13 أبريل، 2024 7:48 ص
Search
Close this search box.

تمرد ناعم للنساء .. على عرف القبيلة في “مصر” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتب – عمر رياض :

للمناطق الصحراوية في العالم العربي خصوصيتها، ليست فقط تلك الخصوصية التي فرضتها الطبيعة وميزتها بالصلابة والقسوة والكرم والجود، لكن خصوصية مبنية من تراكم كبير للقوانين والأعراف والأخلاق التي تسم حدود الموطن في البادية.

يخضع لهذه الأعراف جميع أعضاء المجتمع القبلي ويحافظون عليه ويتباهون ويُذكرون بها الأجيال جيل بعد الآخر، ويظل القاضي العرفي في البادية مرجع، يحكم وفق ميراث من الحكمة والوعي والشرع وقت وقوع الحوادث أو نشوب الخلافات داخل قبيلته.

وللنساء قسم خاص داخل قانون القبيلة أو العرف، ومثل كل القوانين في البلدان العربية تأتي النساء في مستوى حقوقي أدنى من الرجال، يعود ذلك للطبيعة المحافظة للمجتمعات العربية بشكل عام والبدوية بشكل خاص، كما طغت في بعض الأحيان أشكال التدين المتشدد على تلك الأعراف، مثال على ذلك عقود ما بعد “الثورة الإسلامية”.

تاريخ قصير معروف لتمرد النساء في القبيلة، ربما بسب صعوبة تدوين تاريخ البداوة وعُزلة هذا المجتمع بشكل عام، إلا أن الجيلين السابقين استطاعوا تدوين مطالبهم بعد انتشار الشبكات وسهولة التواصل عبر “الإنترنت”، مع الحروب أيضًا ارتفعت أصوات النساء في القبيلة لتؤكد أن: “شيوخ القبائل في سيناء والكُتاب يستحوا من كتابة ما يتعلق بخطف النساء أو اعتقالهن من قِبل زوار الفجر بشكل مباشر. يروا أن الكتابة في ذلك عيب وأمر يهين القبيله لمجرد معرفة الناس به”.

زمن من التمرد الناعم..

عاشت القبائل من سكان الصحراء المصرية في عزلة لزمن طويل، وقد انتهت هذه العُزلة نسبيًا مع عودة الأراضي المحتلة، في بداية السبعينيات في “شبه جزيرة سيناء”، ذلك إذا ما عدنا لقصص البطولات لأبناء البادية من الاحتلال والانتصار العسكري، ومنها على سبيل المثال قبيلة “الهرش” و”الترابين” و”أبومنون”، الأخيرة التي تضمن الفيلم المصري، (الممر)، قصص حقيقية لها.

منذ ذلك الوقت أصبح شيخ القبيلة وسيط يُمثل قبيلته لدى الحكومة أو الدولة، كان شيخ القبيلة قبل ذلك رئيسًا  أو رأس هرم للسلطة، أنسحب ذلك على القضاء العرفي حتى قامت الدولة بنزع هذه الإمتيازات، كإتخاذ قرارات التهجير لـ”سيناء” والقبض على الأفراد دون الرجوع لشيخ القبيلة كما كان في السابق.

طوال تلك العقود إشتبكت البادية اجتماعيًا مع الحضر على التخوم، وكان لذلك أثره في تغير المجتمع القبلي وأعرافه.

مع مرحلة تحرير “سيناء”، بعد حرب تشرين أول/أكتوبر 1973، وإستلام المدن المحتلة، ومنها “العريش”، في أيار/مايو 1979، إندمج سكان البادية والحضر بعد عُزلة من الاحتلال.

يقول “عمرو السواركة”، (30 عامًا) – أحد شباب قبائل “سيناء” – إن قضاة العُرف اليوم يختلفون تمامًا عن القضاة في زمن أجدادنا، فهم يُفكرون بمفهوم الآن إلى حد ما، هذا ما نشعر به تجاه قاضينا ويدعى، “حسين”.

لم يستطيع التغيير النسبي في قانون القبيلة اللحاق بالتغير الهائل والسريع للمجتمع القبلي، فقبل “الربيع العربي” تمرد الرجال في القبيلة على الشيوخ والأعراف، التي لم تنصفهم في زمن ندرة الموارد وطغيان الآلات الحديثة والإحتياج للتعليم والعمل.

كانت صور أطباق البث الفضائي المغروسة في الرمال، بجانب المساكن الفقيرة، تُبرز ذلك التباين، ومن ثم الثراء الفاحش لشيوخ القبائل بسبب تجارة ممنوعة على حساب القبيلة.

ومع اندلاع الثورات تمردت النساء على إنتقاص حقوقهن، وتصنيفهن وفق أعراف اجتماعية صنعتها ظروف جهل وتشدد لم تفي بإحتياجاتهن .

https://www.facebook.com/shahidsinai2019/

بحسب القاضي العرفي لمدينة العريش، “حسن محسن”، (70 عامًا): يتضمن القضاء العرفي عدد من الأقسام، وتندرج فيه قضايا النساء تحت سلطة قاضي يُعرف بـ”العقبي” و”المنشد” أو “المسعودي”.

يختص “العقبي” بقضايا الأحوال الشخصية؛ الطلاق والنفقة والحضانة، بينما يختص “المنشد” بقضايا العِرض: كالتحرش والاغتصاب والتعدي على المرأة من شخص غريب.

https://www.facebook.com/abo.shdeed.1/videos/1187011371492055/

يقول “عبدالله الترباني”، (40 عامًا)، من شباب قبيلة “الترابين”، بـ”الشيخ زويد”: “القضاء العرفي في منطقتنا انتهى تقريبًا، بسبب التغير الذي أحدثته الحرب على الإرهاب، كالتهجير، والذي لم يكن للقضاة والشيوخ فيه أي دور من أدوارهم القديمة، إلا أن بعض المشاكل المستعصية على الحل نلجأ فيها إلى شخص يشهد له بالخبرة كبديل؛ ولابد أن تتفق الأطراف عليه، وتكون غرامة الأخطاء أو التزوير فيه ما يقابل 40 جمل”.

مع التغيرات السياسية، والتي انتهت بتهجير مدن كاملة، لم تصمد شيوخ القبائل، كما لم تصمد بعض الأعراف أيضًا أمام مطالبات تواكب هذا التغير الكبير.

بطلة في رواية كاتب سيناوي كانت رمزًا واقعيًا للتمرد على العُرف..

إذا قرأت رواية الكاتب السيناوي، “سامي سعد”، (السراديب) – من إصدارات دار “ميريت” – فسوف تقع في غرام “الفاطم”، وهي الشخصية الرئيسة ضمن شخصيات الرواية التي خصص لها الراوي فصلًا ليصف لنا شخصيتها.

“المرأة التي إمتلأت حتى لم تشعر بالحاجة إلى ستر وجهها عن الرجال”.

تحت عنوان “الفطم”؛ كتب “سامي سعد”، هذا السطر السابق لنرى كيف لسيدة في القبيلة أن تتمرد على الشكل قبل تمردها على “قانون الميراث”، حقها الذي أرادت إنتزاعة من أخوة يسيرون على حسب العُرف في مجتمع “المواصي”، أو تلك القطعة الصحراوية المزروعة بالنخيل؛ ويعيش سكانها في عرائش أو غرف صُنعت من النباتات الجافة.

يوضح “سعد”: “تجربة (الفاطم) حدثت بالفعل في الواقع، وقد رأيت بعيني نماذج مثلها”، فقد خاضت المرأة السيبناوية معارك داخل المجالس العُرفية من أجل قضيتها، منذ زمن “السلام” حدث ما يسمى بالردة في هذا الإتجاه وسيطر الدين – الإسلام الوهابي – في حين أن المرأة السيناوية كانت “محرك” هذا المجتمع، كانت تزرع وتقلع وتقوم “بجد الزيتون”، كما نقول هنا أو قطفه، ويُكمل: “أن الشخصية التي كتبتها بالرواية هي شخصية حقيقية وأسمها، فاطمة حسن بكير، ويعرف كثير من جيلي هذه السيدة”.

ويضيف “سعد”؛ أن هنا في “شمال سيناء” السيدة مقدرة في البادية، والدليل على ذلك أن العُرف يوجد فيه ما يسمى بـ”الصايحة”، وهي المرأة التي تقف بدون شهود لتقول قولها أمام القاضي العُرفي وهي مصدقة أمامه بلا حلف لليمين أو شهادة شهود.

لأماكن سكن المرأة أيضًا قدسية؛ فالعابر أمام منزل تسكنه سيدة لابد أن يسير على بُعد 50 متر من سور المنزل أو العريشة حتى.

يقول “سعد”: “لكن ما يحدث في هذا المجتمع اليوم؛ هو ضد الحضارة ليس في البادية، لكن في المدينة، المرأة فارغة تضع نقابًا لانها فارغة وليست ممتلئة من داخلها كشخصية (الفاطم) إن أردت”.

نساء في البادية بين العُرف والحرب..

وصفت صفحات تخص مناطق ومدن مختلفة لـ”شمال سيناء”، على مواقع التواصل والشبكة العنكبوتية؛ حال النساء بالمتراجع، وأنه في تقهقر مستمر، خصوصًا مع فرض حالة حرب على شبه الجزيرة وتهجير معظم السكان، الأمر الذي جعل الأزمات تتجاوز القبيلة وتخومها إلى معركة مع الدولة ببيروقراطيتها وعنفها أيضًا.

هرب البعض من المسؤولية والبعض لم يصمد أمام آلة الدولة فانهار أو سُجن..

يقول القاضي، “يحيى الغول”، أشهر قضاة العُرف بمدينة “العريش”: أنه طوال تاريخ عمله لم يرى سيدة استطاعت أن تُغير قاعدة في القضاء أو العُرف، لكن ربما يحدث لاحقًا.

يضيف “الغول”: “أن المنشد هو القاضي، يختص ضمنيًا بِشق عرض النساء ومن يخوض فيه”.

مبينًا: “وما إذا كان المتعد غريبًا أو رجل حكومة أو موظف، فإن الحكم يقع عليه إن ما أساء لوظيفته، بالمقارنة بزميله الذى يُحسن أداء عمله، فالحكم يكون بقاعدة مجردة”.

يخوض مجتمع البادية الآن تجربة مريرة، بحسب شهادة أعضاءه، وربما تطول التجربة بسبب التغير الذي يحدث للأسباب السابقة، من حرب وتغيير ديموغرافي، لكن ربما مازالت هناك صور لبشر في طريقهم للزوال.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب