18 ديسمبر، 2024 8:35 م

كنت ممن استمتع بمشاهدة الإعلامي البارز فيصل القاسم عبر بودكاست ضيف شعيب، وعلى مدى 3 ساعات خفيفة الظل وغير مملة.

لقد ظهر الوجه المعاكس للقاسم وشخصيته الحقيقية دون رتوش او تجميل، بدا مسالماً وديعاً بسيطاً لا يحمل معه العقد التي يصدّرها برنامجه الأشهر الاتجاه المعاكس، هذا البرنامج الذي ساهم مع غيره بتعمد أم بدونه في سيادة تسطيح القضايا وتغليب اللسان الطويل على العقل الرصين!

وقفت طويلاً عند بساطة الطرح وسهولة الشخصية واللذان ميزّا القاسم بشكل واضح في التعاطي مع الملفات المختلفة، ففي حين يحسب الجمهور أن خططاً وأفكاراً عميقة تقف خلف الرجل فإذا هو يسير على البركة.. كما أوضح بصراحة ودفءٍ بالغ غير متوقع للكثير.

كذلك لمست هدفه المشروع والنبيل بالوصول إلى حياة كريمة تسدّ حاجاته الأساسية بعد طول فقر مدقع لم يتردد القاسم لحظة في كشف تفاصيله مما يحجم أغلبنا عن ذكره، وكان مثار أسى بالغ لحياة ملؤها الكفاح والاصرار من اجل الوصول إلى الهدف والحلم والشغف الذي يحمله في صدره.

وبدا جلياً كيف أن هذه المعاناة والتي شملت مجتمعاتٍ عدة أثرت فكرياً وولدت ميلاً نحو الأفكار الوافدة وفي مقدمتها الماركسية، إذ حققت للفكرة اللامعة وقتها الانتشار، ذلك ان القهر الاجتماعي وتسلط الحكام واستبداد الرؤساء وفراغ الساحة من الفكرة النيرة التي قمعت بقسوة بالغة، كل تلك العوامل حققت انجذاباً للفتى الشاب ـ مثل غيره ـ لتلك التوجهات التي وجدوا فيها مبتغاهم لشدة واقعهم وسوء حالهم، فاذا بها في نهاية المطاف لا تعدو ان تكون غلافاً برّاقاً للمزيد من القهر والاخفاق الكبير والإقصاء الفاقع اللاحق!.

ثم ان التحدي دوماً يولد الاستجابة المكافئة، لذلك كان الطالب الذي يستعير كتبه من زملائه هو الأول في جامعة دمشق، وهو المعيد المتفوق، وهو الحائز على منحة دراسية في لندن عبر انتقالة كبرى في حياته ومستقبله فتحت عليه أبواباً من الخير ما زالت.

ولعل من أبرز ما ذكره الرجل امتهانه عزف الناي وترقيصه الناس في الاعراس، فكان ـ كما قال ـ يرّقص الجميع مثلما فعل لاحقاً بترقيصهم سياسياً، فإذا كان المثال مثيراً للحزن في جانب معاناته، وللضحك في جانب تندره، فإنه أشرّ على مشكلة متجذرة اليوم في الإعلام العربي وساهم هو فيها كما أشرنا بقصد او بدونه، ألا وهي سيادة هذا السلوك البهلواني والمتلاعب بالعواطف غير المنتج ولا النافع، والذي سيظل يطمس الموقف المطلوب في زبد المناكفة والتجاذب والجدال العقيم.

كشف الرجل أنه ناقم على السلطات المستبدة، وهو ليس عميق التفكير، ومعادٍ للجهات المنافقة، وقد يثير مجمل حديثه اختلافاً او اتفاقاً معه ولا سيما في تجاوزه بعض المحطات الخاصة بادارة الجزيرة ورؤيتها وبذكاء شديد، لكنك في النهاية تحترم فيه تلك السيرة التي نجحت بتحقيق الأحلام والامنيات، ولا سيما مع اجمل ما حدث به عن نعم الله التي نزلت عليه الواحدة تلو الأخرى بلا تخطيط كبير ولا تدبير سوى تدبير الخالق الكريم، وكأنها رسالة لكل الطامحين تقول لهم ان توهج الطموح ليس عيباً ولكن فضل الله هو الذي يرسم لك المسارات ورضاه تعالى هو المفتاح، فلا تبتئس ما دمت ملتزم بذلك المسار.. ولا تحزن مهما كان ظاهر الأشياء معاكساً مثل اتجاه القاسم وشخصيته!