أربع مصطلحات وردت في القرآن الكريم هي : الكتاب ،القرآن ، الفرقان، الذكر …فسرت عند المفسرين بتفسير واحد متشابه على انها مترادفات اي متشابهات ،فهل هي مترادفات حقاً أم مختلفات في اللغة والمعنى؟
على الباحث ان يقدم الدليل على التغاير او التشابه ليصل القارىء الى الحقيقة الموضوعية للسؤال بعد التفسير المبهم لها . لذا علينا ان نبدأ بتحديد مصطلحي (الكتاب والقرآن) ثم ننظر في مصطلحي الفرقان والذكر ، لنقدم عرضاً بالرأي المقبول علميا ولغوياً؟
كلمة الكتاب جاءت من كلمة كتبَ،والكتاب في اللسان العربي تعني جمعُ أشياء بعضها مع بعض لأخراج معنى مفيد.وللكلمة تخريجات لغوية كثيرة مثل مَكتب وكَتيبة او كُتب الصلاة والصوم وكلها مع الجملة تؤدي الى معنى مفيد،كما في قوله تعالى(ان الصلاةَ كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا،النساء،103 ). أن أعمال الانسان كلها كُتب،في المشي والنوم والزواج والحج وغيرها كثير. من هذا يتبين لنا ان لا يوجد شيىء في اعمال الانسان الا وله كتاب (وكل شيىء أحصيناه كتابا، سورة النبأ أية 29 ).
وحين يقول الباري عز وجل (كتاب أحكمت أياته، هود1) فهذا لايعني ان القرآن يشيرالى كل آيات المصحف ، وأنما يعني مجموعة الآيات المحكمات،وعندما يقول الحق(كتامتشابهاً،الزمر23)،فأنه لا يعني الاشارة الى كل المصحف ، وأنما يعني الآيات المتشابهات.وعندما قال تعالى: (وما كان لنفسٍ ان تموت الابأذن الله كتاباً مؤجلاً،آل عمران 145)،فأنه يعني كتاب الموت،وعليه فأن من الخطأ أن نظن أنه عندما ترد كلمة كتاب في المصحف فانها تعني كل المصحف،لأحتواء المصحف على كتب كثيرة ومتغايرة. فالكتب التي وردت في القرآن الكريم هي على نوعين : الاول ما يتعلق في العبادات والسلوك الانساني ككتب الصلاة والصوم والاخلاق،والثاني قوانين الكون وحياة الانسان ككتب الموت وخلق الكون. لذا فالرسالة المحمدية هي مجموعة التعليمات التي يجب على الانسان التقيد بها،وهي مناط التكليف..ولا يجوز لأحد التلاعب بها بحجة التفسير الفقهي المهبي المخترع منهم الا بدليل.
ان الكتاب الألهي يحوي المحكمات على حدة، والآيات المتشابهات على حدة، وآيات أخر لا محكمات ولا متشابهات…كما في قوله تعالى : (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين،يونس37). فالمحكمات هي التي تمثل رسالة النبي ، وهي ام الكتاب وهي قابلة للاجتهاد حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية وليست ثابتة ،والمتشابهات هي التي عرفت بالقرآن والسبع المثاني ، وهي قابلة للتأويل وهي آيات العقيدة، اما الايات اللامحكمات والا متشابهات فهي ايات تفصيل الكتاب. من هذا يتبين لنا ان هناك فرقاً بين الكتاب والقرآن والفرقان والذكر.فالقرآن والسبع المثاني هما الايات المتشابهات ويخضعان للتأويل على مر العصورأستجابةً للصيرورةالتاريخية المتحركة ،لأن التشابه يحوي ثبات النص وحركة المحتوى.
فالقرآن لايفسر بل يؤول ، لذا فالتفسير القرآني حمل طابع الفهم المرحلي النسبي لقوانين الوجود ،وأم الكتاب هي التشريعات الملزمة للناس في التنفيذ..من هنا أمتنع الرسول عن تأويل القرآن حفاظا على صيرورة الزمن.
وما يدل على التغايربينهما هو ما جاء في قوله تعالى :(شهررمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان،البقرة185).نلاحظ هنا ان القرآن جاء معطوفاً على الكتاب،وفي اللسان العربي لا تعطف الا المتغايرات ،أوالخاص على العام.وهذا يدل على أحتمالين:
الأول:ان القرآن شيء والكتاب شيىء أخر،لكن التجانس يثبت الأصل الواحد أنهما من عندالله عزوجل.
والثاني:ان يكون القرآن جزءأً من الكتاب ،وعطفهما يكون من باب عطف الخاص على العام ،للتنبيه على أهمية الخاص ،كما في صورة فاطر 31،قال تعالى : (والذي أوحينا أليك هو الحق مصدقاً لما بين يديه ان الله بعباده لخبير بصير).
ان الله مطلق ومعلوماته مطلقة ، وعند الله توجد الحقيقة الموضوعية بشكل مطلق،لذا فأن المعرفة الخاصة جاءت لأفهام الناس النسبية في مطلقية الله في المعرفة،هنا جاءت المعرفة القرآنية تَدَرُجية،أي قراءة النص القرآني مع نمو المعرفة الانسانية ، فكان ثبات النص وحركة المحتوى هو الحل الوحيد الذي أهداه الله للبشرية لتكون المعرفة للناس من عند الله مباشرة وهو المثل الاعلى في الهداية (ولله المثل الأعلى).هنا جاء الاتصال بالبشر بطريقتين :
الاولى :عن طريق النبوات والرسل كما في رسالة التوراة والانجيل المرحلية ،والمرحلية لا تخضع للزمن الدائم، لذا فأن تفسير القرآن وفق التفسير التوراتي كان الطامة الكبرى بالنسبة للمفسرين الأوائل الذين كانوا يجهلون هذا التصور القرآني العظيم لخلق الكون والانسان.ان مجيء الحركة العلمية العالمية قضت على التفسير القرآني وفق هذا المنطق الذي جاء به الفقهاء المسلمين ورجال الدين المسيحيين،ساعتها وقف العلماء جميعاً موقف الحيرة من هذا التصور التوراتي فلم يكن بمقدورهم الا رفض التفسير التوراتي وأستبدالة بالتفسير العلمي البحت،مما مهد لضرب الكنيسة وفصل الدين عن الدولة ،وهكذا كانت اوربا بعد ظهور الحركة العلمانية وابعاد الدين عن السياسة والمجتمع وظهور حركة النهضة الاوربية..بينما بقي فقهاء المسلمين مصرين على التفسير الفقهي فظلت الحركة الدينية الاسلامية متجمدة دون تحريك..
.
أما الطريقة الثانية :وهي طريقة الاتصال دفعة واحدة لا رجعة بعدها،وهنا كان الحل بظهور نظرية ثبات النص وحركة المحتوى،وهو التشابه الذي يحتاج الى التأويل بأستمرار،فكان القرآن هو الحل الامثل لاحتواء عصرنة الزمن على الرغم من ثبات صيغته اللغوية ورفضه للترادف اللغوي،وهنا يكمن أعجاز القرآن بجماله البلاغي والتفسيري،ان التأويل يجب ان يكون من قبل العلماء مجتمعين لا الفقهاء متفرقين وكل حسب أرضيته المعرفية في كل زمان ومكان،أستناداً الى الآية (7) من سورة آل عمران (وما يعلمُ تأويله الا الله والراسخون في العلم). وهذا هو الحل .فالتمسك بالرأي الفقهي المذهبي المتعارض لايقدم لنا شرحا لنظرية التحريك التاريخي التي طالب بها النص المقدس فتجمد ت المعرفة عند المسلمين.
ولأنهاء الاشكاليات التي نعاني منها الآن والتي أوجدها لنا المفسرون خطئاً وأدخلونا في نفق الانحباس الفكري الرهيب الذي أصبح بمرور الزمن هو المعتمد في التطبيق فكان ولا زال الطامة الكبرى لنا الى اليوم.فالقرآن يؤول ولا يفسر. لذا فأن التفاسير القرآنية الحالية يجب ان يعاد النظر فيها وترفع من مناهج التدريس في المدارس والجامعات والمعاهد الدينية واستبدالها بنظرية التأويل الجديدة من قبل علماء التخصص لا فقهاء التعارض،والا سيبقى المجتمع العربي والاسلامي غارقاً في الخطأ..والتخلف كما هو اليوم..والمستفيد الوحيد هي مؤسسة الدين .
أما الذكر:
فهو تحول القرآن الى صيغة لغوية أنسانية منطوقة بلسان عربي،لذا قال تعالى للعرب :(لقد أنزلنا اليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون،الانبياء10).هنا جاء تكريم العرب بالقرآن،لكن هذا التكريم لا يعني ان الله كان عربيا ،لأنه سبحانه وتعالى منزهاً عن الجنس.
وعلينا ان نفهم ان الذكر ليس القرآن نفسه ،بل هو أحد صفات القرآن(ص والقرآن ذي الذكر،ص1)،وهذا الطرح العلمي الرصين في القرآن حل الاشكالية الكبرى التي تولدت بين المعتزلة وخصومهم حول نظرية خلق القرآن على عهد الخليفة المآمون العباسي. علينا ان نفهم ان أهل الذكر هم أهل اللسان العربي، فالصلاة لا تجوز الا باللسان العربي للتأكد من التلاوة الصوتية للآيات القرآنية ، وهي الصيغة التعبدية كما في قوله تعالى :(أنا أنزلناه قرآناً عربياً،يوسف2).هنا جاءت أهمية اللغة العربية في نشر الاسلام وليس التفاضل بها على اللغات الاخرى. لذا قال القرآن الكريم : (انا نحن أنزلنا الذكر وانا له لحافظون،الحجر9) وذلك لتبيان ان الذكر جاء وحياً مادياً من خارج أدراك محمد(ص) وان التنزيل عملية مادية حصلت خارج ادراك الرسول،ودخلت أدراكه بالأنزال ،وهذا أكبر دليل مادي وعلمي ان القرآن كان منزلأ من عند الله وليس من وحي محمد كما يعتقد البعض .
أما الفرقان:
فقد جاءت لفظة الفرقان في ستة مواضع من المصحف الشريف وفي هذه المواضع الستة جاء معرفاً.،البقرة 53،185،وآل عمران3-4،الانبياء48،الفرقان1،والانفال41. فللنبي موسى جاء الفرقان وجاء معه الكتاب،وهو نفس الفرقان الذي أنزل على محمد(ص) في شهر رمضان وهو منفصلا عن القرآن.ولوتأملنا سورة الانعام في الايات 151-153 لوجدنا ان الفرقان هو الوصايا العشر التي نزلت على موسى وهي مفصولة عن الكتاب،وان الكتاب بالنسبة لموسى وعيسى هو التشريع فقط وليس التوراة والانجيل كما في قوله تعالى ) :ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل،آل عمران 48). فالوصايا العشر هي نفسها التي جاءت الى موسى وعيسى ومحمد،وهي رأس الاديان السماوية الثلاثة وسنامها،لأنها القاسم المشترك بين الاديان الثلاثة هي أخلاقية التطبيق ،وهي تحمل الطابع الانساني العام،.وهذا دليل اخر على ان اليهود والمسيحيين والمسلمين هم اخوة في الانسانية لا يجوز التفريق بينهم سوى بالمعتقد الديني فقط.وان مسألة التكفير فيما بينهم هي مسألة اجتهادية لا غير..يقول الحق:” ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولاهم يحزنون..البقرة 62…فاين الخلاف والاختلافات في الديانات السماوية المنزلة يا فقهاء الدين..؟
ان هذه الوصايا العظيمة هي نفسها الصراط المستقيم التي جاءت الى بني أسرائيل وأصبحت قاعدة عامة لمن جاء من بعدهم من اصحاب الديانات السماوية كما في قوله تعالى:( ولقد مننا على موسى وهارون،ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم،ونصرناهما فكانوا هم الغالبين،وأتيناهما الكتاب المستبين، وهديناهما الصراط المستقيم،الصافات114-118).وقد سميت الوصايا بالصراط المستقيم لأنها لا تتغير أبداً لان الاخلاق هي مبادىء أنسانية عامة يشترك فيها كل البشر، وهي من ثوابت الدين الاسلامي ولا تحمل طابع التغير والتطور والمرونة،كما في التقوى في الاسلام.لذا ان الالتزام بها حدي للانسان ليكون من المهتدين.
والفرقان نوعان: الاول هو الفرقان العام وهو الذي جاء الى موسى وعيسى ومحمد،والفرقان الخاص وهو الذي جاء الى محمد وحده وهو الذي ذكر في سورة الفرقان،قال تعالى:( تبارك الذي نَزَل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا،الفرقان 1). والبحث في هذا الموضوع يطول ان اراد الباحثون التعمق فيه.
من هنا يتبين لنا ان الكتاب هو الرسالة،والحكمة هي الوصايا والتوراة هي نبوة موسى،والانجيل هو نبوة عيسى،ومجموعهم هو الكتاب المقدس والفرق فيها واضح ،أما الاسلام بشموليته هو نبوة محمد ورسالته الكبرى للعالمين.
وبقيت نقطة هامة لابد من التعرض لها وهي المفاهيم الاسلامية المختلفة في تطبيق الشريعة نتيجة الاجتهادات الفقهية المذهبية المختلفة والمتناحرة في كل مفردات الحياة الدينية والاجتماعية عند المسلمين ..ففيها خلاف واختلاف كما في التكتيف في الصلاة ونصوص الاذان وشروط الزواج والطلاق وتعدد الزوجات والارث والصداق والعلاقات العامة بين الرجل والمرأة وأمور اخرى كثيرة جزأت الدين الاسلامي والأديان السماوية الاخرى والمجتمع واحلت العداوة والبغضاء بينهم..في وقت ان كل هذه الاختلافات ما هي الا افتراءات فقهية لخدمة السلطة وارتماء غالبية الفقهاء في احضان السلطان..فمن يستطيع انقاذنا من محنة التاريخ..؟
علينا ان نحترم شجاعة من يقول الحقيقة او بعضها..
عليك اخي القارىء ان تطلب الحق وان قل …..
أنظر الكتاب والقرآن …للأستاذ الدكتور محمد شحرور ..
الذي فصل كل هذا الحقائق بدقة النص..