تكافئ العقيدة العسكرية في اهميتها للجيوش الحديثة، العقيدة الدينية التي كانت تلهب حماس الجيوش في حروبها الدينية، لدورها المبهر في خلق عصبيه موازيه للعقائد الروحية، مما يعزز قدرتها القتالية. حيث تحولت الجيوش الحديثة خاصه في اوربا من عقيدة الحروب المقدسة باسم الله الى عقيده علمانية تعاصر تطور الزمن ولكن بدون تغيير جوهري في قلب الروح القتالية للجيوش. فأصبح لمعان نياشين الذهب على صدور افراد الجيوش الأمريكية مثلا” في حربها على الارهاب، تعادل في قداستها اكاليل الغار لأباطرة اوربا وفرسان الحروب الصليبية، رغم انها تصدر من عقيده عسكريه علمانية. وأصبح انبياء الفكر العلماني ومشرعي الطور الحضاري الاحدث يؤسسون لحروب المستقبل والهوموسايبر بأسس لا تقبل النقد والمراجعة، فتحولت عقيدة المستقبل الى تدين مذهل وايمان مطلق بعدالة الحروب.
ان المعنى الاخلاقي للقتال والموت، هو المحفز الاول والصانع لمعنويات الجندي في الحرب. ليلتحم مع عوامل اخرى كالتدريب والتسليح لتشكل ما يسمى بالعقيدة العسكرية، وهي الحد الفاصل بين قداسة الحروب وافعال المرتزقة وصائدي الفرص والمليشيات.
ان البناء السياسي للدولة هو الصانع الاساسي لعقيدة الجيش لتحول طبيعة الصراع من جيوش مع جيوش اخرى الى دخول الدولة بكل مكوناتها الاقتصادية والسياسية والفكرية في الحرب، فأصبح السياسي هو من يحدد العقيدة العسكرية ليتم التأسيس لها وتعزيزها في قطاعات الجيش لتكون واضحة ومعززه بالتأييد الشعبي.
لم يكن للعرب قبل الاسلام عقيده حقيقيه في الحرب، فكانت غرائز اللصوصية و السلب والنهب والغدر سمه واضحة في بنائهم العسكري، حتى الممالك التي ظهرت وخفت بريقها بسرعه، لم يكن لديها خصوصيه واضحة في الحرب كالمناذرة في الحيرة او دولة كنده في الجزيرة وغيرها، حيث كانت الولاءات تتبدل بين الروم والفرس والاحلاف القبلية. وعندما جاء الاسلام تبلورت صيرورة العقل العسكري الاولى في تاريخ العرب حيث حدد النبي الاكرم آداب الحرب وبناء المقاتلين وعقيدة القادة، حتى ابجديات الحرب النفسية وتكتيكات الحروب كمعركة الخندق. وأعتقد بأن العقيدة العسكرية للمسلمين ووضوح الاهداف رغم انحرافها لاحقا” هي السبب الرئيسي في امتداد موجة الاسلام الى العالم.
تم بناء العقيدة العسكرية للجيوش العربية على العداء لإسرائيل فكانت اناشيد الجيوش العربية في ساحات التدريب تتغنى بأسماء يافا، وعكا، وصفد والقدس بحيث كان الجندي يشعر بنبل الهدف وقداسته في تحرير فلسطين. تم اختبار هذه العقيدة في الحرب فأثبت الجندي العربي فشله الذريع وعدم قدرته على مجاراة اليهود في اسلحتهم المتطورة وعقيدتهم الدينية القوية، رغم بريق بعض الاحداث كعبور خط بارليف, وانتصار حزب الله في لبنان, ولكنها تبقى تجارب لا يمكن التعميم بدلالاتها العسكرية.
كان لاجتياح الكويت وحروب الانفال اثرا” بالغا” في تحول الجندي العراقي الى اداة تنفذ ارادة الدكتاتور بدون استحضار أي معنى مقدس للحرب ,حتى في حربه مع ايران لم يواجهها بعقيده حقيقه. بل تم دفعه اليها بفرق الاعدامات خلف خطوط التماس. اما بعد 2003 فتم بناء الجيش بغياب السيادة الوطنية, فكان بناءه لتعويض النقص العددي في الجيش الامريكي, فلم تتبلور عقيده عسكريه واضحة المعالم بتحديد اهداف الحرب. حيث تحول الى شرطي في مواجهة العصابات الممولة مخابراتيا” من دول عديده.
كانت نكسة الموصل الضربة التي لم يستطع الجيش العراقي الإفاقة منها الى الان، بحيث ضاع اخر امل في بناء جيش حقيقي لبلد تمزقه الحروب, لان الاحتراب السياسي والشقاق العقائدي في التجربة السياسية انعكس بانهيار هذا الجيش وضياع فرص العودة الى المجتمع الدولي, ليتحول العراق الان الى مسرح استخباراتي بامتياز نتيجة موت العقيدة العسكرية للجيش.