18 ديسمبر، 2024 8:46 م

الروح .. والنفس…. في نظرية ….الخلود

الروح .. والنفس…. في نظرية ….الخلود

أجمعت الأراء التاريخية في غالبيتها ان معتقد الحياة بعد الموت عند الشعوب القديمة كان وَهَماً..لذا ساد الأضطراب عقول الناس في مصير موتاهم فعاش الانسان عشرات الآلوف من السنين قبل عصر الحضارات دون اهتمام بموتاه في دفنهم او تخليد ذكراهم أو حتى دفنهم بعد الموت..حتى انصقل ذهنه وترهفت ملكاته ليصبح قادرا على (عقل) الأشياء اي ربطها بعضها ببعض ، وحين أدرك النتائج الصحيحة ، بدأ يخطُ الخطوة الاولى نحو الحضارة .
وحين انتقل الى المرحلة الثانية من الوعي الحضاري احتاج الى وقت طويل ايضاً حين اصبح التفكيرعنصرا اساسياً وفعالا في توجيه اعماله وصنع حضارته..بعد ان ادرك الوعي الانساني واهميته في الحياة الانسانية بشكل عام .وبذلك أدرك ايضا معرفة القوى المسيرة للتاريخ أو العثور على قواعد تحكم سيرالأحداث في حياته وهما..”العدل والأمان” ..في الصعود والنزول الحضاري.. استطاع ان يفهم قواعد وقوانين معرفة الطريق الصحيح لبناء الحياة الأكثر أمنا وأستقراراً والأقدرعلى توفيرمستلزمات أسباب الرخاء أو ما يسمى بالسعادة للبشر.هنا بدأ العقل يتغلب قليلا على العاطفة فظهرت قيمة الانسان عنده في حياته ومماته .فكانت بداية عصر الحضارات اليونانية والعراقية والمصرية القديمة .
لكن (العاطفة) بقيت اكثرها شدة في نفسه حين تولدت منها الغريزة فنجحت في حالات كثيرة في التغلب على العقل وتذليله لرغباتها من هنا بدأت جدلية الحياة عنده…”غريزة المال والأجرام والجنس” مع العدالة ..لكن الأحساس بالأخرالايجابي ظل ضعيفاً .. فادى الى الحروب والقتول والأعتداءات وألأباحية فحلت الفوضى الخلقية في مجتمعه حتى ادرك الخطأ ..فبدأ يرتقي الى اسباب التقدم..ولا زال هذا النقص قائما الى اليوم بين المتحضرين والأقل أدراكا لها..حسب ظروفها الزمانية والمكانية ومدى توظيفها للعقل الأدراكي..لذا فلكل جماعة حضارتها العقلية ومدى فهمها للمعتقدات الغيبية وان هي أدعت الدين وحضارة العصر الحديث ..فكانت نتيجة التقييم …هي الفرق في المستوى.
وعندما بدأ الانسان القديم يشعر بالاستقرار والامن والحقوق بدأ يفكر في الموت والخلود ونهاية العالم وهو الجانب المظلم في حياته .ومن هذه الخلجات النفسية المتعارضة التي بدأت تصادفه في حياته الواعية مفاجئات بحاجة الى تفسير ، والغائبة عنه كالقوة المفرطة بالحفاظ على حقوقه ..وسبل مقاومة مغتصبيها مثلاً ، والاحلام التي لا يستطيع تفسيرها التي ولدت فيه رعب الأحداث القادمة .
..من هنا نشأت نظرية تفسير الاحلام التي في غالبيتها تصور شخصي دون حجة لتثبتها.. فضل الفرق بين النفس والروح والخلود الجسدي مجهولا عنده ..حتى ترك الميت دون دفن في العراء لكراهية المواقف الحياتية وما يعانون منها من الأخر ..الى ان هداهم العقل الى ضرورة دفنه والتخلص من الروائج الكريهة التي يتركها بعد الموت ، حين جاءت الاشارات الدينية الى ذلك كما في قصة الغراب في القرآن وبداية التقليد في دفن الموتى او حرق الجثث لاحتقارهم لها بعد الموت ، وما تسبب من روائح كريهة للاحياء ..يقول الحق :”فيبعث الله غُراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه”..المائدة 31.
لكن سرعان ما تيقظ عقله لهذه الاجساد التي تملك الروح المنفصلة عنها والذاهبة الى عالم الخلود كما تصورعن طريق رؤيا الآباء والأقارب في الاحلام وهي تعود اليه لتحاوره عما حدث ، فبدأ يقدس ارواح الاباء والاجداد بعد ان اعتقد ان الحياة الدنيا ما هي الا اعدادا لمستقبل الحياة الابدية ..وبقي على هذا الحال حتى استقرت فكرة المعتقدات في فكره فكانت الديانات الأرضية والسماوية اشارة له لتغيير نمط حياته ..بعد الممات.
ومهما قدمت الدراسات القديمة من تفسيرات على النفس والروح ظلت قاصرة على تحديد معناهما حتى في الديانات السماوية (الروح من أمر ربي).لكن المهم علينا ان ندرك قبل الدخول في معتقد الروح والنفس والفرق بينهما ان نعرف ان التركيب البدني للانسان واحد والقدرات الذهنية واحدة والاختلاف بينها..” وَهمُ..”المهم مدى استيعاب الانسان لمبادىء الاخلاق والصدق والصفاء والبعد عن الخداع..ولربما هذه هي نقاط الضعف في القيادات السياسية التي حكمت البلدان دون وعي الضميروالى اليوم ، والتي مكنت الاعداء من غزو الوطن ومحاولة أذلال اهله وأسترقاقهم لصالح الأعداء عبر التاريخ .
الشعوب هي، هي ، لن تختلف..لكن صيرورة الزمن هي التي اختلفت عند بعضها ..فكان العقل بدلاً من العاطفة …والعدل بدلا من الظلم ..والامان بدلا من الخوف…هنا تغيرت سايكولوجية البشر نحو القيم الحقيقية له ..فهل فهمت شعوب الأديان هذه النظريات لتحكم وطن..وتؤسس مؤسسات وتبعد ترهل مؤسسة الدين عنها..حتى وصلنا ان نختلف حتى على الذي لا يختلف عليه..فكان اختلافنا في النفس والروح والجسد والمعتقد والحقوق في مساوات البشر حين حددتها الديانات الالهية بالنص وان جاء التحديد غامضا( يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي..وما أوتيتم من العلم الاقليلا) لكن في العدل جاءت الوصايا السماوية واضحة”أعدلوا ولو كان ذا قربى”.والى اليوم لازال الظلم ساريا والقانون غائبا والتبرير الديني منهم مطبقا والنص المقدس يرفض الظلم”انا أعتدنا للظالمين ناراً”..فهل بهذه القيم اللامعقولة سنتقدم ونبني دولة ..
أمر مستحيل..
وعندالقدماء من البشر..كالسومرين والبابليين مثلاً كانت الروح تعني هي الدار المظلمة للاطياف والاشباح مجهولة الأساس ..وعند الهنود هي مجموعة الاساطير الوهمية التي يجب ان تحرق ،وعند الزرادشتيين ،لا تخرج عن ذلك ، لذا حذر زرادشت الملوك من آل ساسان من الجاه والسلطان ..واكد لهم ان الزمان لاجديد فيه الا العقل..لكنهم ظلوا لا يعقلون..والى اليوم حين تغلبت العاطفة الدينية عليهم- والعاطفة تعمي القلوب في الصدور- ..حتى عدهم التاريخ الحديث انهم اصبحوا من اشرار الاقوام في التعامل مع الاخرين.(أنظر عهد أردشير الفارسي) في كتاب احسان عباس الصادر في بيروت عام 1969…
وعند فلاسفة اليونان القدامى مثل افلاطون هي صراع الخلود في عالم الارواح المجهولة..والصراع هو الذي يحول الاشياء بعضها الى بعض ،وان حياة اي شيء تقتضي موت شيء اخرعنده ، فتتولد الارواح التي لا تُعرف ..وقال : “الوجود موت يتلاشى .. والموت وجود يزول ..لكن الارواح تبقى لا تزول” ..فالخير والشر والكون والفساد أمور تتلازم ثم تحيا وتموت ..لكن الروح تبقى حيةً لا تموت …
مجرد تخيلات دون دليل ..
..وحين جاء الاسلام أدخل على الفكر العالمي عمقا بالغاً حين تكلم عن الموت والحياة والروح والنفس والجسد ..”انا خلقنا الموت والحياة لنبلونكم ايُكم احسن عملا سورة الملك2..فالموت والحياة كلاهما خلق وليس هما من اسرار الحياة كما قال بهما فلاسفة القديم .. وانما هي من قوانين الوجود المادي الموضوعي خارج الوعي الانساني لانهما قدرمن أقدار قوانين الخلق..نظرية جديدة فاقت نظريات القدماء من فلاسفة النفس والروح .. فالنفس هي التي تموت بأجل ..كل نفس ذائقة الموت..”واذا جاء أجلهم..لايستأخرون …”لكن عالم الروح يبقى دون موت..
لكنها بقيت لا تُدرك ..
ان ما ترتب على النظرية من افكار دينية وهمية مخترعة لا تمت اليها بصلة بعد محاولة مؤسسة الدين جعل النفس والروح من المترادفات في المعنى شأنها شأن الكتاب والقرآن ..لذا حاولوا استغلال نظرية المعرفة القرآنية فجاؤونا بالكثير من التخريجات الخُرافية كمحاسبة الموتى في القبور والملائكة وكيفية الحساب .. وأهوال النار وما شابه ذلك حتى ادخلوا الناس في دياجير الوهم والذهول اللا معقول..بغية تركيع العقل الانساني لها دون شروط ..فكانت مؤسسة الدين بلاء على الناس غير معقول..ولازالت..
من هنا تطرح نظرية جديدة في عالم الارواح والنفس هي كيف يجب على الانسان ان يفكرمنطقيا واخلاقيا ليعترف بحقه وحقوق الاخرين لاقامة نظرية التوازن في الحقوق (نظرية منذ القدم أقرتها الأديان والشعوب)..وحبن أدرك النظرية بدأ يحس بالقيمة المعنوية المرتبطة بالخير والشرالتي أقرتها كتب السماء وهم عنها غافلون ..ولكن اين لنا من منهج دراسي يعلمنا حقيقة الحياة..والحياة بعد الموت ؟ بعد ان حولت مؤسسة الدين هذه النظرية الحديثة الى هرطقة وسفسطة..اللامعقول.
أما عند العلماء الفلاسفة المحدثين ان الروح هي الاخلاق والصدق في نظرية المعرفة الانسانية التي صاغها القدر منهجا في التفكير العلمي لتمنح الانسان القدرة على التعامل والتفاعل الفكري مع الاخر بغض النظر عن العقيدة والدين وهم الأقرب للواقع والقبول.. أيديولوجيا.
ولاننا اضعنا هذا التوجه المعرفي بعصبية الدين والتفسير النصي المتشنج لفقهاء الترادف اللغوي الخاطىء، اعتقدنا ان كل فكر من الاخر هو عدو لنا بالضرورة ، فكان موتنا كما نحن اليوم نركض ونلهث خلف خزعبلات مؤسسة الدين الوهمية لدرجة اننا الى اليوم لم نعطِ تعريفا واضحا للاسلام وبقينا في الاوهام ..
فضمن هذا المنطق لم يتم تعريف الاسلام الى اليوم..اما اذاقلنا: “ان ما يطرحه الدين فيه حق وفيه باطل، وفيه خطأ وفيه صواب ..”هنا نستطيع ان نتفاعل ايجابيا مع الفكر الانساني دون خوف او وجل..فهل سنعي كيف نمتلك ميزانا مرنا للتفاعل به مع الاخرين الذين نلهث من ورائهم لنعيش في بلدانهم بعد ان حرمتنا بلداننا الاسلامية من الحقوق والعيش الكريم ..كونوا منصقين..؟ ونحن نفقده اليوم..مالم نعي بالعقل الأدراكي نظرية المعرفة بصياغة العصر الحديث..لتحقيق الحقوق .
وتبقى الروح هي سر الأسرار التي لم تفصح عنها حتى الديانات السماوية ..لكن المقدمات تفسر المضمون فهي حقيقة موضوعية مطلقة في وجودها خارج الوعي الانساني..وفهمها يخضع لقواعد البحث العلمي الموضوعي وسرها غيبُ ..والغيب لا يعلمه الا الله..”لوكنت اعلم الغيب لأستكثرت من الخير،الاعراف 188 ” فلا احد يعلمه ولامعصوم له يدركه.. فالعصمة في قدر الانسان وليس فيه ، وتبقى اسرار الارواح من اسرار الغيب هذه الاسرار التي تحاول مؤسسة الدين الانتساب اليها باطلا
وهو المستحيل.
وتبقى المعتقدات الدينية هي أس المشاكل بين الناس اليوم مالم تعامل بموازين الحق والعدل والحرية والمنطق الصحيح ..وخاصة بين المسلمين الذين يعتقدون بأن دينهم احسن الأديان – والكثير منهم يعيش في بلاد الكافرين – كما يعتقدون خطئاً ..ودينهم الذي قال لهم ” لكم دينكم ولي دين” فلم يتعضوا ..فأين نحن من الحقيقة..؟
وتبقى الحقيقة غامضة حتى نفصل الدين عن السياسة ونلغي رأي الفقه الميت وفقهاء التخريب واستبداله بفكر علمي جديد .. لنتمكن من تحقيق حرية الرأي في التثبيت.
[email protected]