خاص: قراءة- سماح عادل
تتميز رواية “اعترافات خارجة عن الحياء” للكاتب الياباني “جونيتشيرو تانيزاكي”، ترجمة عدنان محمد، إصدار دار ورد، بأنها تصور الصراعات النفسية داخل ذات الإنسان، فهي رواية قديمة يرجح أنها كتبت في منتصف القرن الفائت لأن الكاتب توفى في 1965، ولم يقدم المترجم معلومات كافية عن الرواية، لكنها ورغم أنها كتبت في زمن سابق إلا أنها تتناول بجرأة الصراعات النفسية بين الزوجين وتأثير العلاقة الحميمة بينهما على هذا الصراعات.
الشخصيات..
الزوج: البطل، وهو أستاذ جامعي في 56 من عمره، لا نعرف له اسما لأنه لا يذكره، كذلك لا تذكره باقي شخصيات الرواية وإنما ينادونه بالأستاذ أو تقول عنه الزوجة “زوجي”، يعاني من مشاكل مع زوجته التي تصغره بعشر سنوات، ورغم أنه يحبها بشغف إلا أن علاقتهما يشوبها الجفاء.
إيكو- كو: الزوجة، هي البطلة الثانية في الرواية، لا تحب زوجها لكنها أيضا تصرح بأنها لا تكرهه لكنه لا يرضيها، لذا تعامله بجفاء والعلاقة بينهما سيئة وأقرب إلى العلاقة الرسمية، تنصاع لرغبات زوجها في بداية الرواية لكنها في النهاية تتمرد عليه وتخطط لموته.
توشي- كو: الابنة، وهي شابة تدرس في الجامعة، يتقرب منها خطيب لكنها لا تظهر اهتماما به، تحب أمها أكثر وتتواطأ معها لكنها أيضا تهتم بوالدها أثناء مرضه.
كيمورا: شاب تقدم لخطبة “توشي- كو” لكنه أبدى انجذاب لأمها، يستخدمه الزوج في لعبة خطرة لكنها تنقلب عليه.
الراوي..
الرواية تروى من خلال البطلين الزوج والزوجة، حيث أنها تدور في شكل اليوميات التي يكتبها كلا من الزوج والزوجة، ثم في نهاية الرواية ينحصر الحكي على مذكرات الزوجة، لذا نجد وجهتي نظر متعارضتين لكن التوضيح يأتي في النهاية بعد موت الزوج.
السرد..
السرد على درجة عالية من التشويق، لأنه يستخدم المذكرات أو اليوميات كتقنية في السرد، وما أعطى السرد تميزه أن المذكرات لبطلين لكل منهما وجهة نظر مختلفة عن الآخر تجاه الموضوع الواحد وهو العلاقة الزوجية بينهما، يسير السرد ببطء يكاد يكون يوما بيوم لذا فكشف القارئ للأحداث يكون تصاعديا، وعند اقتراب النهاية يكون هناك كشفا مفاجئا لما اعتقده القارئ طوال تلك الأيام، فنكتشف أن البطلة لم تكن بريئة تماما وإنما نرى جوانب جديدة من شخصيتها.
العائلة اليابانية..
الرواية كتبت في منتصف القرن الفائت، وأهم ما يميزها أنها تكشف عن طبيعة الحياة الأسرية في اليابان، تحديدا في الطبقة الوسطى التي يمثلها أستاذ الجامعة وزوجته التي تنحدر من أسرة إقطاعية محافظة، فالزوجة تربت تربية محافظة جعلتها تقبل الزواج من رجل اختارته لها أسرتها دون سابق معرفة به، ورغم أنها لم تحبه منذ الأيام الأولى للزواج إلا أنها استمرت متزوجة به لمدة عشرين عاما، وطبيعتها المحافظة سببت في حدوت جفاء خاصة أثناء العلاقة الحميمة بينهما، فهي لا تسمح بالتحدث أو برؤية أي جزء من جسدها كما لا تسمح لزوجها بان يقوم بأي فعل سوى ما هو ضروري لإتمام تلك العملية، حتى أنها لا تسمح بإضاءة الأنوار، كل تلك الممارسات جعلت زوجها مضطربا إزاء علاقتهما الحميمة، خاصة وأنها مع ذلك متطلبة وتفرض شروطها.
لذا حين أحس الزوج أنه يكبر بدأت العلاقة الحميمة بزوجته تمثل له هاجسا طاغيا، حتى أنها شغلته فيما بعد عن الكتابة والقراءة وأعماله الأخرى وأصبح مكرسا لها، وازداد شغفه بزوجته مع ازدياد معاملتها السيئة له،. لكن ما يهمنا هنا أن ذلك التحفظ بين الأزواج ليس طريقة اختارتها الزوجة لتعذب بها زوجها وإنما هو عرف سائد في الأسرة اليابانية، وهي تربت عليه، لكن الزوج بحكم عقليته المختلفة هو الذي يمثل خروجا عن المألوف فيما هو متعارف عليه في أخلاقيات الأسرة اليابانية المنتمية للطبقة الوسطى.
لعبة خطرة..
يلجأ الزوج للعبة خطرة لكي يزيد شغفه بزوجته حتى يشبعها جسديا، في محاولة منه لتعويض النقص في قدراته الجسدية وفي كبر سنه، واللعبة هي أن يشعل غيرته بها لذا استخدم “كيمورا” خطيب ابنته كأداة يشعل بها غيرته، حاول التقريب بينهما من خلال جلسات ودية يقيمها مساءا، يحرص فيها أن تتناول زوجته الشراب حتى تسكر ومن ثم تفقد وعيها، يساعده “كيمورا” في حملها بعد أن تفقد الوعي ثم يرحل، ويتفرغ الزوج لممارسة علاقة حميمة من طرف واحد يرى فيها جسد زوجته كما يشاء، كما يفعل معها كل تلك الأفعال التي كانت تحرمه منها، لكن بعد وقت تنجذب زوجته بالفعل ل”كيمورا” خاصة وأنه شاب وفتي، كما أنه يبادلها نفس الانجذاب، وتساعدهم الإبنة على التواصل ربما لأنها ترى أن أبيها قد تعامل بشكل سيء مع أمها منذ البداية، وقررت أن تنتقم منه، وبالفعل تقيم الزوجة علاقة جسدية مع “كيمورا” ويبدأ الزوج في التشكك لكنه يرفض التصديق حتى لا يصيبه ذلك بانهيار نفسي، ويزيد من تواصله الحميمي مع زوجته والذي يودي به في النهاية إلى حدوث نوبة قلبية خطيرة تقعده في الفراش.
المذكرات كوسيلة للكشف..
بما أن العلاقة بين الزوجان علاقة غير سوية، يسودها الجفاء والتشكك وسوء الظن الدائم قرر الزوج أن يعبر عما بداخله في مذكراته، التي يكتبها بشكل يومي، هو يعرف أن زوجته تتلصص على مذكراته طوال فترة زواجهما، لكنه هذه المرة تعمد أن يترك مفتاح الدرج الذي يضع فيه المذكرات أمام عينيها ليقول لها بذلك أنه يريدها أن تقرأ مذكراته، وهي أيضا قررت أن تكتب مذكراتها لتكون وسيلتها هي الأخرى في التعبير عن مشاعرها تجاهه، ولتعريفه بها لأنها تعرف أنه بالتأكيد سيسعى لقراءة مذكراتها، مما يدل على علاقة متأزمة لا يستطيع فيها الزوجان مصارحة بعضهما البعض بمشاعرهما وأفكارهما فيلجأن للحيلة.
تكشف مذكرات الزوجة أنها بعد أن أحبت “كيمورا” سعت لإجهاد زوجها حتى يتزايد مرضه وتتخلص منه نهائيا، وبالفعل انتابته نوبتان قلبيتان في شهور قليلة ومات، واعترفت أنها أوهمته أنها مريضة هي الأخرى عن طريق الكتابة في مذكراتها، كما صرحت أنها ستعيش مع “كيمورا” بتواطؤ من ابنتها، حيث ستتزوج ابنتها “كيمورا” خشية من المجتمع، في حين يعيش ثلاثتهما في بيت واحد وتستمر العلاقة بين الأم و”كيمورا”، والابنة بدورها ساهمت في التعجيل بنهاية والدها حين قرأت له مذكرات والدتها كاملة.
تعقيدات الزواج في مجتمع محافظ..
يتضح أن الكاتب يهتم بتصوير تلك التعقيدات النفسية في الأسرة اليابانية، والتي يخلقها بشكل مباشر ذلك المجتمع المحافظ الذي يحرم كثير من السلوكيات الإنسانية، ويكون عقبة في تشكيل زواج حميمي ناجح يقوم على المشاركة الوجدانية بين الزوجين وعلى المصارحة والحب والتفاهم، أهم ما يميز الكاتب أنه لم يدن الزوج الذي دفع زوجته نحو علاقة آثمة وكان يتمنى ألا تستجيب وتكون قوية، ولم يدن الزوجة أيضا رغم أنها أظهرت أنانيتها الشرسة بتعمدها قتل زوجها، إنما نقل كل تلك التعقيدات النفسية بحياد تام وبفهم عميق بالنفس الإنسانية ورغباتها.
الكاتب..
“جونيتشيرو تانيزاكي” ولد في 1886 وتوفى في 1965 حيث عاش 79 عاما، تخرج من جامعة طوكيو، وعمل كاتب، وروائي، وكاتب سيناريو، اهتمت أعماله بالحياة العائلية اليابانية في سياق التغيّرات السريعة في المجتمع الياباني في القرن العشرين، كما مثلت البحث عن هوية ثقافية يابانية في العالم الحديث. ويعتبر من أهم الروائيين والقاصين في الأدب الياباني المعاصر، ينحدر من عائلة عريقة من التجار، درس بعد إنهاء المرحلة الثانوية الأدب الإنكليزي والأدب الياباني في جامعة طوكيو مدة عامين 1908، أولى قصصه صدرت عام 1910 متأثرة بالكاتب الأمريكي “إدغار ألان بو”، كما كان متأثرا بالاتجاه الجمالي في فرنسا، وظل يكتب في هذا الاتجاه الذي صار رائده في اليابان وظهر في مجموعة بعنوان “سبع حكايات يابانية” نشرها عام 1910، أصدر عام 1925 رواية “ناومي”، وعام 1929 رواية “البعض يفضلون القراص” التي تعبر عن تحولاته الفكرية الجمالية في المرحلة الجديدة، ويتحدث فيها عن بؤس العلاقات الزوجية وتعاستها عبر صراع بين القديم والجديد، وحتمية انتصار القديم.
أصدر في الثلاثينات مجموعة من الأعمال الروائية والقصصية بأسلوب سردي استطرادي، أبرزها روايته “سيرة قيثارة الربيع” ثم كتب 1943 روايته المهمة “الأخوات ماكيوكا” التي يصف فيها بأسلوب سردي أخطار الحضارة العالمية الحديثة على المجتمع الأرستقراطي التقليدي. كما أصدر بعد الحرب العالمية الثانية رواية “والدة النقيب شيغِموتو” عام 1950، ورواية “المفتاح” عام 1956، و “يوميات رجل عجوز مجنون” عام 1961، التي استعادت بعض ملامح الأروسية (الأدب الماجن) من مرحلة شبابه.أما عمله النقدي الوحيد “قارئ الأسلوب” فيعود إلى عام 1934، ويعد تحفة نقدية في متابعة تحولات الأسلوب في الأدب الياباني.
يتسم أدب “تانيزاكي” الروائي والقصصي بانفتاحه على العالم خارج الذات الفردية، وبتمثله الإبداعي للمؤثرات الأدبية المحلية والعالمية، وقد ترجمت أعماله إلى الإنكليزية والفرنسية، ومنهما إلى عدد من اللغات الأخرى مثل العربية.