7 أبريل، 2024 1:16 ص
Search
Close this search box.

قراءة في معركة “اليونسكو” الأخيرة .. صخرة الانقسام تحطم حلم العرب في قيادة المنظمة ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – ابتهال علي :

قدم العرب أرفع منظمة دولية، معنية ببناء الإنسان ثقافيًا وعلميًا وتعليميًا ومختصة بحماية تراث العالم، لقمة سائغة لغيرهم.. رغم أنهم كانوا الأحق بقيادتها، وفقًا لفكرة تداول المناصب الهامة في المنظمات الدولية بين المناطق الجغرافية أو المتجانسة ثقافيًا، وفازت المرشحة الفرنسية “أدوري أزولاي” بمنصب المدير العام لمنظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) خلفًا للبلغارية “إيرينا بوكوفا”.

معركة خلف برج “إيفل”..

انطلقت الأسبوع الماضي، في ساحة “فونتنوا” بالعاصمة الفرنسية “باريس” خلف المدرسة العسكرية وبرج “إيفل” الشهير، أشرس معركة على منصب المدير العام لـ”اليونسكو” وسط منافسة شديدة من مرشحي 7 دول؛ منهم ثلاث دول عربية هي: “مصر ولبنان وقطر”، بالإضافة إلى “فرنسا والصين وأذربيغان وفيتنام”.

والمرشحون هم “أودري أزولاي” من فرنسا، و”مشيرة خطاب” مرشحة مصر، و”فولاد بلبل أوغلو” من أذربيغان، و”فام سان شاو” من فيتنام، و”حمد بن عبد العزيز الكواري” من قطر، و”تشيان تانغ” من الصين، و”فيرا خوري لاكويه” من لبنان.

بدأ التصويت بالترتيب الأبجدي للدول الأعضاء، وفقاً للغة الفرنسية، عن طريق الإقتراع السري للدول الأعضاء في المجلس التنفيذي للمنظمة وعددهم 58 دولة.

وسارت عملية التصويت على خمس جولات كحد أقصى لمدة خمسة أيام، حيث لم يحصل أي مرشح على الأغلبية في الجولات الأولى، وهي 30 صوتًا على الأقل.

تقدم قطر.. ودعم مصري لفرنسا..

رغم تقدم مرشح قطر، وزير الثقافة السابق “حمد عبد العزيز الكواري” (69 عامًا)، في الجولات الأربع من الإقتراع السري إلا أن الانقسام العربي دفع مؤيدي المرشحة المصرية “مشيرة خطاب” إلى منح أصواتهم للمرشحة الفرنسية “أودري أزولاي” (45 عامًا)، وحصلت على 30 صوتًا مقابل 28 صوتًا لمرشح قطر. وتصبح بذلك المدير العام رقم (11) لليونسكو؛ وثاني امرأة تشغل المنصب بعد “إيرينا بوكوفا”.

وضاعت على الدول العربية فرصة قيادة “اليونسكو”، في لحظة تاريخية فارقة، رغم أنها هي المنظمة المعنية بحماية المقدسات الإسلامية والتراثية في القدس المحتلة من العدون الصهيوني.

وكانت “أزولاي” قد تقدمت على “مشيرة خطاب” في جولة الفصل الحاسمة بينهما، نتيجة لتعادلهما في الجولة الرابعة، بحصولها على 31 صوتًا مقابل 25 صوتًا لتنافس المرشح القطرى في الجولة الأخيرة، لتعلن مصر بعدها مساندة فرنسا في معركتها ضد قطر للفوز بالمنصب.

والمثير للدهشة أن مرشحة مصر انتقدت في حوار مع مجلة “لوبوان” الفرنسية، قبل إنطلاق الانتخابات ترشيح فرنسا لـ”أودري أزولاي”، مؤكدة على أنها لا تفهم موقف فرنسا، الدولة المقر لليونسكو، مع وجود تفهم دولي على أن مسؤولية قيادة “اليونسكو” ستكون من نصيب مرشح عربي.

صراع خلف الأبواب.. وتحالفات جيوسياسية..

تفتح آلية الانتخابات في “اليونسكو” عبر الإقتراع السري، مجالًا واسعًا لحدوث صفقات مواربة وتحالفات وتغيير المواقف، ويتكون المجلس التنفيذي من مجموعة من التكتلات الجغرافية تتوزع على خريطة العالم هي:

– المجموعة الإفريقية، التي تضم 17 دولة وتعتبر أكبر كتلة، وتسلحت المرشحة المصرية بورقة تأييد الاتحاد الإفريقي.

– المجموعة الآسيوية، وهي الثانية في عدد الدول، حيث تضم 16 دولة، منها ثلاث دول عربية، هي: “لبنان وسلطنة عمان وقطر”.

– المجموعة الأوروبية، وتتكون من 15 دولة.

– ثم مجموعة الأميركتين، التي تضم عشرة دول.

ويتداخل مع هذه الكتل الجغرافية، تجمعات إقليمية أخرى، مثل الدول العربية ودول مجلس التعاون الإسلامي والدول الفرانكوفونية ودول منطقة البحر المتوسط، وهو ما كان له الكلمة الفاصلة في الانتخابات الأخيرة.

حصان السباق الفرنسي من أصول مغربية يهودية..

فمن هي “أودري أزولاي”، حصان السباق الذي اقتحم معركة “اليونسكو” في اللحظة الأخيرة، عندما تقدمت أخر يوم في الترشيح في آذار/مارس الماضي بأوراق ترشيحها.

هي من مواليد آب/أغسطس 1972، في باريس لعائلة فرنسية – مغربية يهودية؛ من منطقة “الصوير” بالمغرب، والدها هو “أندريه أزولاي” الذي شغل منصب مستشار الملك “محمد السادس” وقبله والده “الحسن الثاني”، وأمها كاتبة وخالتها صحافية في مجلة “تيليراما” الفرنسية، وكانت جدتها من اليهود “السفرديم”، ولم تنفصل عائلتها عن المغرب أبدًا.

وهو ما أثارته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، في تقرير عنوانه: “أول مدير يهودي لليونسكو”، وأشارت للمفارقة في حصول “اليونسكو” على أول مدير يهودي لها، بعد يوم واحد من قرار الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالانسحاب من المنظمة بسبب “التحيز ضد إسرائيل” !

واحدة ضمن “الكتيبة الشابة”.. في “الإليزيه”..

تخرجت “أزولاي” عام 2000؛ من المدرسة الوطنية للإدارة، التي تخرج منها الرئيس السابق “فرانسوا هولاند”. ووفقًا لمجلة “الأكسبريس”، الصدفة كانت سببًا لاقتحامها عالم السياسة عندما التقت الرئيس السابق “فرانسوا هولاند” في زيارة رسمية للمكسيك عام 2014، وتركت حينها انطباعًا طيبًا لدى “هولاند” بحيويتها وكفاءتها، ما دعاه إلى القول في تصريح للمجلة: “هي فتاة جيدة.. علينا أن نجد مهمة لها”، وبعد خمسة أشهر فقط عينها كواحدة من مستشاريه لشؤون الثقافة والإتصال.

وفي عام 2015 وضعت، “لو نوفال أوبزرفاتور”، صورتها كغلاف للمجلة؛ كمثال على “الكتيبة الشابة المقربة من دائرة هولاند”، ثم سرعان ما عينها الرئيس الفرنسي وزيرًا للثقافة والإتصال في شباط/أبريل 2016، وكثيرًا ما امتدح “هولاند” حيويتها والروح المرحة التي أضفتها على قصر “الإليزيه”. وحتى تلك اللحظة لم تكن “أزولاي” تمتلك حسابًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما تداركته خلال حملتها في معركة “اليونسكو”.

وقد لعبت دوراً بارزاً في تحول فرنسا إلى العصر الرقمي في مجال السينما، واسهمت في إصلاح منظومة رعاية الدولة للعاملين في مجال الفن والترفيه، وتعديل قوانين القرصنة الرقمية وتولت مسؤولية العروض السينمائية التي تعقد كل يوم “أحد” في قصر “الإليزيه”.

ودوليًا، بذلت جهوداً كبيرة لإنقاذ الآثار والتراث في المناطق التي تجتاحها الحروب، فبعد قيام تنظيم “داعش” بتدمير آثار مدن “نينوى والموصل” بالعراق؛ قدمت لمدير متحف “اللوفر” خطة لإنقاذ ذلك التراث، تم إعلانها مع “إيرينا بوكوفا”، مديرة “اليونسكو” آنذاك، في آذار/مارس عام 2015. كما قامت بالتعاون مع الإمارات العربية بتنظيم مؤتمر دولي لحماية التراث المعرض للخطر وتمويل عمليات الترميم.

لوموند: فتاة “هولاند” الطيبة تقود “اليونسكو”..

تعد قصة ترشيحها لليونسكو “دراما سياسية” أخرى بطلها الرئيس الفرنسي السابق “فرانسوا هولاند”.. ما دفع موقع “فرانس 24″، باللغة الفرنسية، إلى وصفها بـ”فتاة فرانسوا هولاند الطيبة تفوز بقيادة اليونسكو”.

وكشفت صحيفة “لوموند” أنها كانت تطمح في أن تترشح من قبل “الحزب الإشتراكي” في البرلمان الفرنسي عن دائرة “باريس”، إلا أن “هولاند” كانت لديه رؤية مغايرة، ودفع بها للترشح لمنصب الأمين العام لمنظمة “اليونسكو”، مخالفًا بذلك قاعدة تقليدية راسخة تمنع أي دولة تحتضن مقر منظمة دولية أن تقدم مرشحاً لإدارتها. كما تجاهل الرئيس الفرنسي حق الدول العربية في تولي المنصب، وهو ما أثار غضب العرب واتهم البعض فرنسا بأنها أهانت “الدول العربية”.

العرب والقشة التي اضاعت الفرصة الأخيرة..

مثل ترشح “أزولاي”، في أخر يوم لقبول أسماء المرشحين، القشة التي قصمت ظهر البعير في زيادة تفتيت أصوات العرب، واهتمت صحيفة “لاتمب” السويسرية بما أسمته المنافسة الشرسة، التى سوف تواجهها فرنسا من قبل العالم العربي في معركة “اليونسكو”، لمخالفتها تقاليد المنظمات الدولية التي تفرض على الدول المستضيفة للبعثات الدولية ألا تحاول تولي المناصب القيادية فيها، مثل عدم تولي أميركا لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة.

وألمحت الصحيفة إلى أن ترشيح فرنسا أدى إلى تفتيت الأصوات العربية بسبب أصول الوزيرة المغربية، وأوضحت أنها من عائلة يهودية تعود أصولها إلى منطقة “الصويرة” بالمغرب.

يذكر أن العرب كانوا يطمحون في المنصب، لاسيما أنهم المجموعة الدبلوماسية الوحيدة على خارطة العالم التي لم تتولى منصب رئيس “اليونسكو”، وهذه هي المرة الرابعة التي تتقدم فيها الدول العربية بمرشح لليونسكو، في عام 1999، عندما ترشح مدير مكتبة الإسكندرية السابق “إسماعيل سراج الدين”، إلا أنه خسر هو والمرشح السعودي “غازي القصيبي” لصالح الياباني “كوشيرو ماتسورا”.

وبعدها بعشر سنوات رشحت الجزائر الدبلوماسي “محمد بجاوي”. ومصر “فاروق حسني” وزير الثقافة الأسبق في نظام الرئيس الأسبق “حسني مبارك”، لمنصب أمين عام “اليونسكو”، إلا أنه خسر أمام المرشحة البلغارية “إيرينا بوكوفا”، كما تقدم مرشحان عربيان ضد “بوكوفا” في المرة الثانية من ترشحها.

وردت “أزولاي” على اتهامات العرب، في حوار لمجلة “جين أفريك Jeune Afrique”، بقولها: “لم يأت دور الدول العربية ولا دور فرنسا، ولكن دور اليونسكو التي بحاجة لدخول الألفية الثالثة”.

وقالت، في تصريح صحافي آخر: “كل شيء ممكن، فمنذ ثماني سنوات لم يشعر أحد بـ(إيرينا بوكوفا) وهي تتقدم بالترشيح”.

وعبرت “أزولاي”، في تدوينة لها على موقع التغريدات “تويتر”، أن على “اليونسكو” الحفاظ على التقدم العلمي “والدفاع عن تنوعنا الثقافي وقيمنا العالمية”، وتحدثت عن تاريخ عائلتها المتعدد الثقافات، التي تعد مثالًاً حيًا على الوشائج التي تجمع دول جنوب وشمال البحر المتوسط  كنقطة تدعم قدراتها على تشكيل إجماع داخل “اليونسكو”.

إصرار عربي على الانقسام..

المثير للدهشة أن العرب لم يتفقوا على مرشح واحد للفوز بالمنصب، وتقدموا بأربعة مرشحين من “العراق ومصر وقطر ولبنان”، من أصل تسعة مرشحين يمثلون دول العالم، وهو ما عكس بالضرورة حجم انقسام الدول العربية.

ومنذ انطلاق معركة “اليونسكو” بدأ الصراع السياسي يتبلور في ضراوة شديدة بين مرشحي فرنسا والصين ومصر، من أصل سبعة مرشحين فقط، بعد انسحاب كل من غواتيمالا والعراق، وأثار انسحاب مرشح العراق الدكتور “صالح الحسناوي” علامات استفهام عدة.

وجثم ثقل المشهد العربي، المفعم بالانقسامات، على حظ المرشحين العرب، حيث بؤر الحروب في العراق وسوريا وليبيا واليمن، مع توازانات القوى الإقليمية والدولية المتورطة في هذه الصراعات. وأزمة قطر مع الدول الأربع المقاطعة لها وهي المملكة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهو ما زاد الإنقسام العربي في المعركة، وافرز صراعًا ثنائيًا بين مرشح قطر ومرشحة مصر؛ تكالبت فيه أسلحة الدعاية السوداء، مثل اتهام قطر أن دفعها بوزير ثقافتها السابق هدفه الأساس عدم فوز مرشحة مصر من خلال تفتيت أصوات الدول العربية.

حتى أن آلة الدعاية المضادة لمرشح قطر، “حمد الكواري”، جندت كل أسلحتها وظلت تردد نغمة أساسية في بداية السباق، أن حظوظه ضعيفة بسبب الصورة الذهنية لقطر كداعمة وراعية للإرهاب.

وكان التصور، حسب الدعاية المصرية، أن التنافس سيكون بين “مصر وفرنسا والصين”، وأن الجولة الأخيرة ستصبح من نصيب باريس والقاهرة.

وجاء هذا اليقين بناءً على مجموعة من العوامل، أهمها أن مصر تتمتع بدعم المجموعة الإفريقية والعربية والإسلامية وأيضًا دعم دول البحر المتوسط؛ واعتمدت مصر خلال الجولات الخمس على سلاح رئيس تمثل في استغلال انسحاب المرشحين الأخرين مثل مرشح “العراق وغواتيمالا والصين”، حتى أن الخارجية المصرية قدمت شكرًا رسميًا لمرشح الصين لإنسحابه في الجولة الرابعة.

ووجه وزير الخارجية المصري “سامح شكري”، الشكر للعراق على انسحاب مرشحها دعماً للمرشح المصري، قائلاً: “هذا أمر مشكور، والرأي العام المصري استقبله بكل أمتنان وتقدير للعلاقة التي تربط بين مصر والعراق، والرغبة العراقية التي تدلل على مدى الحرص على هذه العلاقة”.

منافسة مصرية – فرنسية خالصة..

حظت “أزولاي” بدعم الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، واعتبر المراقبون أن فوز المرشحة الفرنسية، نتيجة طبيعية لدعم الدول الممولة لليونسكو لمرشح غربي وهو ما تمثل في فرنسا، كما أن أصوات الدول الفرانكوفونية في المجلس التنفيذي لليونسكو سيكون عاملًاً حاسمًا لصالح فرنسا – وهي “المغرب والجزائر وكوت ديفوار والسنغال وغانا وغينيا ولبنان وفيتنام والكاميرون وموريشيوس وتوغو وألبانيا وسلوفينيا وجمهورية الدومينيكان وهايتي وأوكرانيا”.

كما حظت بالضرورة على دعم مجموعة الدول الأوروبية الخمسة عشرة، وهي: “ألبانيا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، روسيا، إسبانيا، أوكرانيا، المملكة البريطانية، أيرلندا الشمالية، السويد، إيطاليا، إستونيا، ليتوانيا، هولندا، سلوفينيا”.

فضلًا عن أن فرنسا هي دولة المقر لليونسكو، مع أن ذلك يعتبر سلاحًا ذي حدين.

قطر تقلب أوراق اللعبة..

قلب مرشح قطر، “حمد الكواري”، التوقعات منذ بداية السباق الانتخابي بتقدمه في الجولات الأولى، بينما جاءت فرنسا في المرتبة الثانية وتلتها مصر في المرتبة الثالثة.

وهو دبلوماسي قطري، حصل على بكالوريوس الدراسات العربية والإسلامية من جامعة القاهرة، ثم حصل على الماجستير من جامعة “سان جوزيف” ببيروت، ثم درس الفلسفة السياسية في جامعة “السوربون” الفرنسية، وحصل على الدكتوراه من جامعة “ستوني بروك” في نيويورك، الولايات المتحدة، في العلوم السياسية.

بدأ “الكواري” عمله كقائم بأعمال السفير القطري في لبنان بداية السبعينيات، ومن ثم عُيّن سفيرًا لعدّة دول: “سوريا، وفرنسا، والولايات المتحدة”، ومندوب قطر للأمم المتحدة من عام 1984 وحتى عام 1990.

وفي عام 1992، عُين وزيرًا للإعلام والثقافة في قطر، حتى تم إلغاء وزارة الإعلام 1997، وخلالها قام بدفع عدد من التغيرات في قوانين الإعلام، خاصةً تلك التي هدفت إلى تقليل الرقابة على الصحف، كما شارك في تأسيس “مركز الدوحة” في حرية الإعلام، وعُيّن وزيرًا للثقافة منذ عام 2008.

وتقلد عددًا من المناصب الدولية لمدة عشر سنوات، مثل “نائب رئيس لجنة مناهضة التمييز العنصري” في الأمم المتحدة، كما مثّل قطر في “حركة دول عدم الإنحياز”.

وفي البداية تمتع “الكواري” بإجماع دول الخليج على ترشيحه، إلا أن أزمة حصار قطر الأخيرة ألقت بظلالها على تحول مواقف الدول الخليجية.

تحديات المال والتسييس والتعليم..

بعد هدوء غبار معركة “اليونسكو”، تتجه الأنظار إلى مديرتها الجديدة على أمل أن تستعيد الصورة الذهنية للمنظمة، كمؤسسة دولية تدافع عن الحريات والسلام العالمي وتناهض العنف وتحمي التراث العالمي وتدعم حوار الحضارات، وتعيد المنظمة إلى مسارها الأصيل بعيدًا عن لعبة السياسة الدولية والصراعات.

واعتبرت صحيفة “لوموند” أن المنظمة ضائعة فى خضم مهام عديدة، وأنها تمر بأزمة عنيفة، وأكدت على أن الفائز بالمنصب سيواجه تدهور ميزانيتها، التى لا تتجاوز 350 مليون دولار، نتيجة لانسحاب الولايات المتحدة، التي كانت تمد المنظمة بنحو 22% من الميزانية منذ عام 2011، احتجاجاً على قبول “فلسطين”، التي أصبحت عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.

وما يزيد الطين بلة حجم جهازها الإداري، إذ يعمل في المقر الرئيس داخل باريس نحو 2000 شخص، كما يعمل المئات في 53 فرعًا لها في أنحاء العالم، كما تتطلب برامجها ميزانيات ضخمة لمحاربة الأمية، خاصة بين الفتيات، وحماية التراث العالمي مع ما يتعرض له من تهديدات مستمرة بسبب الإرهاب والحروب ومحاولات طمسه لأسباب سياسية أو دينية.

وهناك قضية خطيرة يثيرها الغرب؛ وهي “تسييس” المنظمة.. فالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين هو جزء فقط من حقل الألغام المؤلف من قضايا معقدة وبالغة الحساسية، الذي تضطر المنظمة للخوض فيه عند إصدارها لقراراتها.

ووفقًا لصحيفة “لوموند” الفرنسية، تلقت “اليونسكو”ضربة موجعة جديدة، بإعلان كل من الولايات المتحدة ودولة الإحتلال الإسرائيلي انسحابهما من المنظمة، بدايةً من 13 كانون ثان/ديسمبر 2017، احتجاجًا على ما اعتبرته الخارجية الأميركية “تحيز المنظمة ضد إسرائيل”، وأضافت أن قرار الإنسحاب يسلط الضوء، أيضًا، على تزايد ديون المنظمة والحاجة لإجراء إصلاح جذري في المنظمة. إلا أن بعض المراقبين اعتبروا أن إدارة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” تهدف من قرار الانسحاب التنصل من ديون بلاده للمنظمة، التي تتجاوز نصف مليار دولار.

يذكر أن واشنطن أوقفت عام 2011، مساهمتها المالية الكبيرة التي كانت تخصصها لليونسكو، احتجاجاً على قرار منح الفلسطينيين عضوية كاملة بالمنظمة.

وتعرضت المنظمة لهجوم شديد من رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، العام الماضي: عقب تبنيها اقتراح عربي باعتبار “مدينة الخليل” الفلسطينية و(الحرم الإبراهيمي) “موقع تراث عالمي فلسطينى إسلامي في خطر”، واتهم “نتنياهو” المنظمة بترويج تاريخ زائف.

وهناك قضايا معلقة شائكة بين اليابان وجاراتها مثل فيتنام والصين وكوريا، بشأن تاريخ الحروب والغزو الياباني لتلك المناطق، القرن الماضي. وتهدد اليابان بوقف حصتها في ميزاينة المنظمة، بسبب ضم وثائق صينية لبرنامج “ذاكرة العالم”، تتعلق بمذبحة “نانجينغ” العاصمة الصينية القديمة عام 1937، عندما احتلت اليابان أجزاء من الصين.

وتأتي قضية محورية تضطلع بها “اليونسكو”؛ وهي التعليم ومحو أمية الفتيات، وتشير الاحصاءات إلى أن هناك نحو 100 مليون طفل في العالم لا يحصل على فرصة التعليم.

الأمر المؤكد أن من يتولى مسؤولية “اليونسكو”، سواء كان قطريًا أو فرنسيًا، لا يملك العصا السحرية لإعادة المنظمة لمسارها الصحيح، ولن يعيد الولايات المتحدة، أكبر ممول، لاحضانها بدون تنازلات ملموسة.

والأهم أن العرب أضاعوا فرصة تاريخية ثمينة – طال انتظارها – لقيادة منظمة دولية، في وقت تتعرض مقدساتهم وآثارهم وتراثهم لهجمات شرسة من تنظيم “داعش” و”الاحتلال الصهيوني”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب