استمعت الى محاضرة للمرحوم للدكتور عبدالله الدنان حول ثقافة العرب وقراءة الكتاب وتأثيره على الوعي العربي مما دفعني الى التعرف على بعض الحقائق المؤسفة حول ضعف اسلوب التربية و التعليم و التثقيف العام وعلاقة الفرد بالكتاب . وقد ذكر ان في أحصائية عن علاقة الفرد بالكتاب ورد فيها ان الفرد في بريطانيا يقرأ بمعدل من (40 الى 45) كتاب في السنة و هي اعلى نسبة بين دول العالم وتأتي بقية الدول الاخرى نزولا بالتوالي .. لكننا كوننا عرب نهتم بما يخصنا كعرب ومع الاسف جاءت الاحصائية مضحكة … إذ كانت النسبة ان كل (80) فرد يقرأون كتاب واحد في السنة ، بمعنى ان كل فرد قد يقرأ صفحتين او ثلاثة في السنة . وهذا يؤدي بالاستنتاج الى قلة الثقافة . فمن اين سيستحصل الفرد العربي على الثقافة اذا كان لا يقرأ ؟ . قد يقول البعض ان توفر المعلومات عبر الانترنت دفع الاغلبية الى اللجوء الى الانترنت ومحركات البحث للحصول على المعلومات ، لكن هنا يجب الانتباه الى ان الانترنت مساحة مطلقة الحدود ويمكن ان تجد فيها الاف بل ملايين المعلومات المضللة وقد يقع المستخدم في براثن المزورين و المروجين للافكار الضارة و المسيئة دون قصد ، بينما يبقى الكتاب كيان قائم بذاته وبعنوانه و موضوعه و بأسم المؤلف ، ومن الصعب تزويره او تحريفه .
نعلم جميعنا ان البلاد العربية هي بلاد الاسلام والمسلمين وبالتالي فهم غالبا ما يتلقون ثقافاتهم من دور العبادة في صلاة الجمعة او الرمضانيات ، لكن هل هذا يشمل ويغطي الثقافة العامة او هل يشمل كل افراد المجتمع ؟ . الجواب بالطبع لا . ناهيك عن ان الخطاب الديني يصب معظمه في الحفاظ على اركان الاسلام وبناءه الرصين اضافة الى ايدلوجيات الدين السياسي التي قد تكون مدسوسة او ملغومة احيانا عبر المجالس الدينية التي تحول اغلبها الى منابر لترويج افكار الاحزاب السياسية الدينية وبعضها طائفية لأحتوائها على مضامين مباشرة او غير مباشرة لأفكار مشوشة او بدع وخزعبلات و اوهام يحاول رجال الدين حشرها من اجل و تعظيم المذاهب كاسلوب لاثبات الافضلية على الاخرين بقصد كسب اكبر قدر ممكن من العامة المؤيدين .
اذن المنابر الدينية تنشغل احيانا عن هدفها الاساسي في زرع القيم و تهذيب السلوك الاجتماعي و الابتعاد عن المعاصي والسعي الى الاخلاق الحميدة ليعم المجتمع الامن و السلام .ومع ذلك فان المنابر الدينية لا تغطي المجتمع كله لا بالزمن ولا بالمضمون وبالتالي ستكون هناك فجوة في سعة الاطلاع و الثقافة العامة لتنمية و تغذية العقول .
من هنا يمكن ان نقول ان هذا النقص حتميا سيؤدي الى خلل في الوعي نتيجة نقص الاطلاع و الثقافة و بالتالي الى قلة الادراك في التعامل مع مشاكل الحياة مهما كانت صغيرة …. فمثلا عندما يتنازع اثنان في نقاش فكري ويشتد الخلاف بينهم سينتهي حتما بالايدي و السبب معروف (قلة الثقافة و الوعي و الادراك وغياب القدرة على المحاججة والتفاهم) ، اذ أن الطرفين غير متسع في الفهم و التفهم فكيف سيتفاهمون رغم ان ديننا يقول وجادلهم بالتي هي احسن ، و ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة ، لكن الواقع غير ذلك . اضافة الى قلة فرص استخدام العقل في الاستنتاج والاتساع في التفكير . وقد ورد في تقرير اليونيسكو أن البلاد العربية لا تُعلم اجيالها التفكير و الاستنتاج ، فمثلا ، واحدة من اساليب التعليم في المدارس أسلوب الامتحانات ان نعطى للطالب قطعة انشائية نثرية ثم يطلب منه ان يجيب على اسئلة اجوبتها من القطعة الانشائية . وقد تعود الطالب ان يحفظ القطعة دون التفكير في محتواها ولنأخذ المثال التالي
قطعة نثرية احتوت على ما يلي :
امرأة تنظف منزلها بعد ان ذهب اولادها الى المدرسة وهي تحني ضهرها. ودوما الاسئلة تكون
ماذا كانت الام تفعل ؟ … الجواب موجود
متى كانت تنظف بيتها ؟ … الجواب موجود
لكن اذا سئل التلاميذ هل كانت المكنسة طويلة ام قصيرة ؟
تأتي الاعتراضات ويخرج الطلبة يقولون انهم يسألوننا من خارج النص بينما لو استخدمو التفكير و الاستنتاج لعلموا ان المرأة حنت ضهرها لان المكنسة قصيرة . وهذا يؤكد انهم لا يُعلمون الطلبة التفكير و الاستنتاج .
من جهة اخرى ، نعلم ان واحدة من اهم تبادل ونقل الثقافات يتم عن طريق الترجمة وهو ما قامت به دول الغرب عندما كانت الامة الاسلامية في اوج عظمتها وهو نفس ما قامت به امتنا العربية الاسلامية حين قام علمائها و فقهاءها بترجمة كتب و مؤلفات عظماء الغرب ومفكريهم وفلاسفتهم من الرومان وغيرهم . فهكذا يتم تبادل الثقافات و انتشار النهضة و الحضارة . لكن واقع الحال اليوم غير ذلك فامتنا العربية متأخرة في مجال الترجمة وبالتالي نقص نقل و تبادل الخبرات و الثقافات . وليكن للعلم فقط ومن اجل المقارنة فقد ورد ان لتوانيا التي يبلغ عدد سكانها اكثر من (7) مليون نسمة تترجم كتب الى اللغة اللتوانية اكثر مما يترجم العرب كلهم .
من جانب اخر ، بما يتعلق بالاعتزاز بلغتنا الأم (اللغة العربية) وهي لغة القرءان نجد ان العديد من التخصصات تدرس في الجامعات باللغة الانكليزية . فنحن العرب نعمل بقاعدة (فتشبهو ان لم تكونو مثلهم) فيتم تدريس الطب بلغتهم . وعلى الرغم من عدم ممانعة ذلك لكننا يجب ان نعلم وللتاريخ نقول حقيقة يجب ان يعرفها و يتذكرها العرب و الفرنسيون وهي ان جامعة السوربون عندما بدأت تدرس الطب في عام 1258 كانت تدرس الطب باللغة العربية ولمدة 400 سنة . وذلك يؤكد ان المشكلة ليست في اللغة و لكن المشكلة في اهل اللغة الذين اصابهم العجز في التفكير و التدبير.