17 نوفمبر، 2024 8:40 م
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (47): انقسم الهنود إلى طبقات واحتل الدين مكانة كبيرة

قصة الحضارة (47): انقسم الهنود إلى طبقات واحتل الدين مكانة كبيرة

 

خاص: قراءة- سماح عادل

تناول الكتاب الهند، والشعوب الهندية التي استوطنت تلك المنطقة الشاسعة كما تناول طبيعة الشعب الآري الذي احتل الهند والطبقات الاجتماعية التي انقسم إليها المجتمع الهندي. وذلك في الحلقة السابعة والأربعين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

الهنود الآريون..

حكي الكتاب عن الهند والشعب الهندي: “على الرغم مما تدل عليه آثار السند وميسور من اتصال في تسلسل التاريخ، فإنا نشعر بأن بين ازدهار “موهنجو – دارو” وبين دخول الآريين، فجوة في علمنا، أو ربما كان الأقرب إلى الصواب هو أن علمنا بالماضي فجوة شاءتها المصادفة في جهلنا، وتشتمل آثار السند على خاتم عجيب يتألف من رأسين من رؤوس الثعابين، وهو الرمز المميز لأقدم سكان الهند ممن عرف التاريخ – هؤلاء هم “الناجا” الذين كانوا يعبدون الثعبان، والذين وجدهم الآريون الغزاة قابضين على المناطق الشمالية، والذين ما تزال سلالتهم متلكئة على قيد الحياة في التلال البعيدة، فإذا توغلت ناحية الجنوب، وجدت الأرض التي كان يسكنها عندئذ قوم سود البشرة فطس الأنوف، ويسمون “بالدرافيديين”، ولا نعلم أصل الكلمة,

وقد كانوا على شيء من المدنية حين هبط عليهم الآريون، وبحارتهم المغامرون شقوا البحار حتى بلغوا سومر وبابل، وعرفت مدائنهم كثيراً من رقة العيش وأسباب الترف، فيجوز أن الآريين قد استمدوا من هؤلاء الناس نظام الجماعة القروية وملكية الأرض والضرائب وما يزال “الدكن” إلى يومنا هذا مسكناً رئيسيأ للدرافيديين ومركزاً لعاداتهم ولغتهم وأدبهم وفنونهم”.

غزوة الآريين..

وعن وجود شعب آخر دخل الهند يذكر: “ولم تكن غزوة الآريين لهذه القبائل المزدهرة، وانتصارهم عليها، إلا حلقة من سلسلة متصلة من الغزوات كانت تقع على فترات منتظمة بين الشمال والجنوب، فينقض الشمال انقضاضاً عنيفاً على الجنوب المستقر الآمن، وقد كان ذلك مجرى من المجاري الرئيسية التي سارت فيها حوادث التاريخ، إذ أخذت المدنيات تعلو على سطحه وتهبط كأنها أدوار الفيضان يعلو عصراً بعد عصر، فالآريون قد هبطوا على الدرافيديين، والآخيّون والدوريّون قد هبطوا على الكريتيِّين والإيجيِّين، والجرمان قد هبطوا على الرومان، واللمبارديون قد هبطوا على الإيطاليين، والإنجليز قد هبطوا على العالم بأسره، وسيظل الشمال إلى الأبد يمد العالم بالحاكمين والمقاتلين، والجنوب يمده بالفنانين والقديسين، فالجنة إنما يرثها الجبناء.

فمن هؤلاء الآريون الذين كانوا يضربون في الأرض؟ أما هم أنفسهم فقد استعملوا كلمة “آري” ليعنوا بها “الأشراف” (في السنسكريتية آرياً معناها شريف)، لكن ربما كان هذا الاشتقاق المبنى على النزعة الوطنية أحد الأفكار البَعْدِيَّة التي تُلقي شعاعاً من التهكم المر على علم اللغات، ومن المرجح جداً أن يكونوا قد جاءوا من تلك المنطقة القزوينية التي كان بنو أعمامهم من الفرس يسمونها “إيريانا فيجو” ومعناها “الوطن الآري”، وفي نفس الوقت تقريباً الذي كان الكاسيّون الآريون يكتسحون فيه بابل، كان الآريون الفيديون قد أخذوا يدخلون الهند”.

طبيعة الآريين..

وعن طبيعة الآريين يوضح: “وكان هؤلاء الآريون أقرب إلى المهاجرين منهم إلى الفاتحين، شأنهم في ذلك شأن الجرمان في غزوهم لإيطاليا، لكنهم جاءوا ومعهم أجسام قوية، وشهيّة عارمة للطعام والشراب، ووحشية لا تتردد في الهجوم، ومهارة وشجاعة في الحروب، سرعان ما أدت بهم هذه الخصال كلها إلى السيادة على الهند الشمالية، وكانوا يحاربون بالقسىّ والسهام، يقودهم مقاتلون مدرعون في عربات حربية، أدواتهم في القتال هي الفؤوس إن كانوا على مقربة من العدو، والحراب يقذفون بها إن كانوا على مبعدة منه، وكانوا من الأخلاق البدائية على درجة لا تسمح بالنفاق، ولذلك أخضعوا الهند دون أن يدّعوا أنهم يرفعون مستواها، وكل ما في الأمر أرادوا أرضاً ومرعى لماشيتهم، ولم يحيطوا حروبهم بدعوى الشرف القومي، لكنهم قصدوا بالحرب صراحة إلى “رغبة في مزيد من الأبقار”، وجعلوا خطوة فخطوة يزحفون شرقاً على امتداد نهري السند والكنج، حتى خضعت الهندوستان كلها لسلطانهم.

ولما تحولوا من الحرب المسلحة إلى زراعة الأرض واستقرارها طفقت قبائلهم بالتدريج تأتلف لتِكوّن دويلات، كل منها يحكمها ملك يقيده مجلس من المقاتلين، وكل قبيلة يقودها “راجا” أو رئيس يحدد قوته مجلس قبلي، وكل قبيلة تتألف من جماعات قروية مستقل بعضها عن بعض استقلالاً نسبياً، ويحكم الجماعة القروية مجلس من رؤوس العائلات، ويروى عن بوذا أنه قال في سؤاله لمن كان له بمثابة القديس يوحنا: “هل سمعت يا “أناندا” أن الفاجيين يجتمعون عادة ليتشاوروا الأمر قبل الحسم فيه، وأنهم يرتادون الاجتماعات العامة التي تعقدها قبائلهم؟…

فما دام الفاجيون يا “أناندا” يجتمعون هكذا عادة، ويرتادون الاجتماعات العامة التي تعقدها قبائلهم، فتوقع منهم ألا يصيبهم انحلال، بل يصيبهم النجاح””.

الزواج..

وعن تفاصيل الزواج يواصل: “والآريون، كسائر الشعوب، كانت لهم قواعد الزواج في حدود العشيرة وخارج حدودها معاً، بمعنى أن يحرم الزواج خارج حدود جنسهم، كما يحرم داخل حدود الأقرباء الأقربين، ومن هذه القواعد استمد الهندوس أميز ما يميزهم من أنظمة اجتماعية، وذلك أن الآريين عندما رأوا أنفسهم قلة عددية بالنسبة إلى من أخضعوهم ومن يعدُّونهم أحط منهم منزلة، أيقنوا أنهم بغير تقييد التزاوج بينهم وبين هؤلاء، فسرعان ما تضيع ذاتيتهم العنصرية، بحيث لا يمضي قرن واحد أو قرنان من الزمان حتى تهضمهم الأغلبية في ثناياها وتمتصهم في جسمها امتصاصاً، وإذن فقد كان أول تقسيم للطبقات قائماً على أساس اللون لا على أساس الحالة الاجتماعية.

فتفرّق الناس فريقين: فريق الأنوف الطويلة وفريق الأنوف العريضة، وبذلك ميزوا بين الآريين من جهة، و “الناجا” و “الدرافيديين” من جهة أخري، ولم تكن التفرقة عندئذ أكثر من تنظيم الزواج بحيث يحرم خارج حدود الجماعة؛ وكاد نظام الطبقات ألا يكون له وجود في العهد الفيدي بهذه الصورة التي اتخذها فيما بعد، حيث أسرف في تقسيم الناس على أساس الوراثة وعلى أساس العنصر وعلى أساس العمل الذي يزاولونه، أما بين الآريين أنفسهم فقد كان الزواج حراً من القيود (ما عدا ذوي القربى الأقربين)، ولم تكن المنزلة الاجتماعية تورث مع الولادة”.

عصر البطولة..

وعن انتقال الهند لعصر مختلف اختلف فيه نظام الطبقات يذكر: “فلما انتقلت الهند الفيدية (2000 – 1000 ق.م) إلى عصر “البطولة” (1000- 500 ق.م)، أو بعبارة أخري لما انتقلت الهند من ظروف حياتها كما صوّرتها أسفار الفيدا، إلى حياة جديدة ترى وصفها في “الماها بهارتا” و”رامايانا”، أصبحت أعمال الناس مقسمة بينهم بالنسبة إلى طبقاتهم الاجتماعية، بحيث يرث الولد عمل طبقته، وتحددت الفوارق بين الطبقات في وضوح وجلاء، ففي القمة كان “الكشاتريّة” أو المقاتلون الذين عدوها خطيئة من الخطايا أن يموت الرجل منهم في مخدعه، حتى المحافل الدينية في الأيام الأولى كان يؤديها الرؤساء أو الملوك على نحو ما كان يقوم قيصر بدور كبير الكهنة، وكان البراهمة، أي الكهنة، لا يزيدون عندئذ عن مجرد شهود في الاحتفال بتقديم القرابين.

ففي “رامايانا” ترى رجلاً من طبقة “الكشاترية” يحتج احتجاجاً حنقاً على زواج “عروس شماء الأنف فريدة” من عنصر المقاتلين “من كاهن براهمي ثرثار”، وفي الأسفار “الجانتية” ترى زعامة “الكشاترية” أمراً مسلماً به، بل يذهب الأدب البوذي إلى حد أبعد، فيسمى “البراهمة”: “من أصل وضيع”. وهكذا ترى الأشياء يصيبها التغير حتى في الهند”.

البراهمة..

وعن نمو نفوذ البراهمة يضيف: “لكن ما حَلَّ السلم محل الحرب، وبالتالي ازدادت الديانة أهمية اجتماعية وتعقداً في الطقوس، لأنها أصبحت عندئذ عوناُ إلى حد كبير للزراعة، تقيها شر الكوارث الجوية التي لا يمكن أعداد العدة لها، فقد تطلبت الديانة وسطاء فنيين بين الناس وآلهتهم؛ ولهذا ازداد البراهمة عدداً وثروة وقوة، فباعتبارهم القائمين على تربية النشء، والرواة لتاريخ أمتهم وآدابها وقوانينها، استطاعوا أن يعيدوا خلق الماضي خلقاً جديداً، وتشكيل المستقبل على صورتهم، بحيث يصبون كل جيل صبّاً يزيد من تقديسه للكهنة، فيبنون بهذا لطبقتهم مكانة ستمكنهم في القرون المقبلة من احتلال المنزلة العليا في المجتمع الهندوسي.

وقد بدءوا بالفعل أيام بوذا يَتَحَدَّوْنَ سيادة طبقة “الكشاترية”، وعَدُّوهم طبقة أحط من طبقتهم، على نحو ما كان يعدهم “الكشاترية” من قبل أدنى منهم منزلة، وأحس بوذا أن لكل من وجهتي النظر ما يؤيده، لكن “الكشاترية” مع ذلك لم تخف زعامتها الفكرية بالقياس إلى البراهمة، حتى في عهد بوذا نفسه، بل إن الحركة البوذية نفسها، التي أسسها شريف من أشراف الكشاترية، نافست البراهمة زعامتهم الدينية على الهند مدى ألف عام”.

طبقات أدنى..

وعن باقي الطبقات في المجتمع الهندي يكمل: “وتحت هذه الأقليات الحاكمة طبقات في منازل أدنى، فهناك طبقة “الفيزيا” أو التجار والأحرار، الذين كادوا قبل بوذا ألا يكون لهم ما يميزهم طبقة قائمة بذاتها؛ وهناك طبقة “الشودرا” أو الصناع الذين يشملون معظم السكان الأصليين، وأخيراً هناك “البارْيا” أو المنبوذون، وقوامهم قبائل وطنية لم ترتد عن ديانتها مثل قبيلة “شاندالا”، وأسرى الحرب، ورجال تحولوا إلى عبيد على سبيل العقاب، ومن هذه الفئة التي كانت بادئ أمرها جماعة صغيرة لا تنتمي إلى طبقة من الطبقات، تكونت طبقة “المنبوذين” في الهند اليوم وعددها أربعون مليوناً.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة