يعجبني هذا العنوان الذي تقدم به استاذنا الكبير الدكتور عماد الدين خليل، ولخص فيه وقتذاك الموقف تجاه المناداة بحقوق المرأة المسلمة، والذي ما زال يرفع شعاراً على الرغم من تقادمه وانكشاف الكثير من الضعف فيه.
واجده اليوم ينطبق وبشدة على حالة اقتفاء فكر الآخر بشكل مطلق، والدخول في متاهات عميقة لا نهاية لها ولا قرار.
المسألة ابتدأت قديماً مع نمو وازدهار حضارة العباسيين في بغداد وما حولها، والوصول الى مرتبة الترف الفكري، والوقوع في فخ الانقياد لفكر الأمم الأخرى ولا سيما في القضايا الغيبية والبحث عن الاسئلة الوجودية الكبرى… انبهاراً او انقياداً للطرح الجديد والغريب الذي قدم آنذاك.
لقد كفانا الاسلام مؤونة الخوض في مثل هذا القضايا الشائكة بعدما منحنا الاجابات الباعثة على الاطمئنان، وبنى المعرفة الكونية على الادلة العقلية، وبيان حدود الفكر الانساني التي مهما بلغت من تطور وتقدم تبقى عاجزة ومستسلمة أمام بعض القضايا، بينما الأمم الاخرى ما تزال معتمدة على اجتهادها الفكري الفردي لتصل – ان وصلت – الى جزء كبير مما قدمه لنا ديننا القيم، وذلك مفهوم في ظل فقدان مصدر النور الذي يقدم المعرفة المطلقة تجاه تلك القضايا، او تحريفها.
ومثلما ان وضع المرأة المسلمة ليس مثالياً، لغلبة التقاليد والأعراف المتوارثة في بعض البيئات على تعاليم الدين، فان التقييد الفكري الذي تمارسه بعض العقليات الجامدة هو الآخر ليس دليل ادانة بل هو شاهد على عظمة الدين ومساوئ تفسيرات البعض.
لا يعني هذا بطبيعة الحال الدعوة إلى الانغلاق، بل على العكس، فان الكثير من النتاجات الفكرية والفلسفية ترسخ ايماننا بالله، وتجعلنا ندرك مدى النعمة التي احاطنا الله بها، ذلك أن أصحابها احتاجوا قروناً من النقاش والمكابدة حتى يصلون إلى بعض مما قدمه القرآن الكريم من تصورات وافية عن الكون والوجود والغاية من الخلق.. الخ.
ولا ننسى أن كثيراً من تلك النتاجات انما جاءت متأثرة بطبيعة أشخاصها، ومحدودية فكرهم ورؤيتهم بل واطلاعهم على كافة صنوف المعرفة وتغليب التعميم والاطلاق غير العلمي لقضايا كبرى اعتماداً على تصورات وأفكار وحالات جزئية لا يمكن ان تحكم كل العالم.
اننا بحاجة إلى التخلص من المتاعب التي نحملها في كثير من الأحيان طواعية ودون حاجة، واستبدال ذلك الشقاء الذي نختاره دون سبب مقنع بالبحث عن الحكمة في نتاجات غيرنا وتدعيم معرفتنا الايمانية وما تأسس عليها من فكر بكل ما هو نافع، ونبذ كل الأفكار الضارة وغير المتوافقة مع أفكارنا وثوابتنا.
ولنتذكر أن البناء الفكري أصل لازم في حياتنا، وصورنا واشكالنا ومواقفنا وسلوكياتنا انعكاس له، لذا فالحفاظ عليه، وتطويره وتنميته ضرورة قصوى لتحسين حاضرنا وبناء مستقبلنا.