لا شيئ يعلو على الإقتصاد , فهو ينبوع المشاكل وبلسمها , والدول القوية ليست من صنف البشر ولا تمت إلى الحالة الآدمية بصلة , فهي كينونة إقتصادية تسعى لما يساهم بتدوير عجلات مكائنها الإنتاجية , فقراراتها ذات نكهة إقتصادية وإن إتخذت مسميات أخرى؟
فالعلاقات الدولية بأنواعها إقتصادية , ولا تتجرد من هذا الجوهر الفاعل في ثناياها , والذين يتوهمون غير ذلك هم المغفلون السذجة المأفونون.
فالدول التي تهتم بوجودها تنظر بعيون إقتصادية لنشاطاتها , وتمضي في طريق بناء الحياة الحرة الكريمة لمجتمعاتها , ولن تكون الدول إذا أغفلت مصالحها وتوهمت بغيرها في علاقاتها مع الدول الأخرى.
فالإقتصاد عماد الوجود الحر الكريم.
فلا كرامة ولا سيادة ولا قوة ولا دولة , إذا إعتمدت فيما تحتاجه على الآخرين , وما تعلمت إطعام نفسها وبناء مدنها , وإهتمت بثروتها الحيوانية والزراعية , وفعّلت عقول مواطنيها , وإتخذت من التكنولوجيا سبيلا لبناء وجودها المستقيم.
المجتمعات إذا إمتلكت رؤية وبدأت بتنفيذها ستكون حتما , ولا يعيق التقدم غير الرؤوس المستنقعة في الباليات , والمرهونة بالتبعية , والغاطسة في الدونية والإمتهانية , وفقدان القدرة الذاتية على الخطو نحو ما يؤكد إرادتها ويبني قوامها المجيد.
وبسب هذا الإغفال عاشت دولنا الغنية بالثروات الطبيعية , معتمدة على غيرها , ومرهونة بثرواتها التي حولتها إلى نقمة عليها , لجهلها المروع , وقصورها الإدراكي , وفهمها الناقص لمعاني البناء والقوة والإقتدار.
فهي ثرية حد التخمة وتعاني مجتمعاتها من الفقر المدقع.
وكم من دولنا تحولت ثرواتها إلى نار ودخان , وتسول مواطنوها في دول العالم , لأنها جردتهم من الحقوق الإنسانية , وإجتهد الجالسون في الكراسي على سرقة أموال الشعب وإيداعها في البنوك الأجنبية , ليتحقق توظيفها لرفاهية المجتمعات الأخرى.
فهل سنمتلك عقلا إقتصاديا لنبني دولا وطنية ذات قيمة حضارية؟!!