التعارض ليس من أجل التعارض وحسب , بل يجب أن يكون من أجل أهداف ومطالب وطنية إنسانية عادلة تخدم المصلحة العامة , وتؤكد الحقوق الوطنية وحماية المواطنين من الأضرار الناجمة عن الإنحرافات السلوكية للكراسي ورموزها.

المعارضة ليست سلوكا إعتباطيا وتفاعلا سلبيا , بل خطوة إيجاية نحو الأفضل , فالذي يعارض يجب أن تكون عنده خطوط واضحة , وأهداف صريحة تخدم الحاجات الإنسانية في البلاد.

المعارضة ليست سلوكا عاطفيا إنفعاليا إنتقائيا وأنانيا , يطمح إلى النيل من الآخر وحرقه ومحق وجوده وما يشير إليه , إنها تفاعل وطني بنّاء يساهم في صناعة المستقبل الأفضل , وتقرير قدرات الإنطلاقة الحضارية اللازمة للتفاعل المعاصر مع الزمن المتجدد القدرات والطاقات.

المعارضة سلوك إيجابي , وضرورة حياتية حيوية شعبية لازمة لتجدد الصيرورة الوطنية , وتحقيق الأهداف الجماهيرية والمتواكبة مع مسيرة الأجيال.
ولا يمكن لأي نظام ديمقراطي أن يكون صالحا بلا معارضين ومواجهين ومتربصين ومراقبين , ومحللين وناقدين وناشطين وكتاب وصحفيين نابهين لا يتهاونون في إظهار الحقائق , وكشف الإنحرافات ومواجهة الفساد والإستبداد والمطامع الشخصية والفئوية.

فلا يوجد في العالم المعاصر نظام بلا معارضين , لأنه لا يمكنه أن يكون صالحا من غير المعارضة ,
وفي جميع المجتمعات الديمقراطية والمتقدمة , هناك حركات معارضة معروفة وناشئة , ولكل جيل رموزه وحركاته التي تعارض ما هو قائم وتبحث عن طريقها المناسب , لأن المعارضة عبارة عن أمواج متواكبة في نهر الأجيال المتدفقة.

والواضح في مجتمعاتنا حالة التفاعل السلبي الشديد ما بين الواقع السياسي والتعارض معه , وأن هناك قصور كبير في الفهم والإستيعاب , حيث ترى المعارضين ينتهون في المعتقلات والسجون , والنسبة الأكبر من الذين هم في أبشع الزنزانات والمعتقلات من المعارضين السياسيين , بل أن أنظمة الحكم قد فتكت بالملايين من أبناء الشعب بتهمة المعارضة , وهجّرت الملايين العديدة الأخرى , لأن مفهوم المعارضة في معناه الحضاري غير موجود إطلاقا , ولا يمكن تحقيق الفهم والإستيعاب المعاصر له.

المعارضة عندنا تعني العداوة والكراهية والإنتقام وسفك الدماء والمحق والتدمير , وقد راينا المثال الواضح على هذا الفهم فيما يجري وجرى من أحداث في العديد من دولنا , حيث يوصف المعارضون بما يبرر الإجهاز القاسي عليهم , وهناك الكثير من المسميات المجحفة التي تبرر المحق , وقد لعبت كلمتي التآمر والخيانة دورهما في حياتنا السياسية على مدى أكثر من ستة عقود , وتم القضاء على مئات الآلاف من الأبرياء بتهمة الخيانة والمؤامرة.

واليوم يتم إستخدام كلمات إرهابي ومندس لقتل المزيد والمزيد من المعارضين السياسيين الذين لديهم رأيا وفكرا آخر.
ولهذا فأن مجتمعنا لن يتقدم , إذا لم يحترم الرأي الآخر , ويقرّ بوجود المعارضة وحقها الدستوري , الذي يكفل لها الدور الوطني الإيجابي , اللازم لبناء الحاضر والمستقبل المناسب للأجيال المتصاعدة الطاقات والقدرات.
فالدستور والقانون في أية دولة ديمقراطية عليه أن يكفل في مواده حق المعارضة في التعبير , والقيام بالمطلوب منها لحماية المجتمع من جور الكراسي والسلوكيات المنافية للمصلحة العامة , ومحاربة الفساد والقهر والإمتهان.

فهل سنستوعب معنى المعارضة ودورها في بناء الحياة والذود عن قيم أوطانها؟!!