يرى ادونيس في تجربة بدر شاكر السياب الشعرية بأنها تجربة ريادة بدءا منها ومعها اخذ ينشا للشعر العربي الجديد وسط تعبيري وهوالأن من القوة والسيادة بحيث يبدوابداعا مستمرا كونه مؤسسا لتجربة جديدة كرس الكثير من مفهوماتها واتجاهاتها من خلال انجازاته الشعرية العظيمة وارتباطها بمفهوم الحداثة بل أصبحت احد العناصر الأساسية في تشكيل هذا المفهوم ….والريادة كما يعرفها الاستاذ الناقد ماجد صالح السامرائي في بحثه عن تجربة السياب… هي تحقيق أنعطاف واضح في مجالات الابداع ويتكرر هذا الانعطاف بالنسبة للأجيال التالية ويكون قوة لاتعي نفسها وأهمية ماتنجز وهي ايضا تأسيس لعلاقة جديدة مغايرة للسائد والمألوف بين المبدع والعالم ….
وهاهو الشعر العراقي الحديث بكل اسمائه وعناوينه وتنوع اجياله منذ انطلاقة بدر شاكر السياب الاولى وانتظام تطور رؤيتهم واصداراتهم ونشرياتهم العلامة الفارقة المهمة في حركة الشعر العربي عموما والتي بدا بشق طريقها الجميل الرواد العظام وعبد مسارها مبدعون ساروا على خطاهم ليرسموا خارطة الشعر العراقي الجديد وحداثته التي تخطط ملامحمها وتحدد مساراتها انجازاتهم العظيمة
فالسياب والبياتي ونازك والحيدري اضافة الى قائمة تطول باسماء من واكبوا مسيرتهم وحملوا راية الحداثة معهم او بعدهم اسسوا لمسار الخط التصاعدي لحركة التطور التي حصلت وتحصل في شعرنا العربي الحديث فعبر نصاعة التجربة ووعي الاطلاع على التجارب الكونية في الفكر والثقافة والادب والفن وتنوير عقولهم ومحاولاتهم للحاق بركب الثقافة العالمية والاوربية او الانكليزية والفرنسية وامريكيا اللاتينية والاتحاد السوفيتي والعالم الثالث ….
كان احساسهم بالتغيير منطقيا ومنصفا ورفضهم للمتداول والسائد والمكرر والممل ذلك الذي جعلهم يبدأوون المغامرة والمجازفة ولا ننسى دور الخمسينين في تكريس ودعم هذه الحركة وتثبيت اركانها ودفع عجلة الشعر الى امام ودورهم لايقل شأنا عن زملائهم او ربما اساتذتهم ومعلميهم واحترامهم لتجاربهم وانجازاتهم واعترافهم بالجميل الكبير والأمانة الادبية والتأريخية التي تركوها على عاتقهم وأذ بدأوا منها
لنشاهد الجيل الستينيي الذي قفز بالشعر العراقي الحديث تلك القفزة الكبيرة والطفرة النوعية الواسعة التي اخرجته من طوطمه ومخاوفه القديمة التقليدية وتردده في محاولات التجريب والمغامرة والأنفتاح والخروج عن المالوف فكان هذا الجيل هو الباب التي انفرجت على مصراعيها ليكون مجال الحرية في الكتابة الشعرية في اوجه والتنوع والمحاولات الجديدة والاستفادة من الفنون والأداب ومجالات التطور في العلم الحياة والترجمة كانت سببا في ترسيخ ممفهوم التطور والتجاوز أضافة الى تاثير ظهور الحركات الثورية في العالم وتطور الفكر العربي الثوري المعاصر والافكار الاخرى وطغيان اليسار الجديد في العالم العربي والعراق خصوصا والاحداث التي عصفت بالأمة العربية وعلى رأسها نكسة فلسطين وحرب 1967المشوؤمة والاندحار العربي وانكسار الحالة النفسية العربية بعد حرب حزيران وابرز ما فعلوه انهم وضفوا الكثير من تقنيات العصر للشعر وربطوا حركة الحياة ومسارها رغم الرقابة الحكومية المشددة وطبقوا النظريات الحديثة ومارسوا النقد الحديث بمصطلحاته الجديدة وروضوا الثقافة والحياة والمجتمع وتكرست خلالهم الاسماء الكبيرة لمرحلة شعرية عكست نضوج المرحلة بصورة متقدمة ناضجة ومثمرة ومؤثرة والقائمة تطول بالاسماء المعروفة لذلك كان النقد الادبي مواكبا لتلك المرحلة ومعبرا عنها ومتطورا معها وعلى راسها كان ادب الواقعية الأشتراكية الذي حدد مهامه الأولى المتمثلة بالكشف والبحث عن الصدق والحقيقة بالأضافة الى الأيديولوجية في الفن وكذلك في التكامل الفني بشكل اواخر في هذا اللون او ذاك وتحقيق التغيير الصحيح الناجح وتطلعات الأنسان العراقي والتزامه الواضح في قضاياه وقد ظهرت خلال هذا الجيل الكثير من التطبيقات لمدارس الأدب المتنوعة والفنون الأخرى وكانت حرية وحركة التجريب في اوج انفتاحها …وخلال سيادة النقد في هذه الفترة تم تكريس قضية الأجيال الشعرية …
وجيل السبعينيات كان ظهوره مع ثورة 17/30تموز حمل هموم التغيير والتناقض الفكري والسياسي في تشكيل الجبهة الوطنية اولا وانقسم الى فريقيين سياسيين يتصارعان في تكريس اسماء الشعراء من هذا الجيل واعدادهم تفوق العدد الستيني بكثيرورغم تطلعاتهم الثقافية والفكرية الواسعة وتمردهم العشوائي ترسخت اسماء كثيرة ويأتي بعدهم مباشرة جيل الثمانينات ومع الحرب العراقية الايرانية تنهال اسماؤهم مع تجربة القتال والمعارك التي دارت اكثر من ثمان سنوات لترسم تنوعا اخر وتجارب جديدة ومغامرات ومحاولات ادت مع الزمن الى مايشكل ردة الفعل ظلت محملة بشيء مما طرحوه اتاح لهم التحرر من اي ارتهان لأسلافهم وابرز مايميز هذه النخبة من الأسماء هو كثرتها العددية وتنوع طروحاتها وطغيان طقوس
الحرب ومداخلاتها واضطرار الكثير الى المباشرة ومحاكات يوميات القتال ونعي الشهداء وتكريس مصطلح ادب الحرب …
رغم ذلك استطاع الكثير منهم التجاوز والتخطي والعبور بتجربته الخاصة الى شواطيء الابداع الجميلة ….
وليس لي الأ التساؤل هل ثمة جيل تسعيني حقا أو جيل الالفية الثانية وربما سنسمي بعض الاجيال اللاحقة بجيل الاحتلال وجيل الالفية الثانية وما الى ذلك …ولكن هناك اسماء جديدة نقرا لها ونتوقف عندها ونستذكر القوة التي تدفعنا للكتابة بلا تردد اوخوف فالاطلاع دائما هو الهدف والقراءة المتقنة الجميلة هي التي تدعونا للتواصل …والذين ماتوا تركوا فراغا كبيرا في حياتنا الشعرية مايزال جانب منه مملوء بالانجازات المؤثرة ومايزال الاحياء يرفدوننا بالجديد واننا نقف اليوم على اكتاف عمالقة ….نقف اجلالا لما قدموا من ابداع رصين يفرض نفسه عبر الزمان والمكان والاجيال ……
………..