19 ديسمبر، 2024 12:58 ص

الوجود ثنائي الطباع والسلوك , ففيه ماء ونار وأرض وسماء , وصخور ورمال , وخير وشر وذكر وأنثى , وليل ونهار وضوء وظلام , وموجب وسالب , وتنافر وتجاذب , وإلى ما لانهاية من مركبات الصيرورة والبناء الكوني.

وفي المخلوق الواحد هناك ثنائية فاعلة على المستوى الفسيولوجي والمورفولوجي , ولا توجد حالة قائمة إلا ومرهونة بها , حتى لو دخلنا في أعماق الذرات والجسيمات النووية سنجدها واضحة , ومؤثرة في صناعة الموجود مهما كان نوعه وحجمه وصفته.

فالثنائية قاعدة كونية تخضع لها مكونات الكون ومفرداته , وليس جديدا أن نتحدث عنها , ويمكننا أن نمضي في سلسلة طويلة منها لا تنتهي أبدا.

فكل صيرورة ناجمة عن ثنائية متفاعلة , ومحررة لطاقة تعبّر عن ذلك التفاعل , وتنقل جهد الطاقات المتداخلة إلى حالة وحالة.

وعناصر الوجود تتحول من صيرورة طاقوية إلى أخرى , وهذا يلزم تحقيق قانون الثنائية , وتوفير حدين متباينين بالمحتوى والأسلوب في معايير ونواميس البقاء والتواصل البيولوجي والمادي في الكون اللامتناهي الأبعاد.

والغريب في موضوعها أن بعض الأقلام أخذت تكتب عنها , وكأنها صفة عراقية خاصة , فيقال دجلة والفرات وكرد وعرب وجبال وهضاب , وما إلى غير ذلك الكثير , الذي يمكننا أن نأتي به وندّعيه , ونحسبه وفقا لرؤانا وقراءاتنا المرتبطة بحالة وعينا وتفاعلنا مع المحيط , والتي تتأثر بالعوامل السائدة في واقعنا.

وهذه العوامل تدعو إلى الكآبة واليأس والإحباط , وتضع الدماغ في نمط من التفكير اليائس والنظر الخائب , الذي ينعكس على كتاباتنا ويحدد آفاق رؤانا ويظهر في سلوكنا.

وبسبب تردي الأوضاع العامة وإصابة النسيج الإجتماعي بأمراض وأوبئة ضارة , فأن ذلك أدى إلى تناول الموضوعات المرتبطة بالبلاد , بسلبية وإحباط وقنوط مروّع , مما دفع إلى تبرير المآسي والسلوكيات والتفاعلات بما يكرّسها , ويساهم في إدامتها وتطويرها وإستثمارها وفقا لمناهج الطامعين والساعين إلى تحقيق الأهداف البعيدة , التي تغيب عن أذهان الناس المنهوكين بالحاجات اليومية , والمروَّعين بالمخاوف والتهديدات وضنك العيش ومرارة الأيام , وضغطها المبرمج والمدروس , لقهر الإرادة وتدمير النفوس وسحق التطلعات , وتأكيد الإذلال والخنوع , والرضوخ للآفات والويلات المصنعة في مختبرات الدمار الإنساني الشامل.

وفي هذا الخضم المتلاطم من البرامج الماحقة للمجتمع والإنسان بما عنده وفيه من قدرات وطاقات , يتحول الناس إلى أدوات لتأكيد الحالة المريرة , فيسارعون للبحث عن تفسير , ويحاولون فهم الواقع الذي يرفضونه لكنهم يعيشونه ويعبرون عنه.

ولكي يصلوا إلى شيئ من الراحة والإطمئنان وعدم السقوط تحت ويلات عذاب الضمير , ينتهجون سبلا لإنقاذهم من حيرتهم وتفاعلاتهم , المرفوضة أخلاقيا وعقائديا وروحيا ونفسيا.
ووفقا لهذا التداعي القاسي , أخذت الأقلام تكتب لتكرّس وتنغمس في مستنقع الآلام والإنقراض , فاكتشف بعض حمَلتها , أن العلة الأساسية تتلخص بالثنائية , وتناسوا وأغفلوا الأسباب والعوامل والعناصر , والبرامج والخطط والتداعيات المدروسة والأحداث المرسومة , وأنكروا واقع الحال وذهبوا إلى واقع الخيال , يبحثون فيه عن جواب لسؤال يختزن في منطوقه جميع الأجوبة.

ففي السؤال ألف جواب وجواب , ولا حاجة للبحث عن الجواب , فالسبب يحوي النتائج وأكثر.

فلماذا تتغافل الأقلام عن الشمس , وتتوهم بأنها تكتشف النور في الأنفاق ودياجير الأوهام.

الثنائية ليست مبعثا للمشاكل , وإنما للحياة والخلود والتواصل الخلاق , وهي نبع الصيرورة والتطور والإرتقاء , ولم تكن سببا للتلاحي والدمار والحروب والهلاك , إن لهذه أسباب وبرامج غير الثنائية , ولا يمكن بسهولة أن نعزي أسباب ما يجري لثنائياتنا المفروضة على واقع لا يقر إلا بإندماجها , كما يندمج الرافدان في الفاو.

إن ما يجري أسبابه واضحة وبرامجه بينة , والقائمون عليه يعملون بجد وإجتهاد وتبصر وتخطيط وبحث وتنظير , ولا يهدأ لهم بال إن لم تتواصل حالة التداعي والخراب والإقلاق , وتتعمق الخنادق ويعلو صرح الأسوار .

فهل بالثنائية نبرر سوء الحال وضياع أسباب العيش الكريم , وتفشي الفساد في الكراسي والنفوس والعقول والأرواح , وهي جميعا تسبح لله وتعذّب وتستبيح وتقتل مَن يشهد أن لا إله إلا الله , وكأنها تنكر الوحدانية وتمعن بالضلال والخسران , وتجري وراء الرغبات الأنانية والمشاريع الصبيانية , وتدّعي ما تدّعي وكأن الله غافل عما تعمل لأنها تصلي له بكرة وعشيا.

وهل يصح القول بأن المواطن عندنا هو الوحيد الذي عنده يدان وقدمان وعينان وأذنان وشفتان وكليتان وحالبان , وكأنه لا يشبه البشر لأنه مؤلف من إثنين.

سبحان الله كيف ينظرون ويفسرون , ترى أ فلا يعقلون ويتبصرون؟!!

د-صادق السامرائي