وسائل التواصل المعاصرة التي طغت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين , لها تداعياتها التفاعلية ما بين الناس , وأوجبت عليهم أن يتخاطبوا بأصابعهم , وما عاد للكلام أثر ومعنى ومقبولية عندهم.
فالكلام غثيث والأصابع عليها أن تتكلم , فهي الينابيع المتدفقة بما تكنزه الأعماق , وتتشوق إليه النفوس.
عالم جديد يطاوع أمّارات السوء التي فينا , ولا يهدينا إلى سواء السبيل , لأنه يحولنا إلى صناديق مغلقة تبوح بأصابعها , وقد عُجمت ألسنتها , وأصيبت آذانها بالصمم , فما عادت ترغب بسماع الكلام , وصارت عيونها تسمع , وأصابعها تنطق , فما حاجتها لقربها من بعضها , ما دام التواصل عن بعد ديدنها الأصدق.
بدأت التحذيرات تتردد في المجتمعات المتقدمة من وباء الإنغلاقية والشعور بالإنفرادية , التي ستجعل البشر بلا مهارات إجتماعية وقدرة على التفاعلات , كما تعودت عليها الأجيال قبل وسائل الإتصال.
ومن الواضح أن معالمها تنعكس على المنشورات الإعلامية بأشكالها , وتوجهاتها القاضية لترويج التمترس في الذاتية , والإبتعاد عن النشاطات الإجتماعية الحية , ويبدو أن الأزمة الوبائية الكوفدية قد أسهمت بتعزيز الكمون والإنعزال , والخوف من البشر , لأن البشر قد يقتل البشر بالعدوى الفتاكة التي حصدت الملايين.
فإلى أين تسير الدنيا؟
هل أن الكثرة العددية أوجبت الإحترازات الوقائية؟
هل أن الطاقات اللاواعية في الأعماق تتفاعل للنيل من البشر بتأهيله للقبول بإذكاء الحروب الفتاكة والغير مسبوقة؟
هل أن العدوانية الكامنة فينا تتعتق في دنيانا إستعدادا للإنفجار المروّع؟
إنها تساؤلات , غير أن إرادة الأرض تفرض على الموجودات قوانينها , فهي كائن حي يأبى أن يكون فريسة لوحوش الأجرام الكونية المتصارعة المتأججة.
فهل ستنتصر البشرية على عزلتها الإنسانية؟!!
د-صادق السامرائي