خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “عائد لأبحث عنك” للكاتب الفرنسي “غيوم ميسو” تحكي عن إمكانية تغيير الحياة، وقدرة الإنسان على تغيير شروط حياته حتى لو وصل إلى مراحل متأخرة من الانهيار.
الشخصيات..
إيثان: البطل، رجل في أواخر الثلاثينيات من عمره، متخصص في علم النفس والتنمية الذاتية، حاز على شهرة كبيرة وأصبح غنيا بعد أن كان عاملا فقيرا في العشرينات من عمره، ورغم نجاحه المهني المدوي إلا أنه يشعر بالوحدة والخواء وينهار نفسيا.
جيمي: صديق البطل منذ الطفولة، تخلى عنه البطل وعن حبيبته وبدأ حياة جديدة، وتزوج “جيمي” من حبيبة “إيثان” ليربي طفلته دون أن يعلمه بذلك وبعد سنوات طويلة يتقابلان ويتصالحان.
سيلين: أحبها “إيثان” ووجد فيها امرأة حياته، لكنه تخلى عنها أيضا لأنه لا يريد أن يفقد حريته وأن يتعلق بأحد، ورغم الفراق ظلت تحبه خمسة أعوام.
جيسي: ابنة “إيثان”، تنهار عندما تعرف أنه أبيها وأنه تخلى عنها، وتحاول الانتحار، لكن مصيرها يتغير بفضل أبيها.
الراوى..
الراوي عليم، يحكي عن “ايثان “وعن وجهة نظره في الحياة، ويحكي عن شخصيات أخرى عن “سيلين” و”جيسي” و”جيمي” مبينا ما يشعرون به وما يفكرون فيه.
السرد..
الرواية تعتمد على التشويق والإثارة، وللأسف اقتبس الكاتب فكرة الرواية الأساسية من أحد الأفلام الأمريكية ليبث من خلالها أفكاره، حيث يعود البطل بعد الموت لتتسنى له الفرصة لتغيير قدره، أو على الأقل تحسينه وتخفيف حدة قسوته، فقد عاد “إيثان” بعد أن قتل ثلاث مرات، استطاع بعدها أن يتعرف على أشياء كانت خافية عنه، وأن يصلح مواقف هامة أدت لإسعاد من حوله والذين يهتم لأمرهم، وهذه الفكرة مستهلكة نوعا ما وقد تكون مضجرة لبعض القراء. الرواية تقع في حوالي 420 صفحة من القطع المتوسط.
أفعال الإنسان هي ما ترسم ملامح حياته..
تعتمد الرواية على فكرة أساسية وهي أن الإنسان بإمكانه تغيير قدره، وأنه ليس مجبرا تماما في كل أحداث حياته، وإنما هو يختار حياته بإرادته الحرة، فهو يقوم بأفعال تترتب عليها أحداث ومواقف تحكم حياته، ورغم أن كثير من الناس يقتنعون أن حياتهم مكتوبة سلفا ومقدرة ومحددة حتى قبل أن يولدوا، وقد طرح الكاتب هذه الفكرة من خلال سائق التاكسي الملون، الذي يمثل القدر المحتوم، إلا أنه قدم أيضا وجهة النظر العكسية ممثلة في الطبيب الصيني البوذي الذي يؤمن بالكارما، وأن كل أفعال الإنسان هي ما تحدد وترسم ملامح حياته.
والبطل “إيثان” يقضى يوما من أيام حياته العصيبة، والذي يخسر فيه أشياء هامة ويكتسب أشياء كان غافلا عن أهميتها، لينتهي اليوم بقتله بثلاث رصاصات، واحدة في البطن واثنتان في الرأس، لكنه يستيقظ ليجد نفسه في نفس اليوم الفائت وأن هناك فرصة منحت له لكي يحسن حياته ومصيره القاسي.
ويصارع خلال هذا اليوم لفهم أشياء كثيرة، فيعرف أن له ابنة عمرها أربعة عشر عاما، وأنه مسئول عن انهيارها النفسي والذي قد أدى لانتحارها في اليوم الأول، فيقرر إنقاذها ويحاول إنقاذها مرة ويفشل، ولكنه سينجح في المرة الثانية ويحول انهيارها النفسي إلى تماسك وقوة ويحول دون موتها، كما سيستعيد “سيلين” امرأة حياته التي أحبها وتركها.
على مدار ثلاثة أيام قاسية مليئة بالأحداث الهامة والحادة المتكررة يستطيع البطل تغيير أشياء كثيرة في حياته، سيبقي ابنته على قيد الحياة، ويعود لحبيبته، ويصالح صديق طفولته، لكنه أبدا لن يستطيع منع موته، فسيموت في النهاية مخلفا ابنا آخر في أحشاء “سيلين”، وقلبه فيها بعد أن قام الأطباء بزرع قلبه في جسدها بعد أن أصيبت معه في اليوم الثالث. وليكتشف القارئ أنه هو نفسه من قرر موته حين استأجر قاتلا مأجورا لقتله وهو مخدر تماما من الخمر.
الرواية يعيبها فقط أنها استخدمت فكرة مستهلكة، لكنها على قدر كبير من التشويق، كما أنها تسعى لتقديم فكرة محورية وهي أن الإنسان يستطيع في وقت في حياته أن يكون صاحب القرار فيها وأن يوجهها كيفما يريد، وأن ينقذ نفسه مهما وصل إلى درجة كبيرة من الانهيار النفسي والاجتماعي.
وعلى هامش تلك الفكرة المحورية أشارت الرواية إلى أن الفقراء في أمريكا هم أول من يعانون من الأزمات الاقتصادية، حيث عانوا من الأزمة الاقتصادية التي حدثت في مجال العقارات، واضطر كثير منهم إلى فقدان منزله أو تراكم الديون والفوائد على منازلهم، التي يشترونها بقروض عالية ومجحفة حتى أنهم يقضون طوال حياتهم في تسديد ثمن قرض المنزل، ومع ذلك قد تطيح بهم أزمة اقتصادية وتجعلهم يفقدون منزلهم الذي قضوا حياتهم في محاولة الاحتفاظ به.
في حين أن الأغنياء أو من يحالفهم الحظ في أن يصعدوا طبقيا مثل “إيثان” الذي تحول من عامل معه شهادة الثانوية إلى متخصص شهير في علم النفس، بعد أن التحق بالكلية وعمل في مجال يمتلك الموهبة فيه، لكن شهرته ونجاحه وغناه لم يكونوا فقط رهنا باجتهاده، وإنما لتوافر الحظ والفرصة في أن يعالج ابن إحدى المذيعات الشهريات مما فتح له أبواب الشهرة والنجاح. مما يكشف أن الصعود الطبقي في أمريكا رهنا بخطوات الحظ العابثة.
وبعد ما أصبح “إيثان” غنيا أصبح متاحا له أن يعيش برفاهية ويمتلك مركبا ليعيش فيه وسيارة فارهة واموال كثيرة فائضة عن حاجته، مما يعكس مدى التفاوت الطبقي الشاسع في أمريكا ومدى الظلم الاجتماعي الذي لا يتيح الفرص للجميع بنفس المساواة .
الكاتب..
“غيوم ميسو”, ولد في 1974، في فرنسا، تخرج من جامعة “نيس صوفيا انتيبوليس”.. ويعد واحد من أشهر الروائيين الفرنسيين, وتوضع رواياته في قوائم أفضل المبيعات. رحل “ميسو” إلى أميركا وهو في التاسعة عشر من عمره, عاش في ولاية “نيويورك” عدة أشهر, وكان يبيع الآيس كريم ليستطيع أن يعيش هناك، ثم عاد إلى فرنسا.
صدرت أولى رواياته في 2001 ولم تحقق النجاح المطلوب, ثم توالت روايته الناجحة حتى صار من أشهر مؤلفي فرنسا، ترجمت بعض رواياته إلى أكثر من عشرين لغة.
من أعماله..
1 . “وبعد”، 2004
2 . “أنقذني”، 2005
3 . “لأنني أحبك”، 2007
4 . “فتاة من ورق”، 2010
5 . “نداء الملاك”، 2011
6 . “بعد سبع سنوات”، 2012
7 . “غدا”، 2013
8 . “سنترال بارك”، 2014
9 . “اللحظة الراهنة”، 2015
10 . “فتاة بروكلين”، 2016