23 أكتوبر، 2024 11:29 م
Search
Close this search box.

المهد القومي للكُرد – القسم الاول

المهد القومي للكُرد – القسم الاول

تعتبر المناطق المرتفعة الشمالية والشرقية لبلاد ما بينالنهرين ( كردستان الموطن الحقيقي للكرد وتقع أرضالكرد هذه في منطقة تتميز بطابعها الجبلي اشتهرتمقاطعاتها في التاريخ القديم بأسماء عديدة: سوبير، سوبارتو، كوتيوم، زاموا، عالياتم، كوهستان، بلاد الجبال.لكنها عرفت باسم كردستان منذ القرن الثاني عشرالميلادي ودونت بهذا الاسم في كتاب (نزهة القلوب) للبلداني الإيراني حمد لله المستوفى القزويني(1281 1349م) وكانت تتألف حسب قوله من 16 ولاية ومركزها قلعةبهار شمال همدان المدينة الحالية في كردستان إيرانوكانت تتاخم ولايات العراق العربي وخوزستان والعراقالفارسي وأذربيجان ودياربكر( المنطقة الكردية بلاد كوردويني- التي لم تدخل ضمن ادارة كردستان في العصر السلجوقي). وشاع باسم كردستان في وقت متأخر عندمااخذ الرحالة العثماني أوليا جلبي(1611 – 1682م) في كتابه ( سياحتنامه الجزء الرابع) بتوسيع مفهوم كردستان بعد تجواله خلال القرن السابع عشر في جميع أنحائها، وقال: إن ولايات أرضروم، ووان، وحكاري، ودياربكر، والجزيرة (= جزيرة بوتان)، والعمادية، والموصل، وشهرزور، وأردلان تؤلف بمجموعها كردستان التي يستغرققطعها 17 يوماً. ولعل كانت أقوال هذا الرحالة النشط في زمن قد تغير خلاله مفهوم كردستان من مجرد مدلول سياسي اداري الى مفهوم قومي، لذا نرى على هذا الاساس يستعمل الناس هذا الاسم حتى خارج هذه المناطق وبعيداً عن موطن الكرد الاساسي، ويطلق على المناطق التي تسكنها مجموعات كردية في خراسان شرق إيران أيضاً وبالاخص مناطق قوجان، شيروان، سبزوار، بيرجند، بوجنورد) ومناطق حوالي مدينة مشهد (= طوس القديمة)، وكانت جميع هذه المناطق في إيران وأفغانستان وأواسط آسيا تعرف في عهد السلطان نادر شاه (1736 1747م).

ومن جهته فإن الشعوب لم تظهر فجأة على الأرض وهيتمتلك كل مقاومتها مثلما لم يظهر الأنسان وهو يتمتع بالقوةالتقنية المعقدة ومسيطراً على موارد وقوانين الطبيعةمباشرة، وانما ظهر هذا الانسان وهو يعيش بمفرده ثمانضم فيها بعد ضمن منظمة قبلية كأول شكل للمجتمعالذي جاء في أعقاب القطيع البدائي تجمعهم صلة القربىمن ناحية الأم ويلتفون حول بعضهم بواسطة العملالجماعي والدفاع المشترك عن المصالح العامة.

لقد رافقت تطورات البشر في البداية تحولات عميقة عنأشكال اجتماع الناس الى أن ظهرت الأقوام ، ونشوء هذهالأقوام لم يكن نتيجة للزيادة البسيطة لعدد نفوس القبائلبل كان لظهور مجتمع جديد بنوعيته وهو ليس تكوينحكومي أو إقتصادي وانما هو اجتماعية بين الناس تكونتتاريخيا واتحدت بواسطة التسمية العامة والارض والثقافةواللغة والتكوين النفسي والعادات والتقاليد المعينة وغيرها.

ففي كردستان، ومع بداية العصور التاريخية، ظهرت أسماء تعبر عن أقوام واتحادات قبلية لعبت دوراً أساسياً وحضارياً في مناطق تواجدها أو خارجها، وصلتنا الاخبار عن طريق المدونات السومرية والاكدية والآشورية والاورارتية.

وتجدر الاشارة الى أن من الحقائق الخاصة في تاريخ منطقة كردستان القديمة، هو أن أقدم الاقوام التي ذكرتها النصوص المسمارية على أنهم مستوطني المنطقة المذكورة يرجعون في الاصل الى المنطقة الواقعة غرب وجنوب غرببحيرة  وان )، وهذه الحقيقة تكون قد حددت لنا بشكللالبس فيه الموطن الاصلي للأقوام التي سكنت منطقةكردستان ومنهم الكرد . وهذا الموطن كما تشير المعلوماتكان يحتوي على منطقتين رئيسيتين، منطقة (( سو)) والثانية هي منطقة (( كردا )) ، وقد تأكدت لنا صحة هذهالمعلومات من خلال الكتابات المسمارية التي خلفها لنا الملك شوسين (٢٠٣٦ – ٢٠٢٨ ق . م) رابع ملوك سلالة اورالثالثة (۲۱۱۱ – ۲۰۰۳ ق . م حيث ورد ضمنها النصالمسماري التالي:

إيرننا حاكم سكان منطقة سو وأراضي منطقة كردا”.

والـ KA الاخيرة هي اداة الاضافة السومرية، لان كلمةمادا MA – DA التي تعني (( بلاد اراضي )) مضافةالى مدينة كردا . والباحث المسماري الفرنسي تورودانجن THUREAU  الذي أورد هذا النص المسماريلاول مرة ونشره في REVUED – قد وقع في خطأ بسيط، حيث اعتبر أداة الاضافة (KA) من صلب اسم مدينة DA/KAR، ولذلك قرأ اسم المدينة على هيئة KAR.DAKA.

وهذا الخطأ الذي وقع فيه ” تورو دانجن” قد اقتبسه من دون تغيير المستشرق الروسي ” فلاديمير مينورسكي”(1877 1966م) وغيره، ومن الادلة الاخرى على أن أن رسم المنطقة الصحيح هو KAR.DA، وهي القراءة التي تقدم بها الباحث المسماري “ايدزرد  EDZARD حيثقرأ نفس الاسم في نص آخر على هيئة GAR.TA) ) علماان العلامة المسمارية الخاصة بالمقطع GAR تقرأ كذلكKAR والعلامة الخاصة بالمقطع TA تقرأ كذلك DA فالاسم GAR.TA إذن يمكننا ان نقرأه KAR.DA مندون ان نكون قد حرفنا في حقيقة هذا الاسم، وعلاوة علىذلك فان موقع منطقة GAR.TA هو نفس موقع منطقةKAR.DA .

مما تقدم يبدو الآن واضحاً ان أصل الاقوام التي سكنتمنطقة كردستان عبر التاريخ القديم يتمثل في المنطقتين(سو ) و(كردا)، مثلما أن شبه الجزيرة العربية تعتبر الموطنالاصل للأقوام الاكدية والبابلية والاشورية والاموريةوالكنعانية والعربية وغيرهم من اقوام الجزيرة العربية، وفيمايلي نستعرض الأقوام التي سكنت منطقة كردستان وفقاًلتسلسلها الزمني ومهتدين في ذلك على الاشارات التيوردت في النصوص المسمارية .

1- السوئيين- الآسويين

من خلال الاشارات التاريخية المتوفرة يبدو أن السوئيين، أي سكان منطقة (سو) التي مر ذكرها يمثلون أقدم السكان في منطقة كردستان، والدليل الذي يؤكد هذه الحقيقة هو اسم المنطقة (سوبار SUBAR)، الذي ورد لأول مرة في كتابات الملك ” إيناتم ” حوالي 2470 2430ق.م وهو ثالث ملوك سلالة لكش الاولى حوالي 2520 2355ق.م، حيث أن هذا الاسم مركب بالتأكيد من ( سو SU) أي اسم القوم الساكن في منطقة (سو) الواقعة جنوب غرب بحيرة وان، ومن الكلمة ( بار BAR) التي تعني في اللغة السومرية (خارج)، ومنها الكلمة العربية العامية (بره) والتي تعني (الخارج) أيضاً؛ وبذلك يكون معنى الاسم “سوبار” السوئيون الذين يعيشون خارج (الحدود).

2- السوباريين

والتسمية “سوبار” قد ظهرت في النصوص المسمارية أيضاً على شكل (سوبارتو)، لأن (تو) كانت تضاف من قبل السومريين كنهاية الى كلمات الجهات الجغرافية مثل: أورارتو، مارتو وسوبارتو.

وفيما يخص حدود منطقة سوبارتو، فلا يمكننا أن نضع لها حدود بشكل أكيد

ولكنها في كل الاحوال كانت محصورة بين جبال زاكروسمن جهة الشرق ونهر الخابور من جهة الغرب (أحد روافد نهر الفرات في شمال سوريا)، ولذلك كانت التسميةسوبارتو تطلق على المنطقة الاشورية، وخير شاهد على ذلكما ذكره الثائر على السيادة الاشورية في بابل، “مردوكبلادان” (۷۲۱ – ۷۱۰ق . م) ، حيث وصف خصمه الملكالاشوري سرجون الثاني(722 705ق.م) بأنه ملك بلادسوبارتو.

هذا وان النصوص المسمارية قد اكدت على أن منطقةسوبارتو قد تعرضت خلال الالف الثالث قبل الميلاد الىاحتلالين، الأول كان زمن الملك إيناتم حاكم لكش، والثانيزمن الملك سرجون الاكدي (٢٣٤٠ – ٢٢٨٤ق . م ). وفيمايخص هجماتهم على العراق، فيبدو أنهم قد اتحدوا فيأواخر الألف الثالث قبل الميلاد مع العيلاميين من اجلاسقاط مدينة اور، وقد تأكدت لنا هذه الحقيقة من خلالالرثاء المعروف باسم (( رثاء مدينة اور ))، حيث ذكر كاتبهالاشارة التالية:

السوئيون والعيلاميون، الاعداء        ( الى مدينة أور) قد وصلوا

ان هذه الاشارة الخاصة باحتلال السوئيين والعيلاميين لمدينة أور في أواخر الالف الثالث قبل الميلاد، أي في أواخر حكم سلالة أور الثالثة، تؤكد على أنهم ما كانوا مكتفين بمنطقة سوبارتو التي شغلوها بل كانوا يتطلعون الى احتلال المناطق التي شغلتها الدويلات السومرية والاكدية، ولكن قوة الدويلات المذكورة هي التي منعتهم من تحقيق ما كانوا يتطلعون إليه، فعندما توفرت الفرصة لهم للهجوم على مدينة أور لم يترددوا في ذلك اطلاقاً، وعدم اكتفاء السوئيينبالمناطق التي شغلوها يعود الى انها كانت مناطق ذاتموارد غذائية محدودة لا تساعد على الاطلاق على بناء دولةتنافس الدول السومرية والاكدية والبابلية وفي ختام حديثناعن السوئيين يجدر بنا ان نشير الى ان منطقة سوبارتو قدوردت في النصوص المسمارية المختلفة بالصيغ التالية : سوبارتو ، سوبار ، سوبير، وشوبور، ولذلك ليس هناك ايفرق بين تسميتي سو، وسوبار ، حيث تدل كلتاهما علىالقوم الذي سكن منطقة سوبارتو.

أحدث المقالات