9 فبراير، 2025 7:23 ص

السينما الفرنسية (21) إيف سيامبي: إذا لم يكن المخرج مسكوناً بالقصة يتوجب عليه عدم إخراجها

السينما الفرنسية (21) إيف سيامبي: إذا لم يكن المخرج مسكوناً بالقصة يتوجب عليه عدم إخراجها

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يرى المخرج الفرنسي “إيريك روهمر” أنه إذا لم توجد صعوبات أثناء الفيلم يعني ذلك أن الفيلم غير مهم، ويقول أنه يختار الممثلين القادرين على إلهامه. ويؤكد على أن تكون التقنية في خدمة التعبير. ويرى “هنري فرناي” أنه لا يمكن التسلح في مهنة المخرج إلا بالكاميرا، والتعبير عن ما ينتمي للصورة. ويؤكد “إيف سيامبي” أن نجاح الفيلم يكون بتوفر عمل جماعي متقن للفريق ووجود سياق مناسب. ويقول أنه يحاول أن يوفر الحرية للممثلين في الأداء.

نواصل قراءة الكتاب المميز (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.

إيريك روهمر Eric ROHMER

“إيريك روهمر” مخرج فرنسي، ولد في نانسي سنة 1920. أستاذ مدرس، ثم ناقد في مجلة “دفاتر السينما”. وضع دراسة عن المخرج مورنو سنة 1977.

من أبرز الأفلام التي أخرجها: (صبايا الموديل (غير مكتمل، 1952)؛ برج الأسد (1959)؛ هاوية المجموعات (1967)؛ ليلتي عند مود (1969)؛ ركبة كلير (1970)؛ الحب في الظهيرة (1972)؛ برسوفال الغالي (1978)؛ بولين على الشاطئ (1983)؛ الشعاع الأخضر (1986)؛ صديق صديقتي (1987)؛ حكاية ربيعية (1989)؛ حكاية شتائية (1991)؛ الشجرة ورئيس البلدية والمكتبة (1992). وللتلفزيون المدرسي: (دون كيشوت، إدغار بو، باسكال، لابرويير، مالارميه، هيغو مهندساً معمارياً، لويس لوميار).

السينما فن يافع..

يقول “إيريك روهمر”عن كيف بدأت موهبته: “كانت متأخرة جداً. ولم أكن اذهب إلى السينما في صغري، بل اكتشفتها أثناء مرحلتي الجامعية. بدأت بمشاهدة الأفلام القديمة قبل الأفلام المعاصرة. ويعود ذلك إلى سينماتيك (مكتبة سينمائية) كانت توجد آنذاك في شارع ميسين، وتعرض فيها أفلام صامتة. وتلك الأفلام الصامتة هي التي حبّبتني في السينما”.

وعن كيف انتقل من النقد في “دفاتر السينما” إلى مرحلة الإبداع يقول: “في البداية بدت لي السينما فناً فتياً. وأكثر شباباً من بقية الفنون، وأدركت أنني قادر على العطاء أكثر في المجال السينمائي. لقد كنت أجمع بين النقد وإخراج أفلام بكاميرا 16 مليمتراً. وهذا ما فعله المعاصرون لي مثل جاك ريفيت، وجاك لوك غودار، وفرنسوا تزوفو”.

وعن هل احتفظ بتلك الأفلام الأولى يقول: “أضعت بعضها تقنياً، أي أن الأشرطة أصابها الضرر. وكنت أستعين بمصورين غير ماهرين. لكنني احتفظت منها بشريط أو شريطين، كذكرى خاصة بي، في أدراجي. والشريط الأول تم تصويره سنة 1951، مع فتى في الثامنة عشرة من العمر يدعى جان لوك غودار! وهو الممثل في ذلك الشريط القصير”.

وعن من أعجبوه من السينمائيين الذين سبقوه يقول: “هناك واحد أكنّ له إعجاباً خاصاً  وقد أنجزت دراسة عنه. ويدعى فيلهلم  فريدريش مورنو، الذي أثر فيّ أكثر من غيره. وبعده جاء بوستر كيتون، وكان هناك مخرجون انتشرت أسماؤهم آنذاك مثل غريفيت ولانغ. وفي خصوص مخرجي السينما الناطقة أحببت جان رينوار وروبرتو روسيليني الذي يعتبر أكثر من ألهم ما يسمى بالموجة الجديدة، وذلك من خلال أفكاره وطريقة رؤيته وأسلوب عمله. وهو الذي أدخل طريقة الإخراج بأسلوب توثيقي في العالم كله، لا في إيطاليا وحدها. ولكي أبين تنوع ذوقي أشير إلى أنني كنت معجباً ببعض المخرجين الأمريكيين أيضاً على غرار هوارد هاوكس. ورغم أنني وضعت كتاباً عن ألفريد هيتشكوك فقد كان تأثيره فيّ  أقل من تأثيره في كلود شابرول”.

لحظة مفعمة بالإثارة..

ويجيب عن سؤال هل هناك لحظات أكثر إثارة من غيرها، أثناء الإخراج يقول: “عندما نشرع في إنجاز فيلم ينبغي أن تكون كل لحظة مفعمة بالإثارة. لا شيء يبعث على الملل مثل اللحظات المحايدة. لكن قد يكون الاهتمام الذي ظهر أثناء الكتابة أقل بكثير أثناء الإخراج. كما أنه من الممكن أن يحدث العكس.

بعد ذلك يأتي الاهتمام بالمونتاج. وهناك من يرفض المشاركة فيه من المخرجين. أما أنا فأهتم شخصياً بكل مراحل الفيلم. لذلك تستغرق أفلامي وقتاً طويلاً نسبياً. وإذا لم تظهر صعوبات أثناء الإخراج فمعنى ذلك أن الفيلم يفتقد إلى الأهمية”.

وعن كيفية اختيار الممثلين يقول: “ما أسعى إليه قبل كل شيء هو حريتي في التعبير. لذلك لا أختار الممثلين وفق معايير تجارية، بل وفق قدرتهم على إلهامي”.

وعن طريقته في تحريكهم يقول: “أعتقد أن على العمل أن يسير من تلقاء ذاته إذا تم اختيار الممثلين بشكل جيد، وإذا أحبوا أدوارهم منذ البداية. لا أميل إلى التوجيه والتدخل وإسداء النصائح مثلما يحدث في الإخراج المسرحي. وهذا ما لا أؤمن به في السينما. فعلى الممثل أن يؤدي دوره ويختار الحركة التي يجدها أفضل من غيرها. عليه أن يكون مقتنعاً بالشخصية التي يجسدها. وما على المخرج إلا أن يصوّر الحكاية”.

ويجيب عن سؤال إذا جيء إليك بسيناريو، وقيل لك “التمويل متوافر”. هل توافق على إخراج الفيلم؟: “لا. فأنا لا أعتبر نفسي مؤهلاً كمخرج، بل كشخص قادر على سرد بعض الحكايات التي اختارها، سينمائياً”.

وعن موافقته على عرض أفلامه بواسطة التلفزيون يقول: “أفضّل عرضها في القاعات، لأن مشاهدة شريطي من قبل عدد هائل من المتفرجين، في يوم واحد وعرض وحيد، أمر يزعجني كثيراً.

لا أحرص على أن يشاهد أفلامي أكبر عدد ممكن من المتفرجين. لا أهمية للعدد. مع أنني لا أنكر الجانب المالي في صناعة الفيلم. من الأفضل أن يسترجع العمل تكاليفه، لكن من الأفضل أيضاً أن يجد الفيلم جمهوره الخاص”.

وعن التفكير في التعامل مع التلفزيون يقول: “تعاملت معه من خلال أفلام قصيرة أخرجتها للتلفزيون التعليمي، وبعض البرامج القليلة ضمن سلسلة “سينمائيون معاصرون”، مع جانين بازان وسيلفان لابارت. إذن أنا أعرف التلفزيون. ورغم أن الصورة أقل جودة من السينما فلست ضد هذه الوسيلة. شخصياً لا أمتلك تلفازاً. لا أحب طريقته في التأثير على سيرورة الحياة. أما في السينما فتستطيع أن تذهب كل يوم، لكنك تمارس الاختيار”.

وعن أهمية التقنية يقول: “على التقنية أن تكون في خدمة التعبير. وسيلة، لا غاية. فالتقنية مهمة جداً في السينما، ودقيقة جداً. والسينما فن يمارس بواسطة الآلات. لكن يتوجب إتقان تشغيل تلك الآلات. والخبرة تؤدي إلى اكتساب السهولة في هذا المجال”.

وعن اهتمامه بالمتفرجين يقول: “أي فيلم هو موجّه للجمهور أساساً. ولا أقول أنه “من أجل الجمهور” وأنا مع التفرد والذوق. ولا يعيبني في شيء أن يكون هناك من لا تعجبه أفلامي. لابد من وجود سينما متعددة لكل الأذواق. وما ألوم التلفزيون عليه هو ذلك التشابه بين عروضه.

عندما عُرض شريط “ليلتي عند مود” في مهرجان كان، وكنت متغيباً عنه، قيل: “هذا الفيلم لن يشاهده أكثر من ثلاثين ألف شخص”. فكان عدد من شاهدوه في نهاية المطاف أكثر من مائتي ألف متفرج. وكان الأمر مفاجئاً للآخرين، ولي شخصياً أيضاً. أعتقد أن على المخرج عدم مسايرة الجمهور المتكاسل، أو مخاطبة قناعاته المسبقة، بل محاولة توعيته، أو على الأقل توجيه ذوقه نحو نوع من التجديد للحواس. عندما بدأ أبناء جيلي يقدمون أفلاماً، صار المنتجون يقولون: “والجمهور؟” فأجيبهم: “لكن، انتبهوا، في فرنسا، كل الناس يحملون شهادة الباكالوريا” لم يعد يوجد أغبياء في فرنسا منذ 1789. ينبغي تكوين فكرة أفضل عن الجمهور”.

غذاء فكري..

وعن استمرار ارتياده لقاعات السينما يقول: “بعكس الكثير من أصدقائي، لا اذهب كثيراً إلى السينما. عندما كنت ناقداً كانت السينما بالنسبة لي غذاءً فكرياً أساسياً. ولقد ألهمتني كثيراً. أما اليوم فهي تقدم لي أقل من المطالعة أو الرسم أو الموسيقى، وذلك بوصفي سينمائياً. مشاهدة الأفلام لا تكسبني أفكاراً، بالإضافة إلى أنني صرت صعباً ومتطلباً. لست متفرجاً جيداً. ولا يعجبني الكثير من الأفلام. وقد أجد واحداً جيداً بعد رؤية عشرة منها. لذلك أعود إلى رؤية الأفلام القديمة.

هذه آراء تنبع من ذاتي. وهي شخصية جداً. ولا أطرح نفسي قدوة. أعتقد أن حياة الإنسان تنقسم إلى عدة أعمار. في حياتي مررت بعمر النقد، وأنا الآن أصنع أفلاماً بدوري. وقد يأتي عمر آخر، أمارس فيه التنظير السينمائي وأعود إلى مشاهدة الأفلام بوتيرة أشمل”.

وعن إعادة مشاهدة أفلامه يقول: “نعم. لكنني أفضّل عدم المبالغة. هناك متعة في إعادة مشاهدة ما نسيناه. أتصرف إزاء أفلامي كما أفعل تجاه الاسطوانات الموسيقية التي أحبها. لا أكرر سماعها كثيراً حتى لا استنفدها. وهذا ينطبق على الأفلام التي أذهب لإعادة مشاهدتها في السينماتيك. شخصياً لا تزعجني العودة إلى الوراء”.

هنري فرناي Henri VERNEUIL

“هنري فرناي” مخرج فرنسي، ولد في رودوستو (تركيا) سنة 1920. صحافي إذاعي، مساعد روبير فرني. من أبرز الأفلام التي أخرجها: (مائدة الموتى (1951)؛ ثلاثية آس الورق (1952)؛ عدو الأمن العام رقم 1 (1953)؛ الخروف ذو القوائم الخمس (1954)؛ أناس بلا أهمية (1955)؛ القائد العظيم (1958)؛ البقرة والأسير (1959)؛ الرئيس (1960)؛ الفرنسية والحب (سكاتش، 1960)؛ إطلاق الأسوُد (1961)؛ قرد في الشتاء (1961)؛ نغم في القبو (1962)؛ مئة ألف دولار تحت الشمس (1963)؛ عطلة نهاية الأسبوع في زويدكوت (1964)؛ الساعة الخامسة والعشرون (1966)؛ معركة سان سيباستيان (1967)؛ عصابة الصقليين (1969)؛ لاكاس (1971)؛ الثعبان (1972)؛ خوف في المدينة (1975)؛ جثة عدوي (1979)؛ “إ” مثل إيكاروس (1979)؛ ألف مليار من الدولارات (1982)؛ مورفالو (1983)؛ مايريغ (1990)؛ 588، شارع الفردوس (1991).

التباهي بالمعاناة..

يقول “هنري فرناي” عن كيف جاء إلى السينما: “بدأت صحافياً في محطة راديو مرسيليا. وهناك بدأ تعلقي بالسينما. وبعد أن عملت مساعداً للمخرج روبير فرني أخرجت بعض الأفلام القصيرة التي فتحت أبواب السينما ذات الجمهور الواسع.

عموماً أحب الانتقال من نوع إلى نوع مختلف. كما أبحث عن الجديد دائماً، سواء على صعيد ضبط الصورة أم المؤثرات أم المناخات الفوتوغرافية. لكنني لست من صنف المخرجين الذين يتباهون بالمعاناة والانكباب على التفكير في عملهم”.

وعن كونه أفضل متخصص في فيلم الحركة والتشويق على الطريقة الفرنكو- أمريكية يقول: “أحب هذا النوع. ففي شريط “عصابة الصقليين” شُغفت بظاهرة كان يمكن أن تحبط عملية يعدها أصحابها. وكان من المثير إعادة بناء طائرة بوينغ في الأستوديو بحجم طبيعي، تعمل تحت المرآب وكأنها تحلق على ارتفاع عشرة آلاف متر. أعجبني كذلك مظهر الصلافة في الحكاية: عملية سطو مسلح في الأجواء، لن يستعاد ريعها، ويتحول إلى موضوع إرث متنازع عليه. هذا هو نوع الحكاية المفعمة بالحركة والتشويق، والذي يبعث فيّ الحماسة لإخراج الفيلم”.

روح الأفلام الأمريكية..

وعن مقولة أنه في غاية التأثر بالسينما الأمريكية يقول: “لقد شاهدت كل أعمال السينمائيين الأمريكيين الكبار وأعجبت بها. وهذا جعلني لا أكرر ما نجحوا في إنجازه. ولعلي استجبت قليلاً للإغواء عندما صورت “معركة سان سيباستيان” مع أنطوني كوين. ولعل ذلك يفسر أيضاً سعيي إلى البحث عن ديكورات مناسبة لمشاهد الحركة والقتال، مثل الأمريكيين. ولا أخفي أنني أخرجت “معركة سان سيباستيان” بروح الأفلام الأميركية الكبيرة وأسلوبها، في هذا الصنف. وبموازاة ذلك ابتعدت عن الايطاليين الذين، على غرار سرجيو ليوني، فضلوا المراهنة على ورقة العنف فقط”.

وعن ولع بأفلام الوسترن يقول: “وهذا ما جعلني أضع شخصيات “معركة سان سيباستيان” في سياق “فيفا فيللا” لجاك كونواي، و”زاباتا” لايليا كازان، و”الرب في حاجة للبشر” لجون فورد. لقد تم تصوير هجوم الفرسان، والمخاطرات، والانفجارات، بالطريقة الأمريكية. كانت تجربة مثيرة. لكنها كانت في منتهى الصعوبة تقنياً”.

وعن مهنة المخرج يقول: “أولى ميزات المخرج هو ألا يحمل نفسه محمل الجد. ومن الأفضل أن يتم ذلك من قبل جمهوره. وثمة ميزة أخرى جوهرية للمخرج: أن يكون قادراً على جلب خمسة منتجين باسمه، مع القدرة على حرية العمل كما يريد، بعد ذلك. والقدرة على إخراج فيلم تتطلب أن يكون أمام المخرج حوالي خمسة أشهر من التصوير، ورأسمال يقدر بحوالي مليار، وذلك فوراً.

لكن، من المؤسف أن السينمائيين حالياً يدفعون بالناس المعافين إلى تفضيل الكتب على الأفلام. إنهم يصرون على صناعة سينما للمرضى، وتحويل قاعات العرض إلى مستشفيات مجانين. أما أنا فأصر على المفهوم الحقيقي للسينما العالمية. أنا ضد سينما النوايا حيث يجري الخلط بين الأدب والسينما”.

ويجيب عن سؤال هل تعني أن النجاح يفسر كل شيء: “لا، أبداً. وهنا تكمن المأساة. فثمة أناس غير موهوبين توصلوا إلى النجاح. وهذا أعطى قدوة سيئة. إذ صار الشباب يعتقدون أن النجاح هو الضمانة الوحيدة للموهبة. أؤمن بصدق أن أهم ما في هذه المهنة هو الرغبة في إجادة عمل ما نقوم به”.

وعن النصائح التي يقدمها للسينمائي الشاب يقول: “أن يتخلى عن الأصدقاء المزيفين، والناس غير الجادين، وأن يجيد استخدام وسائل السينما. إن التوجه الفكري يقضي على التقنية. ففي هذه المهنة لا يمكن التسلح إلا بالكاميرا ولا يمكن التعبير إلا بما ينتمي إلى ضبط الصورة”.

وعن تمييز بعض أفلامه عن بعضها الآخر يقول: “عندما فكرت في إخراج “عطلة نهاية الأسبوع في زويدكوت” كان من المثير، إلى جانب رواية روبير ميرل، قراءة حوالي خمسين مؤلفاً من التاريخ أو ذات علاقة بالشهادات، من أجل استعادة روح العصر. وفي حالة “الساعة الخامسة والعشرون” كان من المثير للاهتمام تبيان لا معقولية الحرب. وخلال تقديم المآسي الكبرى لا أهتم بعواقبها على القوى التي تسببت في اندلاعها، بل أهتم بوصف القوى التي تطحن الأبرياء”.

وعن كيف يختار الممثلين يقول: “أطالب بالاحتراف. ويكفي الإطلاع على جنريك (شارات) أفلامي في هذا المجال”.

وعن استخدام الألوان هل تعلقا بالواقعية أم بحثاً عن نوع من الدلالة الرمزية يقول: “أتعامل مع الأفلام الملونة كما لو كانت بالأبيض والأسود. اهتمامي الوحيد اختيار الفيلم الأكثر حساسية، للتوصل إلى أكبر قدر من الدقة”.

وعن طريقته في العمل أثناء الإخراج يقول: “أفكر في كل اللقطات، وفي طريقة ضبط الصورة، وذلك منذ الصباح الباكر، أي قبل مجيء التقنيين والممثلين”.

وعن إعطاء الأولوية للتقنية يقول: “بعد تجربتي الطويلة في مجال السينما صرت قادراً على وضع الكاميرا حيث ينبغي أن تكون. وفي كل الأحوال يكون الاختيار الأول هو الأفضل. فلا حاجة للتردد. وذلك سواء بالنسبة لاختيار الكادر أم ضبط الصورة، أم بالنسبة للديكور. ولقد تعلمت الكثير، من السينمائيين الأمريكيين، في ما يخص التشدد في مسألة اختيار الكادر المناسب”.

وعن وصفه لمهنة المخرج يقول: “لا أستطيع الإجابة إلا بالقول إنني أبذل جهدي وأتحمل أعباء كل فيلم. والحقيقة أن دور الكاميرا هو الذي يتمثل في ضرورة التعبير عن  كل شيء، بما في ذلك مشاعر الممثلين. ومن يكون خلف الكاميرا؟”.

إيف سيامبي Yves CIAMPI

“إيف سيامبي” مخرج فرنسي ولد في باريس سنة 1921. توفي سنة 1982. مارس مهنة الطب قبل الانتقال إلى السينما. من أبرز الأفلام التي أخرجها: (رفاق المجد (1945)؛ سوزان والأشرار (1948)؛ ربّ العمل الماهر (1951)؛ العبد (1953)؛ تعب الأبطال (1955)؛ إعصار على ناغازاكي (1959)؛ من أنت يا سيد سورج؟ (1960)؛ السماء على الرأس (1964)؛ قبيل أيام قليلة (1968).

حساب تجاري شاق..

يقول”إيف سيامبي”عن كيف يختار الممثلين وكيف يعد ملصقاً: “من المؤسف أن اختيار الممثلين يتوقف على اعتبارات تجارية: إذْ يضطر المخرج إلى نوع من التسوية بحيث يسعى إلى خلق نوع من التوافق بين الشخصيات التي يحلم بها، والنجوم الذين يضمنون له السوق. إنه حساب تجاري شاق. وفي حالة ثانية يختار المخرج ممثلاً متطابقاً تماماً مع الشخصية. وهذا أهم. وهو ما ألجأ إليه عادة.

وللبحث عن الممثلين يتوجب الذهاب إلى معاهد الفن الدرامي، ومتابعة فرق التمثيل الشابة، وارتياد مقاهي العروض المسرحية، أي كل الأمكنة التي توجد فيها مواهب شابة. وعندما يتم اكتشاف موهبة، يحدث أن ينقض الجميع عليها لافتكاكها من مكتشفها!

ومع ذلك تشكو السينما عندنا من نقص مأسوي في اكتشاف النجوم. إن مجموعة من الظروف المتساوقة هي التي تضع النجم، إلى جانب الموضوع والمخرج والمناخ الاجتماعي. وهذا ما توافر بالنسبة إلى فيلم “الموت حباً” أو “Love Story”. ولو ظهر الشريطان قبل ثلاثة أعوام أو بعدها، لما حققا النجاح نفسه. فالقول إن بطل هذا الفيلم، أو بطلة ذاك، من النجوم الشعبية، هو خطأ. لقد تمتعا بظروف مواتية، ومناخ مناسب. ولا يمكن المبالغة والقول إنهما صارا من النجوم التي يتم التنازع عليها بملايين الدولارات. خذ مثلاً فاي دوناواي- أعشق هذه المرأة والممثلة- التي أنجحت شريط “بوني وكلايد”. وهي لم تتحول إلى نجمة بسبب نجاح الفيلم. فقد سبق لها التمثيل في شريطين فاشلين. لماذا؟ لأن “بوني وكلايد” شيء، وفاي دونواي شيء آخر. ينجح الفيلم لأن فريقا يضم المنتج والنجوم والموزع والمخرج والمؤلف، وجد نفسه، في سياق هيأ ظروفاً ملائمة للفيلم. وهذا لا يعني أن كل عنصر من عناصر هذا الفيلم سوف يعرف النجومية غداً. هذا ما يتم ادعاؤه مع الأسف. حتى المسئولة عن الأزياء يمكنها القول: “لقد أنجزت بوني وكلايد” لتصير تلك القيّمة على الملابس أغلى من غيرها. إنه الغباء بعينه!”.

وعن إدارة الممثلين، وكيف يتصرف معهم يقول: “عرفت مخرجين كباراً ذوي تصورات في منتهى التعارض، إزاء طريقة إدارة الممثلين. لنأخذ كلوزو، جان رينوار، بريسون، على سبيل المثال، وهم من الأساتذة الكبار. كلوزو يؤذي نفسياً يفرض رأيه، يصفع. يقول للممثل: “أنت صاحب طباع عنيدة ويلذ لي أن أحطم عنادك”. أما بريسون الذي لا يصفع ولا يتكلم هكذا، فهو يؤذي نفسياً أيضا، لكن بأسلوب ناعم. يستلب شخصية الممثل ويفرض عليه شخصية بريسون المخرج. فهو من المخرجين الذين يفرضون أسلوبهم مع محق الممثل. أنا أعمل بعكس ذلك. لأنني أقرب إلى نقيضهما المتمثل في جان رينوار.

وفي هذا السياق لا يسعني توضيح كلامي إلا بهذه الطرفة. فقبل تصوير “تعب الأبطال” ذهبت لرؤية رينوار الذي كان يخرج French-Cancan. وعلى “البلاتوه” كان الممثلون، ومن بينهم ماريا فيلكس، وكذلك التقنيون، حاضرين. ولما حضر رينوار بل “مسيو رينوار” كما كان يخاطب. سألوه “ماذا سنفعل؟” أجاب: “لست أدري أنا!” وتابع: “هيا، ابدؤوا بالتمثيل يا جماعة”، “- لكن، ماذا نمثل يا سيد رينوار؟ – لديكم نص، افعلوا ما شئتم”. كان ذلك رائعاً. كان رينوار يهيئ الظروف للممثلين فيعطون أفضل ما يقدرون عليه. ولا يتدخل بلمساته كمخرج إلا في النهاية، وبطريقة غريزية. تلك هي نظريتي. لكن ذلك لا يمنعني، أحياناً، من اللجوء إلى فرض آرائي على طريقة كلوزو، لاسيما في المشاهد الدقيقة جداً، كما حصل لي خلال تصوير “الحرية” و”تعب الأبطال” و”رب العمل الماهر”.

الاحتفاء بالقصة..

وعن إعطاءه أهمية للتقنية يقول: “أعتبرها ثانوية. ينبغي امتلاكها جيداً لنسيانها تماماً. التقنية سهلة. ولا حاجة إلى الأوهام. وليست الحقيقة هي التي تمكنك من صنع فيلم جيد. وأنا ضد المخرجين الذين تشلهم التقنية. إذا لم يكن المخرج مسكوناً بالقصة التي يرويها، يتوجب عليه عدم إخراجها”.

وعن إعجابه ببعض مخرجي الأمس واليوم يقول: “لست متعصباً. وأنا أحب السينما الأمريكية في الدرجة الأولى، وبموازاة ذلك لا أحب السينما الفرنسية كثيراً. شغفت بالعصر الذهبي لكارني وما زلت أحب جان رينوار، أي كل ما هو إنساني. وما إن صارت السينما الفرنسية مصطنعة، ويسارية متطرفة- ولا أقول يسارية – حتى باتت تبعث فيَّ الملل.

أما السينما الأمريكية فتقدم فرجة حقيقية، فرجة عالمية. لماذا؟ ربما لأنها تلقائية، غر متكلفة، مصنوعة من دون عقد ثقافية، من أجل اكتساب إعجاب المشاهدين. أنا شخصياً أحب أفلام الوسترن. تولعت بفورد وهاوكس وويلر. أما بيلي وايلدر فهو يشبه الحلم في أفلام كوميدية لا تخلو من عدوانية وروح اجتماعية. لا أحب السينما المبتذلة. لابد من توافر الفرجة مع “شيء ما” يجعل تلك الفرجة ممكنة، والفيلم بعيداً عن الابتذال. وهذا ما نجده في أفلام وايلدر، وفي السينما الأمريكية عموماً، بعيداً عن ادعاء “الفن والتجربة” كما يجري عندنا في فرنسا”.

وعن الشعور بمسؤولية إزاء الجمهور يقول: “نعم. الجمهور يأتي في المقام الأول. وأعرف من يعتقدون بأن عدم توصل الجمهور إلى فهمهم يدل على عبقريتهم! أما أنا فأعود دائماً إلى جان رينوار الذي قال لي ذات يوم: “تعرف، إذا شاهد شريطك عشرة آلاف متفرج، فهذا ليس شيئاً. وإذا شاهده مئة ألف، فهذا أفضل. أما إذا شاهده مليون متفرج فهذا يضعك في موقع أفضل من السابق. لكن، إذا شاهده كل الناس في العالم، فقد حقق النجاح. تدبر أمرك، إذا، حتى يشاهده مئة مليون متفرج على الأقل. هذا هو هدفنا”.

لقد تغيرت المصطلحات وصار الشباب هم الذين يترددون على السينما. أما الذين تجاوزوا الأربعين فهم ملتصقون بشاشة التلفزيون. وأعتقد أننا في مأزق يتعلق بمخاطبة الجمهور ونوعيته. فالجمهور الشاب الذي يحب “Z” و”الاعتراف” لأنهما شريطان يطرحان مسائل سياسية، هو نفسه الجمهور الذي يحب مشاهدة الأفلام البوليسية الشهيرة. فكيف نفهم ذوق الجمهور؟ في رأيي أن صدق المخرج وتعلقه بقصته واقتناعه بها، إلى جانب موهبته، يجعل الجمهور منخرطاً. وأعتقد أن جمهور اليوم الذي يتراوح بين 28 و 30 عاماً في المتوسط، أكثر عاطفية ورومانسية من أي وقت”.

السينما هوس ومخدر..

وعن كيف ولدت موهبته يقول: “السينما عندي ليست مهنة. إنها هوس. مخدّر. كان والدي أستاذ موسيقى في الكونسرفاتوار. وأسست أمي “مدرسة الموسيقى” مع مينوهان، وإينسكو. وقدمت عمتي ريتر- سيامبي كل أعمال موزار في الأوبرا- كوميك. فأنا طفل محظوظ.

وشاءت صدف الحياة أن أتابع دراسة الطب. وعندما كنت في الصف الثاني أهدتني إشبينتي كاميرا من نوع باتيه بايبي.  وهكذا بدأ هوسي. وقدمت أفلامي الأولى في نادي السينمائيين الهواة، حيث كان يوجد رينيه  كليمون وإدوار مولينارو.

بعد الحرب، ولجوئي إلى الهرب، أكملت دراسة الطب وعدت إلى السينما. لقد تخيلت امرأتين؛ إحداهما ذكية، جميلة، باردة قليلاً، يمكن مشاركتها العشاء والسهرة، ورؤيتها في أوقات منتظمة، لأنها تشكل نوعاً من الملجأ الآمن. تلك تمثل مهنة الطب عندي. والثانية صبية لعوب، تسكن تحت الجلد، إنها العاهرة: السينما. وذات يوم يسألك أحدهم: “من التي تفضّلها على الأخرى؟” مباشرة اخترت الجديرة بالاحترام. فقدمت أطروحتي في الطب. غير أنني عدت إلى الصبيّة اللعوب، التي هي السينما. فعندما تسير السينما بشكل جيد، لا أشعر بالندم على شيء. وعندما تسوء حالها، أنزع أكثر إلى العودة إلى مهنة الطب. مع أن مهنة الطب لا تجذبني”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة