18 ديسمبر، 2024 8:32 م

البحث عن سانحة

البحث عن سانحة

ليالٍ مظلمة يكتنفها السكون المهيب .
قمر مرعوب لا يبحث عن مأوى إلا وغطاه الظلام .

نجوم تتوسد السماء بصلابة لكنها في نفس الوقت تتراكض كأنها مرعوبة هي الأخرى من ان يكون مصيرها كمصير جارها القمر ان لم يلتحفها ذلك السكون !.

آااايه أخيرا استيقظ ذلك العجوز من فراشه لأنه لا ينوي الإستيقاظ إلا في مثل هذه الليالي التي باتت هاجسه الوحيد في حياته المختبئة وراء عباءة البؤس والقنوط !.

ما زال يبحث عن المصباح المضيء بسبب حلكة الظلام في بيته .

وأخيرا عثر عليه لكن هذه المرة الضوء شديد الخفوت لكنه بالرغم من ذلك سلم بهذا الضوء فذلك أفضل من الأحلام في كل الأحوال .

بدأ يسير بين ممرات البيت ويده اليمنى ترتعش بشكل لا إرادي أما اليسرى فكان قابضا بها المصباح بقوة مصطنعة !.

الى ان اهتدى أخيرا الى الموقد – المكان المفضل لديه فأشعل النار فيه كما هو الحال في كل ليلة يستيقظ فيها وارتشف فيما بعد فنجانا من القهوة السوداء الداكنة (صنيعة الظلام)!.

لكنه بعد ان أكمل شرب فنجانه أغمض عينيه وسرح بخياله بعيدا وبدأ يهمهم مع نفسه بجمل غامضة أشبه بترانيم دعاء بطيء !.

فهو لم يفهم ولم يعي ما يردد مكتفيا بالهمهمة فحسب !.

مسكين هذا العجوز كأنه لا يعيش لشيء سوى الجلوس أمام الموقد وترديد الترانيم .

لكن رغم كل هذا الضجر الليلي فما زال يتأمل توهجات النار في الموقد فكلما ينظر الى لهيبها المتصاعد إجتاز في تأمله إحدى محطاته العمرية المتبقية .

لقد تخلى عن كل شيء في عالمه ولم يعد يتذكر زوجته وأولاده الذين لم يعد لهم وجود عنده ولا شاهد سوى أيادٍ متناثرة بين أسطح جدران بيته .

لكن الأوان لم يحن بعد ليوقف فيه أنفاسه التعبة ويسلمها صاغرا لذلك الشبح الذي نفذ صبره طويلا لعناقه من جديد !.

” أرجوك دعني أعثر على سانحتي أولا وبعدها عانقني كما تشاء “!.

قال ذلك بصوت متهدج لأن حدس المسنين الثابق بدأ ينذره بأن لم تبقى أمامه غير محطة واحدة قد تكون الملاذ الأخير .

أما النار التي في الموقد فقد بدأت تظهر عليها علامات الخمود تدريجيا فشعر هذه المرة بأنه لن يستطيع التحرك من مكانه لأجل إحضار إناء الزيت ليزيد من اشتعالها ثانية .

لكنه حاول بكل ما أوتي من قوة ان ينهض بساقيه النحيلتين رغم ان إنحناءات ظهره كانت عائقا تحول دون حركتها وبعد ان وقف بعد إصرار طويل خر على الأرض فجأة كثور مصارعة جريح وقد اهتاجت النار لسقوطه المفاجىء وخمدت هي الأخرى بشكل نهائي .
تمت .