرغب المصاب في طلب العلاج فلا تمارس أساليب الضغط، وإلا فقد تصبح أيضًا في قائمة الأشخاص غير الجديرين بثقته، قم بتشجيعه فقط على متابعة برنامج علاجه.

  1. تجنب الجدال معه

عندما يعبر صديقك أو أحد أفراد أسرتك عن أفكاره الوهمية استمع إلى حديثه جيدًا دون أن تتجادل معه، فالأحداث غير الحقيقية وغير المنطقية أيضًا بالنسبة له واقعية ومتسلسلة، لذا تفهمه.

إذ يمكن للجدال أن يزيد من مرضه، ويضاعف من انعدام ثقته بنفسه وبالآخرين، وذلك نتيجة شعوره بعدم وجود من يفهمه، وعدم تقبل محيطه الضيق له.

  1. تحدث بوضوح

يمكن أن تقلل الكلمات والجمل البسيطة التي لا لبس فيها من فرصة إساءة تفسيرها، وزيادة المخاوف تجاهها، لذا حاول التعبير عن مشاعرك، أو الإجابة عن أسئلته بطريقة مباشرة.

 

حاول دائمًا إزالة مسببات شكّه فيك، وذلك من خلال تقديم المعلومات الكافية والتفسيرات قبل مغادرتك له، حتى يتفادى الإصابة بتفاقم أعراض مرض جنون العظمة.

  1. اسأله الأسئلة المفتوحة

حاول جعل صديقك المصاب يخبرك بالمزيد عن مخاوفه، وأسباب عدم ثقته بالأشخاص المحيطين به، يمكن أن يساعدك ذلك على معرفة مصدر الوهم، ويمنحك فكرة أفضل لإزالتها وتطمينه، كما قد يشعر الشخص بتحسن بعد التحدث إليك.

اطرح الأسئلة المفتوحة، مثل: لماذا تعتقد أن الآخرين يلاحقونك لإلحاق الأذى بك؟ كما يجب عليك تجنب الأسئلة التي تتمثل إجابتها بنعم أو لا.

  1. لا ترفض مخاوفه

حاول أن تتفهم شعوره، حتى إن لم تصدق أنه معرض للتهديد أو الخطر، من الضروري أن تدرك أن ما يشعر به حقيقي حتى إن لم تكن الأحداث واقعية، فهو دائمًا يتخيل الأوهام ويصدقها.

يمكنك مساعدته على إدارة مخاوفه عن طريق الآتي:

إبعاده عن الأمور التي يهابها، مثل: خوفه من الكلاب.

دعم ثقته بنفسه.

التأكيد على نقاط قوته.

مدح صفاته وسلوكياته الإيجابية.

العلاج..

يمكن أن يكون العلاج ناجحًا جدًا، وذلك بإتباع العلاج الموصوف من الطبيب، والذي يتم بطريقتين، هما:

العلاج النفسي: عادةً ما يكون بالحديث مع الشخص المصاب، ويركز على زيادة مهارات تقبل الآخرين والتفاعل معهم، والثقة بالنفس، وتعلم كيفية التعامل مع الاضطراب.

العلاج بالأدوية: يمكن أن تكون الأدوية مفيدة أيضًا، وخاصةً إذا كان المصاب يعاني من حالات أخرى مرتبطة بمرضه، مثل: الاكتئاب أو اضطراب القلق، وقد تشمل الأدوية:

الأدوية المضادة للاكتئاب.

الأدوية المضادة للقلق.

الأدوية المضادة للذهان.

الجدير بالذكر أنه يمكن أن يكون الجمع بين العلاجين الدوائي والنفسي ناجحًا جدًا.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب