خاص : بقلم – د. مالك خوري :
يحلو لليبراليين الجدد والجماعات الإخوانية والوهابية، وحتى بعض القوى ذات النظرة الضيقة والمحسوبة على الخط التقدمي أو المعادي للاستعمار، أن تحاول استغلال جهل الكثيرين من الأجيال الجديدة للتاريخ، ليقوموا بتقديم نسخهم الخاصة عن تاريخ “أفغانستان” المعاصر. وهدف هؤلاء بالنهاية هو هدف سياسي يصب في طاحونة تثبيت المقولات الإمبريالية عن الصراعات التي تحدث في منطقتنا: “شعوبنا متخلفة بطبيعتها” / “لا خيار لدينا إلا التيارات الدينية أو الخضوع لإرادة الإمبريالية”.
آخر الترهات السياسية التي ترددت بعد الهزيمة الدامغة لـ”الولايات المتحدة”؛ كانت أن: “المجاهدين الأفغان دحروا التدخل السوفياتي الاستعماري؛ كما دحروا التدخل الأميركي”.
قد يكون لكثير من القوى التقدمية وجهات نظر مختلفة تجاه موضوع التدخل السوفياتي في “أفغانستان”، وهذا طبيعي وضروري من أجل تقييم سلبيات وإيجابيات ما حدث خلال هذه الفترة، ومن وجهة نظر تقدمية. لكن تزوير وإعادة تركيب الحقائق التاريخية لا يجب السماح بتمريره. وهنا بعض النقاط التي يجب إيضاحها في خضم حملات ديماغوجيي الجهل والتجهيل في الميديا ووسائل التواصل.
01 – الجيش الأحمر تم طلبه من قبل الحكومة الاشتراكية الشرعية والمعترف بها دوليًا، وذلك بعد شن “الولايات المتحدة” مع دول عربية وباكستان حربًا: “جهادية” ضد هذه الحكومة. (هذا ليس حال الغزو الـميركي في 2001).
02 – الحكومة الاشتراكية في “أفغانستان” قامت بتغييرات نوعية في الاقتصاد، (محاولة ضرب اعتماده على زراعة الأفيون واستبداله بزراعات أخرى)، والتربية والتعليم وحقوق المرأة وإنشاء المدارس والجامعات. كل هذه الإنجازات ضربت بمجرد وصول: “مجاهدي” أميركا إلى السلطة، واستمر وتفاقم هذا خصوصًا بعد الغزو الأميركي للبلاد.
03 – كان هناك قاعدة شعبية واسعة للحكم الاشتراكي في “أفغانستان”. صحيح أن قواعدهم كانت متفاوتة في قوتها بين الأطياف القبلية الأفغانية، إلا أنها كانت موجودة بقوة وبفعالية، ولم يكن وجودها مرهونًا بالوجود السوفياتي وحده، (أنظر الفقرة التالية). هذا لم يكن حال الأميركيين حين غزوا “أفغانستان”.
04 – السوفيات لم: “يهربوا” من “أفغانستان” ! انسحابهم كان منظمًا، ومدروسًا، وبالتنسيق الكامل مع الحكومة الاشتراكية في “كابول”، وإن أرتبط هذا الانسحاب مباشرة ببدء مرحلة التآمر والتراجع الممنهجة التي قادها “غورباتشوف” لتفكيك “الاتحاد السوفياتي”، (أنظر الصور وراجع الصحافة العالمية في حينه).
05 – الحكومة الاشتراكية في “أفغانستان” استمرت لثلاث سنوات كاملة، بعد انسحاب الجيش الأحمر وبقوتها الذاتية الأفغانية. وللتأكيد: هذه الحكومة بقيت لسنة كاملة في الحكم حتى بعد إنهيار “الاتحاد السوفياتي” نفسه؛ وبعد أن كانت القوى الإمبريالية والرجعية في العالم قد أنفقت تريليونات من الدولارات على حربهم لمنع الشعب الأفغاني من تحقيق أي نوع من التقدم الجدي وعلى أي مستوى.
فكفى تزويرًا للتاريخ.
“أفغانستان”، كما عالمنا العربي، كان وسيكون لديهم في المستقبل بديل عن العُملة الواحدة ذات الوجهين السائدة حاليًا: وجه الإمبريالية، ووجه زبانيتها من قوى الفاشية الدينية.