الجعجعة: صوت الرحى
“أسمع جعجعة ولا أرى طحنا”
وفحل جعجاع: أي شديد الرُغاء
والجعجعة أيضا: أصوات الجمال إذا إجتمعت.
وفي مدينتنا كان أحدهم يُلقب بالجعجاع , أي لا تجد عنده إلا القول الفارغ , فيقال “يُجعجع” , أو “خليه إيجعجع” , أو بالعامية التامة “يخرط” , وأحيانا يقولون “يطير إفياله” أو “حجي بوش” , والبوش يعني أن المحرك يدور لكنه لا يحرك العجلة لإنفلات أسنان تعشقه بمحور الدوران.
ويبدو أن الجعجعة أصبحت ظاهرة سياسية عارمة في ميادين تفاعلات الخسران والضياع الجديد , فالكل يجعجع , وما يتحقق عبارة عن إنجازات لأصحاب المصالح والغايات لا أكثر ولا أقل.
فقد سطرنا أطنانا مليونية من الكلام المنطوق والمسطور , وما أنجزنا كيلوغراما من العمل الواعد بالنمو والرقاء والتواصل المعاصر مع الحياة.
فما أكثر جعجعة الكراسي والبرلمانات وأصحاب المعالي والسيادات , ولا نرى حول جعجعتهم طحنا , أو ما يطعم من الجوع ويؤمن من خوف.
إنها محنة الجعجعة , التي تعيشها الأجيال وبنشاط فائق منذ بداية القرن الحادي والعشرين , حتى تحولت إلى قيمة سلوكية وأخلاقية ودستورية , تمارسها البرلمانات وترفع راياتها وتحقق رغباتها تحت زوابعها الرعدية وبروقها الأنانية , التي لا مثيل لها في تأريخ الشعوب.
فالكل يجعجع والأواني فارغة , والفقر عميم , وسوء الأحوال المعيشية يتفاقم , ولا تجد قانونا إنسانيا منصفا للرعاية الإجتماعية في بلدان متخمة بموارد النفط.
ولا نزال نجعجع ونرغو ونبحث عن إرضاء لنزوات البعير الهائج في أعماقنا , والذي إندلع لسانه وتهطل لعابه , وراح يدور متأججا يبحث عن أنثى تهدئ من روعه , وتسلبه طاقات ما فيه.
وكأن ما نكتبه عبارة عن جعجعة , وكل ما أتينا به , لا يرتقي حتى إلى أن يكون “زوبعة في فنجان” , بل انه إمعان في الهرولة فوق رمال الخسران والبهتان.
فهل سنتوقف عن الجعجعة , ونسبق القول بالعمل , أم سنبقى ننادي حي على الكلام؟!!
د-صادق السامرائي